المسألة الثانية : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } الآية : نص في
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28647_28671تحقيق الكفر ، وذلك أن نقول : الكفر والإيمان أصلان في ترتيب الأحكام عليهما في الدين ، وهما في وضع اللغة معلومان .
والإيمان هو التصديق لغة أو التأمين . والكفر هو الستر ، وقد يكون بالفعل حسا ، وقد يكون بالإنكار والجحد معنى ، وكلاهما حقيقة ، أو حقيقة ومجاز ، حسبما بيناه في الأمد الأقصى " وغيره . وقد قال شيخ السنة
nindex.php?page=showalam&ids=11939والقاضي أبو بكر : إن الإيمان هو العلم بالله ، وذلك لا يصح لغة ، وقد أفدناه في موضعه .
فإذا ثبت أن كفر المعاني جحودها وإنكارها فالشرع لم يعلق الأحكام الشرعية على كل ما ينطلق عليه اسم كفر ، وإنما علقه على بعضها ، وهي الكفر بالله وصفاته وأفعاله .
والدليل عليه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية .
فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29لا يؤمنون بالله } نص في الكفر بذاته يقينا ، وفي الكفر بالصفات ظاهرا : لأن الله هو الموجود الذي له الصفات العلا والأسماء الحسنى ; فكل من أنكر وجود الله فهو كافر ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا باليوم الآخر } نص في صفاته ، فإن اليوم الآخر عرفناه بقدرته وبكلامه ; فأما علمنا له بقدرته فإن القدرة على اليوم الأول دليل على القدرة على اليوم الآخر .
وأما علمنا له بالكلام فبإخباره أنه فاعله ، فإذا أنكر أحد البعث فقد أنكر القدرة والكلام ، وكفر قطعا بغير كلام ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } نص في أفعاله التي من أمهاتها إرسال الرسل ، وتأييدهم بالمعجزات النازلة منزلة قوله : صدقتم أيها الرسل ، فإذا أنكر أحد الرسل أو كذبهم فيما يخبرون عنه من التحليل والتحريم ، والأوامر والندب ، فهو
[ ص: 475 ] كافر ، وكل جملة من هذه الوجوه الثلاثة له تفصيل تدل عليه هذه الجملة التي أشرنا ، بها اختلف الناس في التكفير بذلك التفصيل ، والتفسيق والتخطئة والتصويب ; وذلك كالقول في التشبيه والتجسيم والجهة ، أو الخوض في إنكار العلم والقدرة ، والإرادة والكلام والحياة ، فهذه الأصول يكفر جاحدها بلا إشكال .
وكقول
المعتزلة : إن العباد يخلقون أفعالهم ، وإنهم يفعلون ما لا يريده الله ، وإن نفوذ القضاء والقدر على الخلق بالنار جور .
وكقول المشبهة : إن الباري جسم ، وإنه يختص بجهة ، وإنه قادر على المحال ، وإنه تعالى قد نص على كل حادثة من الأحكام .
وهذا كله كذب صراح ، وبعد هذا تفاصيل ينبني عليها ويجر إليها ، وفي التكفير بها تدقيق .
ومن أعظم الإشارة بقوله : ولا باليوم الآخر الإخبار عن
النصارى الذين يقولون : إن نعيم الجنة وعذاب النار معان ; كالسرور والهم ، وليست صورا ، ولا فيها أكل ولا شرب ، ولا وطء ولا حياة ، ولا مهل يشرب ، ولا نار تلظى .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } إخبار عما كانت
العرب تفعله من التحريم بعقولها في السائبة والوصيلة والحام ، وما يختص بتحريمه الإناث دون الذكور ، إلى غير ذلك من أقوال الزور ، وعما كانت الرهبان تفعله ، والأحبار من
اليهود تبتدعه من تحريم ما أحل الله في الإنجيل والتوراة ، أو تحليل ما حرم الله عليهم فيه .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا يدينون دين الحق } إشارة إلى هذه الجملة من الاعتقاد للحق والعمل بمقتضى الشرع .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } الْآيَةَ : نَصٌّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28647_28671تَحْقِيقِ الْكُفْرِ ، وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ : الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ أَصْلَانِ فِي تَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمَا فِي الدِّينِ ، وَهُمَا فِي وَضْعِ اللُّغَةِ مَعْلُومَانِ .
وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ لُغَةً أَوْ التَّأْمِينُ . وَالْكُفْرُ هُوَ السِّتْرُ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ حِسًّا ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِنْكَارِ وَالْجَحْدِ مَعْنًى ، وَكِلَاهُمَا حَقِيقَةٌ ، أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَدِ الْأَقْصَى " وَغَيْرِهِ . وَقَدْ قَالَ شَيْخُ السُّنَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11939وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : إنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لُغَةً ، وَقَدْ أَفَدْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ .
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُفْرَ الْمَعَانِي جُحُودُهَا وَإِنْكَارُهَا فَالشَّرْعُ لَمْ يُعَلِّقْ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى كُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ كُفْرٍ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى بَعْضِهَا ، وَهِيَ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ .
فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } نَصٌّ فِي الْكُفْرِ بِذَاتِهِ يَقِينًا ، وَفِي الْكُفْرِ بِالصِّفَاتِ ظَاهِرًا : لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَهُ الصِّفَاتُ الْعُلَا وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ; فَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } نَصٌّ فِي صِفَاتِهِ ، فَإِنَّ الْيَوْمَ الْآخِرَ عَرَفْنَاهُ بِقُدْرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ ; فَأَمَّا عِلْمُنَا لَهُ بِقُدْرَتِهِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دَلِيلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَوْمِ الْآخِرِ .
وَأَمَّا عِلْمُنَا لَهُ بِالْكَلَامِ فَبِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ فَاعِلُهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الْبَعْثَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْقُدْرَةَ وَالْكَلَامَ ، وَكَفَرَ قَطْعًا بِغَيْرِ كَلَامٍ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } نَصٌّ فِي أَفْعَالِهِ الَّتِي مِنْ أُمَّهَاتِهَا إرْسَالُ الرُّسُلِ ، وَتَأْيِيدُهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ : صَدَقْتُمْ أَيُّهَا الرُّسُلُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَالْأَوَامِرِ وَالنَّدْبِ ، فَهُوَ
[ ص: 475 ] كَافِرٌ ، وَكُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَهُ تَفْصِيلٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا ، بِهَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ ، وَالتَّفْسِيقِ وَالتَّخْطِئَةِ وَالتَّصْوِيبِ ; وَذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَالْجِهَةِ ، أَوْ الْخَوْضِ فِي إنْكَارِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ وَالْحَيَاةِ ، فَهَذِهِ الْأُصُولُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِلَا إشْكَالٍ .
وَكَقَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ : إنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ أَفْعَالَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ ، وَإِنَّ نُفُوذَ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ عَلَى الْخَلْقِ بِالنَّارِ جَوْرٌ .
وَكَقَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ : إنَّ الْبَارِيَ جِسْمٌ ، وَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِجِهَةٍ ، وَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمُحَالِ ، وَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى كُلِّ حَادِثَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ .
وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ ، وَبَعْدَ هَذَا تَفَاصِيلُ يَنْبَنِي عَلَيْهَا وَيُجَرُّ إلَيْهَا ، وَفِي التَّكْفِيرِ بِهَا تَدْقِيقٌ .
وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ : وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الْإِخْبَارُ عَنْ
النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ وَعَذَابَ النَّارِ مَعَانٍ ; كَالسُّرُورِ وَالْهَمِّ ، وَلَيْسَتْ صُوَرًا ، وَلَا فِيهَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ ، وَلَا وَطْءٌ وَلَا حَيَاةٌ ، وَلَا مُهْلٌ يُشْرَبُ ، وَلَا نَارٌ تَلَظَّى .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } إخْبَارٌ عَمَّا كَانَتْ
الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ بِعُقُولِهَا فِي السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِهِ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكُورِ ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الزُّورِ ، وَعَمَّا كَانَتْ الرُّهْبَانُ تَفْعَلُهُ ، وَالْأَحْبَارُ مِنْ
الْيَهُودِ تَبْتَدِعُهُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي الْإِنْجِيلِ وَالتَّوْرَاةِ ، أَوْ تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ } إشَارَةً إلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الِاعْتِقَادِ لِلْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ .