قال: وما وعبد المطلب [هو] الذي أتي في منامه فقيل له: احفر زمزم ، زمزم ؟ قيل: لا تنزح ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عن نقرة الغراب الأعصم [وهي شرب لك ولولدك ، وكان غراب أعصم] لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم ، فحفرها ثلاثة أيام فبدا [له] الطوي ، فكبر ، وقال:
هذا طوي إسماعيل . فقالت له قريش: أشركنا فيه فقال: ما أنا بفاعل ، هذا شيء خصصت به دونكم ، فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه ، قالوا: كاهنة بني سعد . فخرجوا إليها ، فعطشوا في الطريق حتى أيقنوا بالموت ، فقال عبد المطلب: والله إن إلقاءنا هكذا بأيدينا لعجز ، ألا نضرب في الأرض ، فعسى الله أن يرزقنا ماء . وقام إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبر عبد المطلب ، وكبر أصحابه [وشربوا] . وقالوا: [قد] قضى لك الذي سقاك ، فو الله لا نخاصمك فيها أبدا . [فرجعوا] . وخلوا بينه وبين زمزم . . [ ص: 209 ]
عبد المطلب قد وجد في زمزم غزالين من ذهب كانت وكان جرهم دفنتهما فيه حين أخرجت من مكة ، وأسيافا وأدرعا ، فجعل الأسياف بابا للكعبة ، وضرب الغزالين صفائح في الباب فكان أول ذهب حليتها الكعبة .
وقد روى في حديث الغزالين شيئا آخر ، قال: كان ابن حبيب معين بن عبد القيس مالقا لشباب قريش يسقون عنده ويشربون وكان عيادة فتاك قريش وحلفاؤهم ، منهم: أبو لهب ، والحكم بن أبي العاص ، والحارث بن عامر بن نوفل وغيرهم ، وأقبلت عير من الشام تحمل خمرا ، فقال لهم أبو لهب: ويلكم أما عندكم نفقة .
قالوا: لا . قال: فعليكم بغزال الكعبة ، فإنما هو غزال أبي ، وكان عبد المطلب استخرجه من زمزم ووجد بها سيوفا والغزال ، فحمله للكعبة . فانطلقوا بالليل فحمل أبو مسافع ، والحارث بن عامر على ظهورهما حتى ألقياه على الكعبة ، فضرب الغزال فوقع ، فتناوله أبو لهب ثم أقبلوا به فكسروه فأخذوا الذهب وعينيه ، وكانت من ياقوت ، وطرحوا طوقه ، وكان على خشب في منزل شيخ من بني عامر ، فأخذ أبو لهب العنق والرأس والقرنين ، وانطلق فلم تقربهم وذهبوا فاشتروا كل خمر كان [معهم] وأعطوا الشنف والقرط القسيس ، فافتقدت قريش الغزال ، فتكلموا فيه ، وجد في لبرة عبد الله بن جدعان ، فمر العباس ، وهو شاب بدور بني سهم وهم يغنون ويقولون:
إن الغزال الذي كلتم وحليته يعنونه بخطوب الدهر والعثر طافت به عصبة من سر قومهم
أهل العلا والندا والبيت ذي الستر