الباب الرابع والعشرون في النصارى الذين أسلموا وفد
قال : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن إسحاق بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه فكلموه وسألوه ، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع . ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره
فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال؟ ! ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا لهم .
فقالوا : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا .
ويقال إن النفر كانوا من أهل نجران . فالله أعلم أي ذلك كان .
فيقال : والله أعلم- إن الذين آتيناهم الكتاب من قبله أي القرآن . فيهم نزلت هذه الآيات : هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم القرآن قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين موحدين . أولئك يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتابين بما صبروا بصبرهم على العمل بهما ويدرءون أي يدفعون بالحسنة السيئة منهم ومما رزقناهم ينفقون يتصدقون وإذا سمعوا اللغو الشتم والأذى من الكفار أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم سلام متاركة أي سلمتم منا من الشتم وغيره لا نبتغي الجاهلين [القصص 52 : 55] لا نصحبهم .
قال : وقد سألت ابن إسحاق عن هؤلاء الآيات فيمن نزلن فقال لي : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في ابن شهاب الزهري وأصحابه . والآيات من سورة المائدة قول الله عز وجل : النجاشي ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ، ذلك أي قرب مودتهم المؤمنين بأن أي بسبب أن منهم قسيسين علماء ورهبانا عبادا وأنهم لا يستكبرون عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول من القرآن ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق [المائدة 82 ، 83] الآيات . [ ص: 422 ]