ذكر الرشيد بيعة
بويع بالخلافة في الليلة التي توفي فيها أخوه للرشيد أخرجه [الهادي] هرثمة بن أعين ليلا فأقعده للمبايعة ، وكانت تلك الليلة ليلة السبت لأربع عشر بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين . وفيها مات واستخلف الهادي وولد الرشيد فلما جلس للخلافة سلم عليه بالخلافة عمه المأمون ، سليمان بن المنصور ، وعم أبيه العباس بن محمد ، [ ص: 321 ] وعم جده المنصور بن عبد الصمد بن علي ، واستدعى الرشيد - وكان قد حبسه يحيى بن خالد بن برمك لميله إلى الهادي هارون ، وعزم على قتله وقتل هارون - فحضر يحيى فقلده الوزارة ، وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور ، فكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن رأيها ، وكان يقول الرشيد ليحيى: يا أبي .
وذكر أنه كان الصولي: يحيى يساير يوما فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ، عطبت دابتي ، فقال: يعطى خمسمائة درهم ، فغمزه الرشيد يحيى ، فلما نزل قال:
يا أبة ، أومأت إلي بشيء وقت ما أمرت بالدراهم فما هو؟ فقال: مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه ، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف ، عشرة آلاف ألف ، قال: فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟ قال: تقول: نشتري له دابة ، يفعل به فعل نظرائه .
ولما بويع خرج فوصل إلى كرسي الجسر فدعا الغواصين ، فقال لهم: للرشيد
كان وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار ، فدخلت على أخي وهو في يدي ، فلما انصرفت لحقني المهدي سليمان الأسود فقال: يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم ، فرميت به في هذا الموضع . فغاصوا فأخرجوه ، فسر به غاية السرور .
وكان قد خلع الهادي وبايع لابنه الرشيد جعفر ، وكان خزيمة بن خازم في خمسة آلاف من الموالي عليهم السلاح تلك الليلة ، فهجم ، فأخذ جعفرا من فراشه ، فقال: والله لأضربن عنقك أو تخلعها ، فلما كان من غد ركب الناس إلى باب جعفر ، فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو ، والأبواب مغلقة ، فنادى جعفر: يا معشر الناس ، من كان لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها والخلافة لعمي هارون ، لا حق لي فيها .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أخبرني أبو العباس المنصوري ، عن عمرو بن بحر قال:
أجمع ما لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء [وسرورا] ، وقاضيه الرشيد أبو يوسف ، وشاعره كان [ ص: 322 ] في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه مروان بن أبي حفصة العباس بن محمد صاحب العباسية ، وحاجبه أتيه الناس وأشدهم تعاظما ، ومغنيه الفضل بن الربيع أوحد عصره ، وضاربه إبراهيم الموصلي زلزل [ ، وزامره برصوما] ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ، وهي التي أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف ، ومن كبار قواده المعلى ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك ، وإليه ينسب نهر معلى .