ووردت الأخبار بما كان من الوباء والموت في بلاد الهند وغزنة وكثير من أعمال خراسان وجرجان والري وأصبهان ونواحي الجبل والموصل ، وأن ذلك زاد على مجاري العادة ، وخرج من أصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة ، وكان ببغداد من ذلك طرف قوي ، ومات من الصبيان والرجال والنساء بالجدري ما زاد على حد الإحصاء ، حتى لم تخل دار من مصاب ، واستمر هذا الجدري في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول والثاني ، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف ، وجاء كتاب من الموصل أنه مات بالجدري أربعة آلاف صبي .
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة مشتملة على ما بين الحضرة وواسط والبطيحة وليس له من جميع ذلك إلا إقامة الخطبة والوزارة خالية عن ناظر فيها ، ورأى رجل من أصبهان في النوم أن شخصا صعد منارة مسجد أصبهان ، وكان أهل أصبهان إذ ذلك في خفض من العيش والراحة والأمن ، وقال بصوت جهوري رفيع إلى أن أسمع أهل أصبهان : "سكت نطق سكت نطق سكت نطق" ثلاث مرات فانتبه الرجل فزعا وحكى هذا المنام ، فما عرف تأويله ، فقال رجل: احذروا يا أهل أصبهان فإني قرأت في شعر أبي العتاهية:
سكت الدهر زمانا عنهم ثم أبكاهم دما حين نطق
فما مر على هذا الحديث إلا أيام قلائل حتى جاء مسعود بن محمود بن سبكتكين ، فنهب البلد ، وقتل عالما لا يحصى حتى قتل جماعة في الجوامع نسأل الله العافية .