وهي تزيد على المائة ، فقد بدعوته صلى الله عليه وسلم . امتازت بتحريمها على لسان أشرف الأنبياء
وكون المتعرض لصيدها وشجرها يسلب كقتيل الكفار ، وهو أبلغ في الزجر مما في مكة ، وعلى القول بعدمه هو أدل على عظيم حرمتها ، حيث لم يشرع له جزاء . ويجوز نقل ترابها للتداوي ، واشتمالها على أشرف البقاع ، وهو محل القبر الشريف ، ودفن أفضل الخلق بها وأفضل هذه الأمة ، وكذا أكثر الصحابة والسلف الذين هم خير القرون ، وخلقهم من تربتها ، وبعث أشراف هذه الأمة يوم القيامة منها على ما نقله [عياض] في "المدارك" عن الإمام قال : "وهو لا يقول من عند نفسه" . مالك ،
وكونها محفوفة بالشهداء كما قاله الإمام أيضا ، وبها أفضل الشهداء الذين بذلوا أنفسهم في ذات الله بين يدي نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فكان شهيدا عليهم ، واختيار الله تعالى إياها لأفضل خلقه وأحبهم إليه ، واختيار أهلها للنصرة والإيواء ، وافتتاحها بالقرآن ، وسائر البلاد بالسيف والسنان ، وافتتاح سائر بلاد الإسلام منها ، وجعلها مظهر الدين ، ووجوب الهجرة إليها قبل فتح مالك مكة والسكنى بها لنصرته صلى الله عليه وسلم ومواساته بالأنفس على ما قاله القاضي عياض أنه متفق عليه ، قال :
"ومن هاجر قبل الفتح فالجمهور على منعه من الإقامة [بمكة] بعد الفتح ، ورخص له ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه ، المدينة وعلى اتخاذ الأصل بها وعلى الموت بها ، والوعد على ذلك بالشفاعة أو الشهادة أو هما ، واستحباب الدعاء بالموت بها ، وتحريضه صلى الله عليه وسلم على الموت بها ، وشفاعته أو شهادته لمن صبر على لأوائها وشدتها ، وطلبه لزيادة البركة بها على مكة ، ودعاؤه بحبها وأن يجعل الله لديها قرارا ورزقا حسنا ، وطرح الرداء عن منكبيه إذا قاربها ، وتسميته لها طيبة" وغيرها مما سبق . "وطيب ريحها ، وللعطر بها رائحة لا توجد في غيرها" قاله ياقوت . والحث على سكنى
وطيب العيش بها ، وكثرة أسمائها ، وكتابتها في التوراة مؤمنة ، وتسميتها فيها بالمحبوبة والمرحومة ، وإضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [النساء 97] ، وإلى النبي بلفظ البيت في قوله تعالى : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق [الأنفال 5] وإقسام الله تعالى في قوله تعالى : لا أقسم بهذا البلد [البلد 1] والبداءة بها في قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق [الإسراء 80] ، مع أن المخرج مقدم على المدخل . ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لها خصوصا بالبركة ، ولثمارها ومكيالها وأسواقها وأهلها .
ولقوله إنها تنفي الذنوب وتنفي خبثها ، وأنه لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها خيرا منه ، ومن أرادها وأهلها بسوء أذابه الله ، الحديث ، فرتب الوعيد فيها على الإرادة ، كما قال . [ ص: 321 ]
تعالى في حرم مكة : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [الحج 25] والوعيد الشديد لمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا . والحدث يشمل الصغيرة فهي بها كبيرة ، أي يعظم جزاؤها لدلالتها على جرأة مرتكبها بحرم سيد المرسلين وحضرته الشريفة .
والوعيد الشديد لمن ظلم أهلها أو أخافهم ، ووعيد من لم يكرم أهلها ، وأن إكرامهم وتعظيمهم حق على الأمة ، وأنه صلى الله عليه وسلم شفيع أو شهيد لمن حفظهم فيه ،
وقوله : . "من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي"
واختصاصها بملك الإيمان والحياء ، وبكون الإيمان يأرز إليها ، واشتباكها بالملائكة وحراستهم لها ، وإنها دار الإسلام أبدا لحديث :
"إن الشياطين قد أيست أن تعبد ببلدي هذا"
، وأنها ، رواه "آخر قرى الإسلام خرابا" وحسنه ، ويأتي بسطه في المعجزات إن شاء الله تعالى ، الترمذي ، وخروج الرجل الذي هو خير الناس أو من خير الناس منها للدجال ليكذبه ، ونقل وبائها وحماها ، والاستشفاء بترابها وبتمرها كما سيأتي في الخصائص . وعصمتها من الدجال ،
وقوله في حديث للطبراني : "وحق على كل مسلم أن يأتيها" ، وسماعه صلى الله عليه وسلم لمن صلى عليه بها عند قبره الشريف ، ووجوب شفاعته لمن زاره بها ، وغير ذلك مما سيأتي في باب فضل زيارته . وكونها أول مسجد اتخذه بها لعامة المسلمين في هذه الأمة ، وتأسيس مسجدها على يده صلى الله عليه وسلم ، وعمل فيه بنفسه ، ومعه خير الأمة ، وأن الله سبحانه وتعالى أنزل في شأنه : لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه [التوبة 108] وكونه آخر مساجد الأنبياء ، والمساجد التي تشد إليها الرحال ، وكونه أحق المساجد أن يزار ، وما يذخر لزائره من الثواب المضاعف كما سيأتي ، وأن من صلى فيه أربعين صلاة كتب له براءة من النار وبراءة من العذاب ، وأنه بريء من النفاق ، وأن من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة فيه كان بمنزلة حجة ، وما ثبت من أن إتيان مسجد قباء والصلاة فيه تعدل عمرة ، وغير ذلك مما ثبت في فضلها .
وأن مع ذهاب بعضهم إلى أن ذلك يعم مسجده صلى الله عليه وسلم ، وأنه المسجد الذي لا تعرف بقعة في الأرض من الجنة غيره ، وأنه على حوضه صلى الله عليه وسلم ، وما جاء في أن بين بيته وقبره روضة من رياض الجنة ، وسيأتي ما يقتضي أن المراد مصلى العيد ، وهو جانب كبير من هذه البلدة . "ما بين منبره الشريف والمصلى روضة من رياض الجنة"
وقوله في أحد [هذا جبل] يحبنا ونحبه ، وأنه وفي وادي [ ص: 322 ] بطحان أنه على ترعة من ترع الجنة . ووصفه لواديها العقيق بالوادي المبارك ، وأنه يحبنا ونحبه . على ترعة من ترع الجنة .
*وقوله في ثمارها : . وسيأتي في بئر غرس "إن العجوة من الجنة" أنه صلى الله عليه وسلم رأى أنه أصبح على بئر من آبار الجنة فأصبح عليها . ورؤيا الأنبياء حق .
واختصاص مسجدها بمزيد الأدب . رواه الإمام ويكتب لمن صلى بمسجدها صلاة براءة من النار وبراءة من العذاب وأنه بريء من النفاق ، أحمد برجال ثقات . وخفض الصوت في تأكيد التعلم والتعليم به . والحديث : أنه والطبراني
"لا يسمع النداء في مسجدي ، ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق"
واختصاصه عند بعضهم بمنع آكل الثوم من دخوله لاختصاصه بملائكة الوحي ، والوعيد الشديد لمن حلف يمينا فاجرة عند منبرها ، ومضاعفة سائر الأعمال بها كما صرح به الإمام وأن صلاة الجمعة بها كألف جمعة فيما سواها إلا المسجد الحرام . وأن صيام شهر رمضان بها كصيام ألف شهر في غيرها ، كما رواه الغزالي . عن البيهقي جابر بن عبد الله ، في "الكبير" عن والطبراني بلال بن الحارث ، عن وابن الجوزي رضي الله عنهما . ابن عمر
وكون أهلها أول من يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واختصاصهم بمزيد الشفاعة والإكرام .
وجاء بعث الميت بها من الآمنين ، وأنه يبعث من بقيعها سبعون ألفا على صورة القمر يدخلون الجنة بغير حساب ، وتوكل الملائكة بمقبرة بقيعها كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفئوها بالجنة ، وبعثه صلى الله عليه وسلم منها ، وبعث أهلها من قبورهم قبل سائر الناس ، واستحباب الدعاء بها في الأماكن التي دعا بها صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى . ويقال إنه يستجاب بها عند الأسطوانة المخلقة ، وعند المنبر ، وفي زاوية دار عقيل بالبقيع ، وبمسجد الفتح .
[واختصاصها] بكثرة المساجد والمشاهد بها ، واستخباث من عاب تربتها ، وأفتى الإمام أنه من قال : تربتها رديئة أن يضرب ثلاثين درة ، وأمر بحبسه وكان له قدر ، وقال : ما أحوجه إلى ضرب عنقه ، تربة دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة . مالك
واستحباب الدخول لها من طريق والرجوع من أخرى ، والاغتسال لدخولها ، واختصاص أهلها بأبعد المواقيت ، وذهب بعض السلف إلى تفضيل البداءة بها قبل مكة ، وأن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبدءون بالمدينة إذا حجوا ويقولون : نبدأ من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن علقمة ، والأسود ، وعمرو بن ميمون أنهم بدءوا بالمدينة ، وعن العبدي من المالكية أن وسيأتي أن من نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء قولا واحدا . وفي وجوب الوفاء في زيارة قبر غيره وجهان [قاله ابن كج [ ص: 323 ] وأقره عليه المشي لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة . الرافعي والنووي وغيرهما] والاكتفاء بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن نذر إتيان مسجد المدينة كما قال الشيخ أبو علي تفريعا على القول بلزوم إتيانه كما قاله الشافعي والبويطي ، على أنه لا بد من [ضم] قربة إلى الإتيان كما هو الأصح [تفريعا على اللزوم ، وعلله الشيخ أبو علي بأن وتوقف في ذلك الإمام من جهة أنها لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه ، قال : وقياسه أنه لو تصدق في المسجد أو صام يوما كفاه ، وفيه نظر ، على أن الصحيح ما نص عليه في "المختصر" من] عدم لزوم الإتيان . زيارته صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات ،
وجاء في سوقها أن الجالب إليه كالمجاهد في سبيل الله ، وأن المحتكر كالملحد في كتاب الله تعالى . واختصت بظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها ، ومن انطفائها عند حرمها كما سيأتي في المعجزات ، لما تضمنه حديث وغيره . [وفي حديث الحاكم النسائي والبزار واللفظ له : ] والحاكم المدينة" . وكان "يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم يقول : نرى هذا العالم سفيان بن عيينة وقيل غير ذلك . وما نقل عن مالك بن أنس . من أن مالك لسكناهم مهبط الوحي ، ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ . إجماع أهلها يقدم على خبر الواحد ،
واختصاص أهلها في قيام رمضان بست وثلاثين ركعة على المشهور عند الشافعية . قال الإمام رأيت الشافعي : أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة منها ثلاث للوتر . ونقل الروياني وغيره عن أن سببه إرادة الشافعي أهل المدينة مساواة أهل مكة فيما كانوا يأتون به من الطواف وركعتين بين الترويحات ، فجعلوا مكان كل أسبوع ترويحة . قال الإمام "لا يجوز لغير الشافعي : أهل المدينة أن يباروا أهل مكة ولا ينافسوهم؛ لأن الله فضلهم على سائر العباد" .
وشاركتها مكة في تحريم قطع الرطب من شجرها وحشيشها وصيدها واصطياده وتنفيره ، وحمل السلاح للقتال بها ، ولا تحل لقطتها إلا لمن أشاد بها ، ونقل ترابها ونحوه منها أو إليها ، ونبش الكافر إذا دفن بها . وأن كلا من مسجد الرسول والمسجد الحرام يقوم مقام المسجد الأقصى لمن نذر الصلاة أو الاعتكاف فيه ، ولو نذرهما بمسجدالمدينة لم يجزه الأقصى وأجزاه المسجد الحرام بناء على زيادة المضاعفة ، وإذا نذر المشي إلى بيت المقدس يخير بين المشي إليه أو إلى أحدهما ، والذي رجحوه ما اقتضاه كلام من عدم لزوم المشي في غير المسجد الحرام . البغوي
وإذا نذر تطييب مسجد المدينة والأقصى ففيه تردد لإمام الحرمين ، واقتضى كلام اختصاصه بالمسجدين؛ لأنا إن نظرنا إلى التعظيم ألحقناهما بالكعبة أو إلى امتياز الكعبة [ ص: 324 ] بالفضل فلا . قال السيد : فينبغي الجزم في نذر تطييب القبر الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام . ورحم الله الإمام الغزالي مالكا أبا عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي المالكي الأعمى حيث قال :
هنا وكم يا أهل طيبة قد خفى فبالقرب من خير الورى خرتم السبقا فلا يتحرك ساكن ثوى بربوعها
إلى سواها وإن جار الزمان ولو شقا فكم ملك رام الوصول لمثل ما
وصلتم فلم يقدر ولو ملك الخلقا فبشراكم نلتم عناية ربكم
فها أنتم في بحر عنايته غرقى ترون رسول الله في كل ساعة
ومن يره فهو السعيد به حقا متى جئتم لا يغلق الباب دونكم
وباب ذوي الإحسان لا يقبل الغلقا فيسمع شكواكم ويكشف ضركم
ولا يمنع الإحسان ضر ولا رقا بطيبة مثواكم وأكرم مرسل
يلاحظكم فالدهر يحري لكم وفقا وكم نعمة لله فيها عليكم
فشكرا ونعم الله بالشكر تستبقى أمنتم من الدجال فيها فحولها
ملائكة يحمون من دونها الطرقا كذاك من الطاعون أنتم بمأمن
فوجه التلالي لا يزال لكم طلقا فلا تنظروا إلا لوجه حبيبكم
وإن حادت الدنيا ومرت فلا فرقا حياة وموتا تحت رحماه أنتم
وحشرا فستر الجاه فوقكم ملقى فيا راحلا عنها لدنيا تريدها
أتطلب ما يفنى وتترك ما يبقى؟ أتخرج عن حوز النبي وحرزه
إلى غيره تسفيه غيرك قد حقا لئن سرت من فيض المكارم عنده
فأكرم من خير البرية ما تلقى هو الرزق مقسوم فليس بزائد
ولو سرت حتى كدت تخترق الأفقا فكم قاعد قد وسع الله رزقه
ومرتحل قد ضاق بين الورى رزقا فعش في حمى خير الأنام ومت به
إذا كنت في الدارين تطلب أن ترقى إذا قمت فيما بين قبر ومنبر
بطيبة فاعرف أين خير لك الأرقى لقد أسعد الرحمن جار محمد
ومن حال في ترحاله فهو الأشقى
أعلام طيبة لا تهم بسواها فحبيب رب العالمين ثواها
واعمر فؤادك دائما بهواها دار الحبيب أحق أن تهواها
وتحن من طرب إلى ذكراها لا تخل خد ترابها من قبلة
وبكل عام قم إليه برحلة لا تقنعن من المزار بمرة
وعلى الجفون متى هممت بزورة يا بن الكرام عليك أن تغشاها
اقطع زمانك إن سعدت ببلدة حوت الرسول فتلك أطيب تربة
جاوره تأمن أن تصاب بشدة فلأنت أنت إذا حللت بطيبة
وظللت ترتع في ظلال رباها هي جنتي مما أخاف وجنتي
وبجاه من فيها تخلص مهجتي وإذا نظرت لها فذلك بغيتي
معنى الجمال منى الخواطر والتي سلبت عقول العاشقين حلاها
تلك المنازل لا نعيم كتربها تلك المياه لنا الشفاء بشربها
يا طيب نفحتها وحسن مهبها لا تحسب المسك الذكي كتربها
هيهات أين المسك من رياها لم لا تطيب ثنا وتكرم منبتا
والمصطفى حيا حوته وميتا فنسيمها يحكي العبير إذا أتى
طابت فإن تبغ التطيب يا فتى فأدم على الساعات لثم ثراها
لو لم تكن أزكى البلاد وأطهرا ما اختارها لرسوله لما سرى
فبطيبها أيقن وخل من افترى وابشر ففي الخبر الصحيح مقررا
أن الإله بطابة سماها دار الحبيب لنا فلذ برحيبها
فالنفس مولعة بدار حبيبها الله شرفها به لنصيبها
واختصها بالطيبين لطيبها واختارها ودعا إلى سكناها
مدت بها رحمى الإله ظلالها من أجل من منع النفوس ضلالها
جل في البلاد فلن تصيب مثالها لا كالمدينة منزل وكفى لها
من لي بأن ألقى الحبيب وأظفرا وأشم من مثواه مسكا أذفرا
وأرى التي شغفت بها مهج الورى خصت بهجرة خير من وطئ الثرى
وأجلهم قدرا فكيف تراها؟ كلفي بها طبع بغير تكلف
صفت القلوب لها لأجل من اصطفي وجلال تلك الأرض ما هو بالخفي
كل البلاد إذا ذكرت كأحرف في اسم المدينة لا خلا معناها
هي للقلوب الصافيات حبيبة ولأهلها والنازلين رحيبة
فاقت جميع الأرض فهي غريبة حاشا مسمى القدس فهي قريبة
منها ومكة إنها إياها فاجعل مزارك للثلاث وظيفة
وأمن بمكة والمدينة خيفة فكلاهما تدع القلوب نظيفة
لا فرق إلا أن ثم لطيفة مهما بدت يجلو الظلام سناها
فافهم وأرجو أن تفيق وتفهما أمر الذي هو قد سما فوق السما
إن الفضيلة حيث أصبح منهما جزم الجميع بأن خير الأرض ما
قد حاط ذات المصطفى وحواها فمن العجائب مهجتي عنها سلت
وهي التي بضريح أحمد فضلت مثل العقود بقدر جوهرها غلت
ونعم لقد صدقوا بساكنها علت كالنفس حين زكت زكا مأواها
إني أقول فلا تكن ذا غيبة قف عند حجرته بموقف هيبة
فاسأل فإنك لن ترى ذا خيبة وبهذه ظهرت مزية طيبة
فغدت وكل الفضل في معناها منها بدا للخلق واضح سنة
فعلى البلاد لها عظيمة منة ولها خصائص فضلها ذو مكنة
حتى لقد خصت بروضة جنة الله شرفها بها وحباها
هي غير خافية لقلب مبصر فاغسل من الأهواء قلبك وانظر
وابسط هناك الخد منك وعفر ما بين قبر للنبي ومنبر
محروسة من كل رجز طارق ودخول دجال وطعن لاحق
فالمرء فيها ذو فؤاد واثق هذي محاسنها فهل من عاشق
كلف شحيح باخل بنواها ربي أدمني في حماية صونها
ومتى هممت بغيبة عن عينها فاجعل مماتي قبل ساعة كونها
إني لأرهب من توقع بينها فيظل قلبي موجعا أواها
يا خير مسئول وأكرم من دعي لا تقص عنها رحلتي وتودعي
فمن الخسار فراق ذاك الموضع ولقلما أبصرت حال مودع
إلا رثت نفسي له وشجاها لا تجعلوا عنها الرحيل صناعة
إني أرى ذاك الرحيل إضاعة وإذا أقمتم كان ذلك طاعة
فلكم أراكم قافلين جماعة في إثر أخرى طالبين ثواها
فيم الترحل في المدينة صونكم وبجاه خير الخلق يحصل عونكم
فالخير مكثكم هناك وكونكم قسما لقد أذكى فؤادي بينكم
جزعا وفجر مقلتي مياها ضيعتم والله كل جميلة
عودوا فما خيراتها بقليلة ما لي إذا لم يقبلوا من حيلة
إن كان يزعجكم طلاب فضيلة فالخير أجمعه لدى مثواها
أو كان يدعوكم إلى أن ترحلوا جاه ينال فجاه أحمد أكمل
أو نالكم ظمأ فهذا المنهل أو خفتم ضرا بها فتأملوا
بركات بلغتها فما أزكاها فإذا امرؤ لم يرتحل من شدة
فيها وعاش بها بأيسر بلغة فاقنع هناك ولو بأدنى لقمة
أف لمن يبغي الكثير لشهوة لرفاهة لم يدر ما عقباها
لا ترحلن لشهوة وتلذذ وانظر إلى ذاك الحمى وتلذذ
وبما يقيم النفس فاقنع واغتذ فالعيش ما يكفي وليس هو الذي
لله من لم يكترث بمجاعة فيها وعاش بها ملازم طاعة
ورأى المقام بها سنين كساعة يا رب أسأل منك فضل قناعة
بيسيرها وتحصنا بحماها هي نعمة فأفض علي نعيمها
وتول زائرها وأرض مقيمها وأنا السعيد إذا رزقت قدومها
ورضاك عني دائما ولزومها حتى توافي مهجتي أخراها
سهلت يا ربي علي وصولها وحثثت نفسي أن تنال دخولها
والنفس تسأل يا كريم قبولها فأنا الذي أعطيت نفسي سؤلها
وقبلت دعوتها فيا بشراها إن كنت ذا صدق وصاحب همة
فاخدم حماه فليس ضائع خدمة وأقم فإنك لا تزال بنعمة
