قال مؤلف الكتاب : وإنما قيل له عبد المطلب ، لأن هاشما خرج إلى الشام في تجارة ، فمر بالمدينة ، فرأى سلمى بنت عمر - وبعضهم يقول: بنت زيد بن عمرو بن لبيد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدي بن النجار فأعجبته ، فخطبها إلى أبيها فأنكحها منه ، وشرط عليه أن لا تلد ولدا إلا في أهلها ، ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبني بها ، ثم انصرف راجعا من الشام ، فبنى بها في أهلها بيثرب ، فحملت منه ، ثم ارتحل إلى مكة وحملها معه ، فلما أثقلت ردها إلى أهلها ، ومضى إلى الشام فمات بغزة ، فولدت له عبد المطلب ، فمكثت بيثرب سبع سنين أو ثماني سنين ، ثم إن رجلا من بني الحارث بن عبد مناة مر بيثرب ، فإذا غلمان ينتضلون ، فجعل شيبة إذا خسق قال: أنا ابن هاشم ، أنا ابن سيد البطحاء . فقال له الحارثي: من أنت؟
قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف . فلما أتى الحارثي مكة قال للمطلب وهو جالس في الحجر: [يا أبا الحارث] ، تعلم أني وجدت صبيانا ينتضلون بيثرب ، وفيهم غلام إذا خسق قال: أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء . فقال المطلب : والله لا أرجع إلى أهلي حتى آتي به . فقال له الحارثي: هذه راحلتي بالفناء فاركبها . [ ص: 206 ]
فجلس المطلب عليها ، فورد يثرب عشاء ، حتى أتى عدي بن النجار ، فإذا غلمان يضربون كرة بين ظهري المدينة ، فجلس فعرف ابن أخيه . فقال للقوم: أهذا ابن هاشم؟ قالوا: نعم ، هذا ابن أخيك ، فإن كنت تريد أخذه فالساعة قبل أن تعلم [به] أمه ، فإنها إن علمت لم تدعك وحلنا بينك وبينه . فدعاه فقال: يا ابن أخي أنا عمك .
وقد أردت الذهاب بك إلى قومك . وأناخ راحلته ، فما كذب أن جلس على عجز الناقة ، فانطلق به ، ولم تعلم أمه حتى كان الليل ، فقامت تدعوه فأخبرت أن عمه ذهب به ، وقدم به المطلب ضحوة ، والناس في مجالسهم ، فجعلوا يقولون : من هذا وراءك؟ فيقول: عبد لي ، حتى أدخله منزله على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم ، فقالت: من هذا؟ قال: عبد لي . ثم خرج المطلب حتى أتى الحزورة ، فاشترى حلة فألبسها شيبة ، ثم خرج به حتى كان العشي أتى مجلس بني عبد مناف ، فجعل بعد ذلك يطوف في سكك مكة في تلك الحلة . فيقال هذا عبد المطلب ، لقوله: "هذا عبدي" حين سأله قومه ، فقال المطلب: في ذلك :
عرفت شيبة والنجار قد جعلت أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
قال مؤلف الكتاب: هذا حديث وهشام عن أبيه . وقد رواه الواقدي ، علي بن حرب الموصلي ، عن ابن معن عن محمد بن أبي بكر الأنصاري عن مشايخ الأنصار ، قالوا: [ ص: 207 ]تزوج هاشم امرأة من بني عدي بن النجار ذات شرف ، وكانت تشرط على من خطبها المقام بدار قومها فولدت له شيبة الحمد ، فربي في أخواله مكرما . فبينا هو يناضل فتيان الأنصار إذ أصاب [خصلة] قال: أنا ابن هاشم . وسمعه رجل مجتاز ، فلما قدم مكة قال لعمه المطلب: [قد] مررت بدار بني قيلة فرأيت فتى من صفته كذا ، يناضل فتيانهم فاعتزى إلى أخيك ، وما ينبغي ترك مثله في الغربة . فرحل المطلب حتى ورد المدينة ، فأراده على الرحلة . فقال: ذاك إلى الوالدة ، فلم يزل بها حتى أذنت له ، فأقبل به قد أردفه ، فإذا لقيه اللاقي ، وقال: من هذا يا مطلب؟ قال:
عبد لي فلما قدم فسمي عبد المطلب ، مكة وقفه على ملك أبيه ، وسلمه إليه .