وفي ذي القعدة: خرج ملك شاه وابنه وابن بنته الذي أبوه في خلق عظيم وزي عظيم إلى المقتدي الكوفة .
وفي ذي القعدة: أبو منصور بن جهير - وهي النوبة الثانية من وزارته - استوزر وخلع عليه ، وركب إليه للمقتدي نظام الملك إلى دار بباب العامة فهنأه .
وفي ذي الحجة عمل السلطان ملك شاه الصدق بدجلة ، وهو إشعال النيران والشموع العظيمة في السميريات ، والزواريق الكبار ، وعلى كل زورق قبة عظيمة ، وخرج أهل بغداد للفرجة ، فباتوا على الشواطئ وزينت دجلة بإشعال النار ، وأظهر أرباب المملكة كنظام الملك وغيره من زينتهم ما قدروا عليه ، وحملوا في السفن بأنواع الملاهي ، وأخذوا السفن الكبار فألقوا فيها الحطب وأضرموا فيها النار ، وأحدروها من مسناة دار معز الدولة إلى دار نظام الملك ، ونزل أهل محال الجانب الغربي كل واحد معه شمعة واثنتان ، وكان على سطح دار المملكة إلى دجلة حبال قد أحكم شدها ، وفيها سميرية يصعد بها رجل في الحبال ، ثم ينحدر بها وفيها نار ، وصف الشعراء ما جرى تلك الليلة فقال أبو القاسم المطرز:
وكل نار على العشاق مضرمة من نار قلبي أو من ليلة الصدق نار تجلت بها الظلماء واشتبهت
بسدفة الليل فيها غرة الفلق وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا
على الكواكب بعد الغيظ والحنق مدت على الأرض بسطا من جواهرها
ما بين مجتمع وار ومفترق مثل المصابيح إلا أنها نزلت
من السماء بلا رجم ولا حرق أعجب بنار ورضوان يسعرها
ومالك قائم منها على فرق
في مجلس ضحكت روض الجنان له لما جلت ثغرة عن واضح يقق
وللشموع عيون كلما نظرت تظلمت من يديها أنجم الغسق
من كل مرهفة الأعطاف كالغصن المياد لكنه عار من الورق
إني لأعجب منها وهي وادعة تبكي وعيشتها في ضربة العنق]
قال المصنف: ونقلت من خط قال: لما دخل أبي الوفاء بن عقيل جلال الدولة أي نظام الملك في هذه السنة قال: أريد أستدعي بهم وأسألهم عن مذهبهم ، فقد قيل لي إنهم مجسمة - يعني الحنابلة - فأحببت أن أسوغ كلاما يجوز أن يقال إذا سأل فقلت:
ينبغي لهؤلاء الجماعة يسألون عن صاحبنا ، فإذا أجمعوا على حفظه لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا أنه كان ثقة فالشريعة ليست بأكثر من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلا ما كان للرأي فيه مدخل من الحوادث الفقهية ، فنحن على مذهب ذلك الرجل الذي أجمعوا على تعديله كما أنهم على مذهب قوم أجمعنا على سلامتهم من البدعة ، فإن وافقوا أننا على مذهبه فقد أجمعوا على سلامتنا معه ، لأن متبع السليم سليم وإن ادعى علينا أنا تركنا مذهبه وتمذهبنا بما يخالف الفقهاء ، فليذكروا ذلك ليكون الجوانب بحسبه ، وإن قالوا أحمد ما شبه وأنتم شبهتم ، قلنا: لم يكن أشعريا ، وأنتم الشافعي أشعرية ، فإن كان مكذوبا عليكم فقد كذب علينا ، ونحن نفزع في التأويل مع نفس التشبيه ، فلا يعاب علينا إلا ترك الخوض والبحث ، وليس بطريقة السلف ، ثم ما يريد الطاعنون علينا ونحن لا نزاحمهم على طلب الدنيا .