ثم إن أباه عهد إليه ، فلما مات . . . بويع بالخلافة ، ووصل الخبر إليه ببغداد ، فخطب الناس فقال : (إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب ، وأمر فأطاع ، واغرورقت عيناه ، فقال : قد بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند فراق الأحبة ، ولقد فارقت عظيما ، وقلدت جسيما ، فعند الله أحتسب أمير المؤمنين ، وبه أستعين على خلافة المسلمين .
أيها الناس; أسروا مثل ما تعلنون من طاعتنا . . . نهبكم العافية ، وتحمدوا العاقبة ، واخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم ، وطوى الإصر عنكم ، وأهال عليكم السلامة من حيث رآه الله مقدما ذلك ، والله; لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم ) .
قال : (لما حصلت الخزائن في يد نفطويه . . . أخذ في رد المظالم ، فأخرج أكثر الذخائر ففرقها ، وبر أهله ومواليه ) . المهدي
وقال غيره : أول من هنأ بالخلافة وعزاه بأبيه : المهدي فقال : أبو دلامة
عيناي واحدة ترى مسرورة بأميرها جذلى وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة ، ويسوؤها
ما أنكرت ويسرها ما تعرف فيسوؤها موت الخليفة محرما
ويسرها أن قام هذا الأرأف ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى
شعرا أسرحه وآخر أنتف هلك الخليفة يا لدين محمد
وأتاكم من بعده من يخلف [ ص: 442 ] أهدى لهذا الله فضل خلافة
ولذاك جنات النعيم تزخرف
وفي سنة تسع وخمسين : بولاية العهد المهدي لموسى الهادي ، ثم من بعده لهارون الرشيد ولديه . بايع
وفي سنة ستين : فتحت باربد من الهند عنوة .
وفيها : حج فأنهى إليه حجبة المهدي الكعبة : أنهم يخافون هدمها; لكثرة ما عليها من الأستار ، فأمر بها فجردت واقتصر على كسوة ، وحمل إلى المهدي الثلج إلى المهدي مكة ، قال الذهبي : (ولم يتهيأ ذلك لملك قط ) .
وفي سنة إحدى وستين أمر بعمارة طريق المهدي مكة ، وبنى بها قصورا وعمل البرك ، وأمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام ، وقصر المنابر ، وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بالروم . وفي سنة ثلاث وستين وما بعدها : كثرت الفتوح
وفي سنة ست وستين : إلى المهدي قصر السلام ، وأمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية ومن تحول اليمن ومكة إلى الحضرة ، بغالا وإبلا ، قال الذهبي : (وهو أول ما عمل البريد من الحجاز إلى العراق ) .
[ ص: 443 ] وفيها وفيما بعدها : في تتبع الزنادقة وإبادتهم المهدي ، والبحث عنهم في الآفاق ، وقتل على التهمة . جد
وفي سنة سبع وستين : أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام ، وأدخل في ذلك دورا كثيرة .
وفي سنة تسع وستين : مات المهدي; ساق خلف صيد ، فاقتحم الصيد خربة ، وتبعه الفرس ، فدق ظهره في بابها ، فمات لوقته; وذلك لثمان بقين من المحرم ، وقيل : إنه مات مسموما ، وقال سلم الخاسر يرثيه :
وباكية على عبرى كأن بها وما جنت جنونا المهدي
وقد خمشت محاسنها وأبدت غدائرها وأظهرت القرونا
لئن بلي الخليفة بعد عز لقد أبقى مساعي ما بلينا
سلام الله عدة كل يوم على حين ثوى رهينا المهدي
تركنا الدين والدنيا جميعا بحيث ثوى أمير المؤمنينا