[القاهر يسأل عن أخلاق خلفاء العباسيين]
قال محمد بن علي الخراساني : (أحضرني يوما والحربة بين يديه فقال: القاهر بني العباس في أخلاقهم وشيمهم، قلت: أما أسألك عن خلفاء فكان مسارعا إلى سفك الدماء، واتبعه عماله على مثل ذلك، وكان مع ذلك سمحا وصولا بالمال. السفاح...
قال: فالمنصور؟ قلت: كان أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد أبي طالب، وكانوا قبله متفقين، وهو ككتاب «كليلة ودمنة»، وكتب «إقليدس»، وكتاب اليونان، فنظر الناس فيها وتعلقوا بها، فلما رأى ذلك أول خليفة قرب المنجمين، وأول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية; محمد بن إسحاق... جمع المغازي والسير، أول من استعمل مواليه، وقدمهم على العرب. والمنصور
قال: فالمهدي؟ قلت: كان جوادا عادلا منصفا; رد ما أخذ أبوه من الناس غصبا، وبالغ في إتلاف الزنادقة، وبنى المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى.
قال: فالهادي؟ قلت: كان جبارا متكبرا، فسلك عماله طريقه على قصر أيامه.
قال: فالرشيد؟ قلت: كان مواظبا على الغزو والحج، وعمر القصور والبرك بطريق مكة، وبنى الثغور; كأذنة وطرسوس والمصيصة ومرعش، وعم الناس إحسانه، وكان في أيامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم، وهو أول خليفة [ ص: 601 ] لعب بالصوالجة، ورمى النشاب في البرجاس، ولعب بالشطرنج من بني العباس.
قال: فالأمين؟ قلت: كان جوادا، إلا أنه انهمك في لذاته ففسدت الأمور.
قال: فالمأمون؟ قلت: غلب عليه النجوم والفلسفة، وكان حليما جوادا.
قال: فالمعتصم؟ قلت: سلك طريقه، وغلب عليه حب الفروسية والتشبه بملوك الأعاجم، واشتغل بالغزو والفتوح.
قال: فالواثق؟ قلت: سلك طريقة أبيه.
قال: فالمتوكل؟ قلت: خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقادات، ونهى عن الجدال والمناظرات والأهواء وعاقب عليها، وأمر بقراءة الحديث وسماعه، ونهى عن القول بخلق القرآن، فأحبه الناس.
ثم سأل عن باقي الخلفاء وأنا أجيبه بما فيهم، فقال لي: قد سمعت كلامك، وكأني مشاهد القوم، ثم قام).