الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان

                                                                                                                                                                                                                              لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد أرسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، وهما قائدا غطفان- وأسلما بعد ذلك- فلما جاءا في عشرة من قومهما قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أرأيتما إن جعلت لكما ثلث تمر المدينة أترجعان بمن معكما ، وتخذلان بين الأعراب ؟ »

                                                                                                                                                                                                                              فقالا : تعطينا نصف تمر المدينة ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث ، فرضيا بذلك ، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة والدواة ، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة ، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما ، وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقنع في الحديد ، فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه الرمح ، ولا يدري بما كان من الكلام ، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعيينة بن حصن ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلم ما يريدون قال : يا عين الهجرس اقبض رجليك ، أتمدهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنفذت خصيتيك بالرمح ! ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إن كان أمرا من السماء فامض له ، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف ، متى طمعوا بهذا منا ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فاستشارهما في ذلك وهو متكئ عليهما ، والقوم جلوس ، فتكلم بكلام يخفيه ، وأخبرهما الخبر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن إسحاق : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهما في ذلك فقالا : يا رسول الله إن كان الأمر من السماء فامض له ، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فامض له سمعا وطاعة ، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف . وأخذ سعد بن معاذ الكتاب ،

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب . [ ص: 377 ]

                                                                                                                                                                                                                              فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما»
                                                                                                                                                                                                                              ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله تعالى نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ؟ ! ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال : ليجهدوا علينا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك مختصرا قال : [جاء الحارث] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجالا ، فقال حتى أستأمر السعود : سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، وسعد بن الربيع ، وسعد بن خيثمة ، وسعد بن مسعود ، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقالوا : لا ، والله ما أعطينا الدنية في أنفسنا في الجاهلية ، فكيف وقد جاء الله تعالى بالإسلام ، فرجع إلى الحارث فأخبره ، فقال : غدرت يا محمد .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية