ذكر لذي القرنين في المسير أشياء جرت
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، حدثنا حدثنا المعافى بن زكريا ، عبد الله بن محمد بن جعفر الأزدي ، حدثنا حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، القاسم بن هاشم ، حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا صفوان بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي: أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم ، وقد احتفروا قبورا ، فإذا أصبحوا تعهدوا تلك القبور وكنسوها وصلوا عندها ، ورعوا البقل كما ترعى البهائم ، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض ، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم ، فقال الرسول: أجب الملك ، فقال: ما لي إليه حاجة ، فأقبل إليه ذو القرنين فقال: إني أرسلت إليك لتأتيني ، فما أتيت ، فها أنا ذا قد جئتك ، فقال: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك ، فقال له ذو القرنين: ما لي أراكم على الحال التي رأيت ، لم أر أحدا من الأمم عليها . قالوا: وما ذاك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء ، أفلا اتخذتم الذهب والفضة واستمتعتم بها ، فقال: إنما كرهنا؛ لأن أحدا لم يعط منها شيئا إلا تاقت نفسه إلى أفضل منه ، فقال: ما بالكم قد احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعهدتموها وكنستموها وصليتم عندها ، قالوا: أردنا إذا نظرنا إليها وألهتنا الدنيا منعت قبورنا من الأمل ، قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض ، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وذبحتموها واستمتعتم بها ، فقالوا: رأينا أن في نبات الأرض بلاغا ، ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين ، فتناول جمجمة ، فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا؟
[ ص: 299 ] قال: لا ، من هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطانا على أهل الأرض فغشم وظلم وعتى ، فلما رأى [الله] ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجازيه به في آخرته . ثم تناول جمجمة أخرى إليه ، فقال: يا ذا القرنين ، هل تدري من هذا؟ قال: لا ، من هذا؟ قال: ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والتجبر ، فتواضع وخشع لله عز وجل وعمل بالعدل في أهل مملكته ، فصار كما ترى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته ، ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين ، [وقال: وهذه الجمجمة تصير إلى ما صارت إليه هذه الجماجم ، فانظر يا عبد الله ما أنت صانع] ، فقال له ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك وزيرا وشريكا فيما أنا فيه من هذا المال ، فقال: ما أصلح أنا وأنت في مكان ، قال: ولم؟ قال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق ، قال: ولم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يدك من الملك ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذلك ، فانصرف عنه ذو القرنين .
وذكروا أن ذا القرنين لما رجع عن سلوك الظلمة قصد بلاد خراسان ، فلما صار إلى نهر بلخ هاله أمره ، فأمرهم بشق الخشب الغلاظ وترقيقها ، ثم أمر الحدادين فضربوا المسامير ، ثم أمر بثلاثمائة سفينة فصنعت ، وأمر بحبال من ليف وبحبال من قنب فنصعت غلاظا طوالا ، فأمر ببناء [جسر] من جانبي النهر ، وشدت تلك الحبال منهما ممدودا على الماء عرضا ، وجعلت السفن جسرا بين الحبال في صدور السفن وفي أعجازها لتمسكها ، ثم أمر بالخشب فقطع بمقدار عرض السفن ، وقصدت سقفا ، وهيل عليه التراب ، ولب بالماء حتى اطمأن ونشف ، فلما أمكن العبور عليه عبره بجيوشه سائرا إلى قومس ، فاشتكى فأخذه الرعاف حتى مات في طريقه ، وقد كان حين بلغ الصين أمر بمدن كثيرة فبنيت هنالك ، فمنها: الدبواسية ، وحمدان ، وشيرك ، وبرج الحجارة ، وكذلك أمر حين بلغ الهند فبنى هنالك مدينة سرنديب ، وله غير هذه الأبنية في النواحي التي طافها .
[ ص: 300 ] أخبرنا أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أحمد بن جعفر بن حمدان ، أخبرنا قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، الحسن بن يحيى من أهل مرو ، حدثنا أوس بن عبد الله بن بريدة ، قال: أخبرني أخي سهل بن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن جده بريدة ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خراسان ، ثم انزلوا مدينة مرو؛ فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، ولا يضر أهلها بسوء" . "سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث