ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها :
أنه في ربيع الأول بلغ الوزير أبا علي ابن مقلة أن رجلا يعرف بابن شنبوذ يغير حروفا من القرآن ، فاستحضره [واستحضر ] القاضي أبا الحسين عمر بن محمد ، وأبا بكر بن مجاهد ، ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ القول بمناظرته ، فضرب بين الهنبازين سبع درر ، فدعا علي ابن مقلة أن تقطع يده ويشتت شمله ، ثم عرضت عليه الحروف التي قرأ بها فأنكر ما كان شنيعا ، وقال : فيما سوى ذلك قد قرأ به قوم ، وذلك مثل قوله : "فامضوا إلى ذكر الله" "كالصوف المنفوش " "يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " [فاستتابوه ] فتاب وكتب خطه بذلك ، فحمل إلى المدائن [في الليل ليقيم بها أياما ] ثم يدخل منزله مستخفيا ولا يظهر لئلا تقتله العامة ، وقيل : إنه نفي إلىالبصرة ، ثم إلى الأهواز فمات بها .
وفي يوم السبت لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول طالب الجند بأرزاقهم [ ص: 349 ] وشغبوا ، وزاد الأمر في هذا ، وحملوا السلاح ، وضربوا مضاربهم في رحبة باب العامة وحاصروا الدار ، ثم سكنوا .
وفي يوم السبت لعشر خلون من جمادى الآخرة ، ركب بدر الخرشني صاحب الشرطة ، فنادى ببغداد في الجانبين في أصحاب [أن لا يجتمع منهم نفسان في موضع ، وحبس منهم جماعة ، واستتر أبي محمد البربهاري البربهاري ] .
وفي شهر آيار اتصلت الجنوب ، وعظم الحر ، وغلظ الغيم ، وتكاثف ، فلما كان آخر يوم منه وهو يوم الأحد لخمس بقين من جمادى الآخرة بعد الظهر هبت ريح عظيمة لم ير مثلها وأظلمت واسودت إلى بعد العصر ، ثم خفت ، ثم عاودت إلى وقت عشاء الآخرة .
وفي جمادى الآخرة عاد الجند فشغبوا وطالبوا بالرزق ، ونقبوا دار الوزير ودخلوها فملكوها .
وفي رمضان ذكر للوزير أن رجلا في بعض الدور الملاصقة للزاهر يأخذ البيعة على الناس لإنسان لا يعرف ، ويبذل لهم الصلة ، فتوصل إلى معرفته فعرف ، وعلم أنه قد أخذ البيعة لجعفر بن المكتفي ، وأن جماعة من القواد قد أجابوا إلى ذلك ، منهم يانس ، فقبض على الرجل ومن قدر عليه من جماعته ، وقبض على جعفر ونهب منزله .
وفي هذا الشهر : وقع حريق عظيم في الكرخ في طرف البزازين ، فذهبت فيه أموال كثيرة للتجار ، فأطلق لهم الراضي ثلاثة آلاف دينار .
وخرج الناس للحج في هذه السنة ومعهم لؤلؤ غلام المتهشم يبذرقهم ، فاعترضه [ ص: 350 ] أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي ولم يكن عند لؤلؤ خبر منه ، وإنما ظنه بعض الأعراب ، فحاربه فانهزم لؤلؤ وبه ضربات ، وأكثر أبو طاهر القتل في الحاج ونهب ، ورجع من سلم إلى بغداد ، وبطل الحج في هذه السنة ، وكانت الوقعة بينه وبين لؤلؤ في سحر يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة .
وفي هذه الليلة بعينها : انقضت النجوم ببغداد من أول الليل إلى آخره . وبالكوفة أيضا انقضاضا مسرفا لم يعهد مثله ولا ما يقاربه .
وغلا السعر في هذه السنة ، فبلغ الكر الحنطة مائة وعشرين دينارا .