ذكر قصة بغداد
جاء رجل من أهل الحيرة إلى المثنى ، فقال له: هل أدلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى والسواد ومعهم الأموال ، وهذه أيام سوقهم ، فإن أغرت عليهم وهم لا يشعرون أصبت فيها مالا يكون غنى للمسلمين ، يقوون به على عدوهم دهرهم؟ قال: وكم بينها وبين مدائن كسرى؟ قال: بعض يوم . فأخذ الأدلاء وصبحهم في أسواقهم ، فوضع فيهم السيف ، فقتل وأخذ ، ثم رجع إلى نهر السليحين بالأنبار ، وما زال هو وأصحابه يغيرون على الأطراف .
[أخبرنا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أحمد بن علي بن ثابت ، قال:
كانت ببغداد في أيام مملكة العجم قرية يجتمع رأس كل سنة التجار ، ويقوم بها للفرس سوق عظيمة ، فلما توجه المسلمون إلى العراق ، وفتح أول السواد ، ذكر للمثنى بن حارثة الشيباني أمر سوق بغداد .
فأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزار ، أخبرنا محمد بن الحسن الصواف ، [ ص: 150 ] حدثنا الحسن بن علي القطان ، أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار ، أخبرنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة ، قال: قال] حدثني ابن إسحاق: عبد الله أن أهل الحيرة ، قالوا للمثنى:
ألا ندلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى وتجار السواد ، وتجتمع بها كل سنة من أموال الناس مثل خراج العراق ، وهذه أيام سوقهم التي يجتمعون فيها ، فإن أنت قدرت على أن تغير عليهم وهم لا يشعرون ، أصبت بها مالا يكون منه عز للمسلمين ، وقوة على عدوهم ، وبينها وبين مدائن كسرى عامة يوم ، فقال لهم: وكيف لي بها؟ فقالوا له: إن أردتها فخذ طريق البر حتى تنتهي إلى الأنبار ، ثم تأخذ رءوس الدهاقين فيبعثون معك الأدلاء ، فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى .
قال: فخرج من الغد ومعه أدلاء أهل الحيرة حتى دخل الأنبار ، فنزل بصاحبها ، فتحصن منه ، فأرسل إليه ، انزل فإنك آمن على دينك وقريتك ، وترجع سالما إلى حصنك ، فتوثق عليه ، ثم نزل فقال: إني أريد أن تبعث معي دليلا يدلني على بغداد ، فإني أريد أن أعبر منها إلى المدائن ، قال: أنا أجيء معك . قال المثنى: لا أريد أن تجيء معي ، ولكن ابعث معي من يعرف الطريق ، ففعل وأمر لهم بعلف وطعام وزاد ، وبعث معهم دليلا ، فأقبل حتى بلغ المنصف قال له المثنى: كم بيننا وبين هذه القرية؟ قال: أربع فراسخ أو خمسة ، وقد بقي عليك ليل ، فقال لأصحابه: انزلوا واقصموا واطعموا وابعثوا الطلائع ، فلا تلقون أحدا إلا حبستموه ، ثم سار بهم فصبحهم في أسواقهم ، فوضع فيهم السيف ، فقتل وأخذ الأموال وقال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة ، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته ، وهرب الناس وتركوا أمتعتهم ، وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء ، ثم رجع حتى نزل نهر السليحين ، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذي سلمكم وأغنمكم ، انزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القصب ، وعلقوا عليها وأصيبوا من [ ص: 151 ] أزوادكم ، ثم سار حتى انتهى إلى الأنبار . وهذا أبي بكر رضي الله عنه المثنى هو أول من حارب الفرس في أيام