ومن الحوادث في هذه السنة ، جلولاء وقعة
لما توطن المسلمون المدائن ، وبعثوا إلى بالأخماس ، أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق ، وأن عمر أهل الموصل قد عسكروا بتكريت . فكتب سعد بذلك إلى رضي الله عنه ، فكتب إليه: أن سرح عمر إلى هاشم بن عتبة جلولاء في اثني [ ص: 213 ] عشر ألفا ، واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو ، وعلى ميمنته سعد بن مالك ، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة ، وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني .
وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء ، قالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا ، فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم ، فإن كانت لنا فهو الذي نريد ، وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا ، فاحتفروا الخندق ، واجتمعوا على مهران الرازي ، ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها ، ورماهم بالرجال والأموال .
ففصل بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة ، في اثني عشر ألفا ، فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ، فقدم هاشم بن عتبة جلولاء فحاصرهم [فخرجوا] على المسلمين ، فاقتتلوا ، وبعث الله عز وجل عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد ، فتهافتت فرسانهم في الخندق ، ثم اقتتلوا قتالا شديدا لم ير مثله ، وانهزموا ، واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف ، فجللت القتلى المجال ، وما بين يديه وما حوله ، فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم .
وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين ، فأدرك مهران فقتله ، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل ، واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب .
[أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي ، وإسماعيل بن أحمد السمرقندي ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا أخبرنا المخلص ، أحمد بن عبد الله بن سيف ، أخبرنا السري بن يحيى ، أخبرنا شعيب بن إبراهيم ، عن سيف بن عمر التميمي ، عن مجالد] ، عن قال: اقتسم الناس في الشعبي ، جلولاء على ثلاثين ألف ألف ، وكان الخمس ستة آلاف ألف . [ ص: 214 ]
[وحدثنا سيف ، عن زهرة ، ومحمد ] ، عن أبي سلمة ، قال: لما قدم على بالأخماس من جلولاء ، قال عمر: والله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه . فبات عمر عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في المسجد ، فلما أصبح عمر جاء فكشف عنه الأنطاع ، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده ولؤلؤه وجوهره بكى ، فقال له عبد الرحمن: ما يبكيك يا أمير المؤمنين ، والله إن هذا لموطن شكر ، فقال عمر: والله ما ذاك يبكيني ، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا ، ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم .
[أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن ، قال: أخبرنا قال: حدثنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، محمد بن زكريا ، قال: حدثنا عبد الله بن سلمان ، قال: حدثنا محمد بن يحيى الحنيني ، قال: حدثنا أبو أسامة ، عن الصلت ، قال: حدثني جميع بن عمير الليثي ، قال: سمعت] يقول: شهدت جلولاء وابتعت من الغنائم بأربعين ألفا ، فقدمت بها إلى المدينة على عبد الله بن عمر ، فقال: ما هذا؟ فقلت: ابتعت من الغنائم بأربعين ألفا ، فقال: يا عبد الله ، لو انطلق بي إلى الناس كنت مفتدي ، قلت: نعم بكل شيء أملك ، قال: فإني مخاصم وكأني بك بتابع والناس بجلولاء يقولون: هذا عمر ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه ، وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهما أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم ، وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريش . ثم أتى باب عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد ، فقال: يا بنت أبي عبيد ، أقسمت عليك أن تخرجي من بيتك شيئا أو تخرجن منه ، وإن كان عنق ظبية ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، لك ذلك .
ثم تركني سبعة أيام ، ثم دعا التجار ، ثم قال: يا إني مسئول ، قال: فباع من التجار متاعا بأربعمائة ألف ، فأعطاني ثمانين ألفا ، وأرسل ثلاثمائة وعشرين ألفا إلى سعد ، فقال: اقسم هذا المال في من شهد الوقعة ، وإن كان أحدهم [ ص: 215 ] مات فابعث نصيبه إلى ورثته . عبد الله بن عمر ،
وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ست عشرة ، وبينها وبين المدائن تسعة أشهر