بجوار أوفى العالمين بذمة وأعز من بالقرب منه يباهى
مع كل ركب أم طيبة فانفذ وبملء كف إن تيسر فاغتذ
وبكل عام في زيارته خذ من جاء بالآيات والنور الذي
داوى القلوب من العمى فشفاها وله من الإسراء أشرف رتبة
وهو الشفيع لنا الكريم المنية وهو المكرم باختصاص الرؤية
أولى الأنام بخطة الشرف التي تدعى الوسيلة خير من يعطاها
كل المكارم هن طي بروده ولقد أضاء الكون عند وروده
والبحر يقصر عن مواهب جوده إنسان عين الكون سر وجوده
ياسين إكسير الحياة طاها كانت حمام الغار بعض حماته
والذئب في البيداء بعض دعاته ماذا أعدد من جلالة ذاته
حسبي فلست أفي ببعض صفاته ولو ان لي عدد الحصى أفواها
حكم الشفاعة في يديه وأمرها وغزالة نادته أذهب ضرها
والروح حين أتته شرف قدرها كثرت محاسنه فأعجز حصرها
الله أرسله بكل هداية وحباه في الدارين كل عناية
فلقد حوى في المجد أبعد غاية إني اهتديت من الكتاب بآية
فعلمت أن علاه ليس يضاهى فشهدت أن الله خص محمدا
فغدا بأملاك السماء مؤيدا وعلى لسان الأنبياء ممجدا
ورأيت فضل العالمين محددا وفضائل المختار لا تتناهى
أمداحه تبقى على مر الزمن كم آية فينا له مدح حسن
أعيت مدائحه الحسان ذوي اللسن كيف السبيل إلى تقصي مدح من
قال الإله له وحسبك جاها ما ضل صاحبكم فخص وكرما
وبقول ما كذب الفؤاد لقد سما وكفاه ما قد قاله رب السما
إن الذين يبايعونك إنما فيما يقول يبايعون الله
شهدت جميع الأنبياء بفضله فلأجل ختمهم أتوا من قبله
وله لواء الحمد خص بحمله هذا الفخار فهل سمعت بمثله
واها لنشأته الكريمة واها يا أمة الهادي ومن كمثالكم
فجلال أحمد شاهد بكمالكم هو ستركم هو ذخركم لمآلكم
صلوا عليه وسلموا فبذلكم تهدى النفوس لرشدها وغناها
ما في عباد الله مثل محمد فمقامه المحمود يعرف في غد
ولحوضه المورود أكرم مورد صلى عليه الله غير مقيد
وعليه من بركاته أنماها إن الصلاة عليه تنجينا غدا
فإذا همو ذكروا لديك محمدا غظ بالصلاة عليه أكباد العدا
وعلى الأكابر آله سرج الهدى أكرم بعترته ومن والاها
أعزز بآل محمد فلديهم يعطى المنى فالجود ملك يديهم
وإليه صرف ثنائنا وإليهم وكذا السلام عليه ثم عليهم
كانوا إذا التمس السماح سحابه ولقد أتوا عند الحوائج بابه
ملكوا من المجد الأثيل لبابه أعني الكرام أولي النهى أصحابه
فئة التقى ومن اهتدى بهداها مدحي لأحمد لا حمى كملاذه
فإن ارتضاه وجاد لي بنفاذه فلنعم ما أنا عائذ بمعاذه
والحمد لله الكريم وهذه نجزت وظني أنه يرضاها
منحت قصيد البشكري قبولا وسئلت في تخميسها لتطولا
فأردت في باب الثواب دخولا وأطلت في نسج الكلام ذيولا
قيل الرياض نمت فزاد شذاها غفر الإله له ولي ولمن قرا
وأعد في دار النعيم لنا القرى وحباه أجر المخلصين لنا القرى
فعلى قصيدته سنا صدق يرى وكفته رؤيا في المنام رآها
قال الرسول له رضيت فيا لها بشرى بنيته الجميلة نالها
فإن ارتضيت بأن أنال مثالها فهي السعادة قد منحت نوالها
وهناك تظفر مهجتي بمناها يا رب بالمختار يسر أمرنا
واغفر خطايانا وأذهب ضرنا واجزل عطايانا وأجمل سترنا
واجعل بطيبة في حماه مقرنا وأجب سؤال نفوسنا ودعاها
يا رب صل على النبي محمد والآل والصحب الكرام المحتد
القائمين الراكعين السجد بحماة دينك باللسان وباليد
تنبيه : سيأتي في المعجزات وفي الخصائص أشياء تتعلق بالمدينة الشريفة الكريمة إن شاء الله تعالى . [ ص: 331 ]