فصل
سابور ظهر ماني الزنديق . وفي زمن
قال يحيى بن بشر بن عمير النهاوندي : كان ماني أسقفا من أساقفة النصارى ، كبيرا فيهم ، محمود السيرة عندهم ، وكان في أيام سابور ذي الأكتاف [ ملك فارس ] [ ص: 88 ] فزنى ، فسقطت مرتبته في النصرانية ، وكان مطارنة زمانه يحسدونه ، فلما ظهر منه ما ظهر وجدوا السبيل إلى ما أرادوا فيه فأسقطوا مرتبته ، وكان عالما فيهم بالديانات المتقدمة ، عارفا باختلاف الناس فيها ، فلما رأى حاله وما آل إليه أمره ، أخذ في الرد على أصحابه وقال: إني لم أزن ، ولكن أهل الدير حسدوني وأنكروا مخالفتي في أهل دينهم ، إذ كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي ويأخذون شرائعهم عن ابن مريم رسول الشيطان . ثم وضع كتبا - إذ كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي - فابتدأ بالطعن على أصحاب الشرائع ، ومال إلى شريعة المجوس القائلين بإلهين ، الذين اعتقدوا أن إبراهيم وموسى وعيسى كانوا رسل الظلماني ، فبنى ماني على أصلهم ، وشيد مقالتهم ، وقالوا: إنا نرى الأشياء متضادة ، والحيوان معادنا ، فلو كانت هذه الأشياء من فعال حكيم لم تتضاد ، فلا بد أن يكون من اثنين متضادين ، ليس إلا النور والظلمة .
وشرع لأصحابه شرائع بواقعاته الباردة ، وعمل لسابور كتابا سماه ب " الشابرمان " شرح فيه مذهبه ، فهم سابور بالميل إليه فشق ذلك على المؤايدة ، فقالوا لسابور : إنه يقول إنك شيطان ، وإذا شئت فسله عن يدك هذه من خلق ؟ فسأله فقال: من خلق الشيطان ، فشق ذلك على سابور فقال: اصلبوه . فصلب ، فقام على خشبته فقال مسبحا مهللا: أنت أيها المعبود النوراني ، بلغت ما أمرتني به ، وهاك عادتهم في ، وأنت الحليم ، وها أنا مار إليك ، وما أذنبت صامتا [ ولا ] ناطقا ، فتباركت أنت وعالموك النورانينون الأزليون ، فكان هذا آخر قوله ، وظهر بعده تلميذ له يقال له: كشطا ، فقوى مذهبه .