ثم دخلت سنة سبع عشرة
فمن الحوادث فيها الكوفة وتحول إليها ، سعد بن أبي وقاص وقد كان مكان اختطاط الكوفة معروفا
[أخبرنا أبو المناقب حيدرة بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن حمزة الكوفي ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني ، أخبرنا محمد بن الحسين بن جعفر السلمي ، أخبرنا عبد الله بن زيدان العجلي ، أخبرنا إبراهيم بن قتيبة ، عن عمرو بن شبيب ، عن صدقة] بن المثنى النخعي ، قال: إن إبراهيم خليل الرحمن خرج من كوثى مهاجرا إلى الله عز وجل على حمار ، ومعه ابن أخيه لوط يسوق غنما ويحمل دلوا على عنقه حتى نزل بانقيا ، وكان بها قرية طولها اثنا عشر فرسخا ، وكانوا يزلزلون كل ليلة ، فلما بات بها إبراهيم لم يزلزلوا تلك الليلة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا: بتم بمثل هذه الليلة قط؟ فقالوا: لا ، فقال صاحب منزل إبراهيم عليه السلام: إن كان دفع عنكم بشيء فبشيخ بات عندي البارحة لم يزل يصلي حتى أصبح ، فأتوه فقالوا: إنما خرجت لطلب المعيشة ، فأقم فينا ونقاسمك شطر أموالنا فتكون أكثر الناس مالا ، قال: ليس لذلك خرجت ، إنما خرجت مهاجرا إلى الله ، فخرج حتى نزل القادسية ، فأتته عجوز ، فقالت: إني أراك شيخا حسن الهيئة [ ص: 220 ] وأراك شعثا ، فهل لك أن آتيك بغسول تغسل به رأسك ولحيتك؟ قال: ما شئت ، فأتته بغسول ، فغسل رأسه ولحيته ، فأفاض عليه من الماء وأخذ فضل ما بقي من الإناء فأبعد وقال: كوني مقدسة -للقادسية- منك يخرج وفد الله ، وفيك موضع رحالهم ، فسميت بدعوة إبراهيم القادسية .
ثم خرج نحو الشام فمر بالنجف فرأى فيه علامات وكان يقرأها في الكتب ، فقال: لمن هذا الجبل؟ فقالوا: لأهل القرية التي بت فيها -يعنون بانقيا- فأتاهم إبراهيم فظنوا أنه أتاهم للذي عرضوا عليه ، فقال: بيعوني أرضكم هذه -يعني ظهر الكوفة - فقالوا: هي لك ، ما ملكنا أرضا هي أقل خيرا منها ، ما تنبت رعيا ، ولا لنا فيها منفعة ، فاشتراها منهم بغنمه .
[قال أبو عبد الله الحسني : وحدثنا محمد بن عبد الله الجعفي ، قال: أخبرنا أحمد بن سعيد إجازة ، قال: حدثنا علي بن الحسن البجلي ، قال: حدثنا محمد بن عيسى العيسى ، عن عيسى بن عبد الله ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده] ، عن رضي الله عنه ، قال: من علي مسجد الكوفة فار التنور ، وكان بيت نوح عليه السلام ومسجده ، ثم جاء إبراهيم خليل الرحمن إلى كوثى وبها ابن أخيه ، فأقام عنده غير كثير ، ثم خرج حتى جاء إلى مسجد الكوفة ، فكلم ملكا كان عليها ، وقال له: إني أحب أن تبيعني هذا المكان -لمسجد الكوفة - وكان ذلك الملك تزلزل به كل ليلة [الأرض] ، فلما صار إبراهيم إليه كف الله عز وجل تلك الزلزلة ، فقال الملك: يدعو لك ، فقال: ما أريد أخذه إلا بثمن ، قال: فاشتره بما شئت ، قال: فإني آخذه بأتاني هذه وشاتي ، قال: أما الشاة فليس معك زاد إلا لبنها تشربه ، وأما الأتان فهلمها نحن نأخذها ، فاشتراها بالأتان . فبدأ أساس نوح ، وبناه بناء لاطيا على نحو من ذراع أو ذراعين ، ثم سار هو ولوط إلى الشام . [قال أبو عبد الله : وحدثنا محمد بن العباس الحذاء ، قال: حدثنا أحمد بن محمد ، قال: أخبرنا الحسين بن حميد ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس ، عن
[ ص: 221 ]
] ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: لما نزل المسلمون المدائن اصفرت ألوانهم ، وعظمت بطونهم ، ودقت عظامهم ، وذلك لما اجتووها ، فكتب قيس بن أبي حازم ، رضي الله عنه أن يطلبوا منزلا غيره ، فنزلوا عمر بن الخطاب الكوفة ، فوفدنا إلى عمر ، فقال: إني لأعرف فضل منزلكم هذا على الآخر فصفوه لي ، فقلنا: هي آخر السواد في العرب ، وهي أرض برية بحرية ، أرض شيح وقيصوم ، وأرض ضب وحوت .
قال حسين بن حميد : [وحدثنا قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قبيصة] ، عن سفيان ، قال: أول من بنى الكوفة بالآجر خباب بن الأرت ، . وعبد الله بن مسعود
[قال لي أبو عبد الله : وحدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن عامر الكندي ، قال: حدثنا علي بن الحسن بن إسماعيل البزار ، قال: حدثنا] بشر بن عبد الوهاب ، ذكر] أنه قدر الكوفة فكانت ستة عشر ميلا ، وثلثي ميل ، وذكر أن فيها خمسة آلاف دار للعرب من ربيعة ومضر ، وأربعة عشر ألف دار لسائر العرب ، وستة وثلاثين ألف دار لليمنيين .
[أخبرني بذلك في سنة أربع وستين ومائتين] .
[قال أبو عبد الله : وأخبرنا زيد بن مروان إجازة ، قال: حدثنا علي بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل الطلحي ، قال: حدثنا أبي] ، قال: رأيت بالكوفة في مسجد الجامع مائة حلقة فقه . [ ص: 222 ]
[أخبرنا محمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا أخبرنا أبو طاهر المخلص ، أحمد بن عبد الله ، حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب بن إبراهيم ، حدثنا سيف ، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد ، قالوا]: لما جاء فتح جلولاء وحلوان ونزل القعقاع بن عمرو بحلوان فيمن معه ، وجاء فتح تكريت والحصنين ، وقدمت الوفود بذلك على عمر ، قال لهم: ما غيركم؟ قالوا: وخومة البلاد ، فنظر في حوائجهم ، وعجل سراحهم .
وكتب إلى عمر سعد: أنبئني ما الذي غير لون العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: وخومة المدائن ودجلة ، فكتب إليه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان ، فابعث سليمان رائدا فليرتادا منزلا بريا بحريا ، ليس بيني وبينكم بحر ولا جسر . وحذيفة
فبعث حذيفة وسلمان ، فخرج سلمان فسار لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة ، وخرج حذيفة حتى أتى الكوفة ، وفيها ديرات ثلاثة ، فأعجبتهما البقعة ، فنزلا فصليا ، وقالا: اللهم بارك لنا في هذه الكوفة واجعله منزل ثبات ، ورجعا إلى سعد بالخبر ، فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في محرم سنة سبع عشرة ، وكان بين وقعة المدائن ونزول الكوفة أحد عشر شهرا . فكتب سعد إلى إني قد نزلت بكوفة منزلا بين عمر: الحيرة والفرات بريا بحريا ، ينبت الجلي والنصي ، وخيرت المسلمين بالمدائن ، فمن أعجبه المقام فيها تركته [كالمسلحة] .
[وحدثنا سيف ، عن يحيى التيمي ] ، عن أبي ماجد ، قال: قال رضي الله عنه: عمر الكوفة رمح الإسلام ، وقبة الإسلام ، وحجة العرب ، يكفون ثغورهم ويمدون الأمصار . [ ص: 223 ]
[أخبرنا سيف ، عن سعد ، عن الأصبغ] ، عن رضي الله عنه أنه قال: إن علي الكوفة لقبة الإسلام ، وليأتين عليها زمان لا يبقى مؤمن إلا أتاها أو حن إليها ، والله لينصرن الله بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط .