محمود من بغداد] [خروج السلطان
وفي يوم الأربعاء غرة ربيع الأول: خرج السلطان محمود من بغداد وكان مقامه بها سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما ، ثم نودي في يوم الجمعة ثالث ربيع الأول بإسقاط المكوس والضرائب وما وضع على الباعة من قبل السلطان ، ثم استدعى إلى باب الحجرة ، وفووض في أمر البرسقي دبيس ، فقابل ذلك بالسمع والطاعة ، فخلع عليه وتوجه إلى صرصر ، واقترح أن يخرج معه ابن صدقة ، فاعتذر الخليفة بأن مهام الخدمة منوطة به ، وأخرج عوضه أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ابن الأنباري سديد الدولة ، ونودي في الحريم أنه متى أقام جندي ولم يخرج للقتال فقد برئت منه الذمة ، وعبر دبيس ونفذ إلى يقول له: قد أغنيتك عن العبور وصرت معك على أرض واحدة ، وظفر [ ص: 205 ] البرسقي الأتراك بثلاثين رجلا من السواد [ية يريدون أن] يفجروا نهرا فقتلهم الأتراك ، ثم تصاف العسكران يوم الخميس سلخ ربيع الأول فأجلت الوقعة عن هزيمة فقد كان في خمسة آلاف فارس نصفهم لابس ، وكان عسكر البرسقي ، دبيس في خمسة آلاف فارس بأسلحة ناقصة ، وعدد مقصرة إلا أن رجالته كانت كثيرة ، وكان سبب هزيمة أنه رأى في الميسرة خللا ، فأمر بحط خيمته لتنصب عندهم ليشجعهم بذلك وكان ذلك ضلة من الرأي ، لأنهم لما رأوا الخيمة قد حطت أشفقوا فانهزموا ، وكان الحر شديدا فهلكت البراذين والهمالج عطشا وترقب الناس من البرسقي دبيس بعد هذا ما يؤذي فلم يفعل ، وأحسن السيرة فيما يرجع إلى أعمال الوكلاء ، وراسل الخليفة بالتلطف ، وتقررت قواعد الصلح واستقر إنفاذ قاضي القضاة الزينبي ليحلف سيف الدولة على المستقر فعله بعد الصلاح ، فاستعفي فأعفي ونص على أبي العباس ابن الرطبي فخرج مع ناصح الدولة أبي عبد الله الحسين ابن جهير وتبعهما إقبال الخادم ، وعادوا إلى الحلة ، فقصدوا وقت دخولهم دار الوزير ابن صدقة ليوهموه خلاف ما هم عليه من تقرر الأحوال على عزله ، فلم يخف عليه ولا على الناس ، وعرف أن التقريرات استقرت بينهم عليه وانزعج وكان كل واحد من دبيس وابن صدقة معلنا بعداوة الآخر ، فبكر ابن صدقة إلى الديوان على عادته ، وجلس في الموكب ، وكان يوم الخميس ، وخرج جواب ما أنهى ثم استدعي إلى مكان وكل به فيه ، ونهبت داره التي كان يسكنها بباب العامة ودور حواشيه وأتباعه ، وقبض على حواشيه وعلى عز الدولة أبي المكارم ابن المطلب ، ثم أفرج عنه ورد إليه ديوان الزمام بعد ذلك .