الآية الحادية والخمسون قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } .
فيها تسع مسائل :
المسألة الأولى : في ثبوتها : اعلموا وفقكم الله أن هذه مسألة عظيمة القدر ، وذلك أن
الرافضة كادت الإسلام بآيات وحروف نسبتها إلى القرآن لا يخفى على ذي بصيرة أنها من البهتان الذي نزغ به الشيطان ، وادعوا أنهم نقلوها وأظهروها حين كتمناها نحن ، وقالوا : إن الواحد يكفي في نقل الآية والحروف كما فعلتم ، فإنكم أثبتم آية بقول رجل واحد ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=2546خزيمة بن ثابت ، وهي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم } ; وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } .
قلنا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20755القرآن لا يثبت إلا بنقل التواتر ، بخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=27862السنة فإنها تثبت بنقل الآحاد .
والمعنى فيه أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الشاهدة بصدقه ، الدالة على نبوته ، فأبقاها الله على أمته ، وتولى حفظها بفضله ، حتى لا يزاد فيها ولا ينقص منها .
والمعجزات إما أن تكون معاينة إن كانت فعلا ، وإما أن تثبت تواترا إن كانت قولا ، ليقع العلم بها ، أو تنقل صورة الفعل فيها أيضا نقلا متواترا حتى يقع العلم بها ، كأن السامع لها
[ ص: 607 ] قد شاهدها ، حتى تنبني الرسالة على أمر مقطوع به ، بخلاف السنة ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=26503الأحكام يعمل فيها على خبر الواحد ; إذ ليس فيها معنى أكثر من التعبد .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه مع الواحد ، ويأمر الواحد أيضا بتبليغ كلامه ، ويبعث الأمراء إلى البلاد وعلى السرايا ; وذلك لأن الأمر لو وقف فيها على التواتر لما حصل علم ، ولا تم حكم ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه والدين .
الْآيَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي ثُبُوتِهَا : اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ
الرَّافِضَةَ كَادَتْ الْإِسْلَامَ بِآيَاتٍ وَحُرُوفٍ نَسَبَتْهَا إلَى الْقُرْآنِ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ أَنَّهَا مِنْ الْبُهْتَانِ الَّذِي نَزَغَ بِهِ الشَّيْطَانُ ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ نَقَلُوهَا وَأَظْهَرُوهَا حِينَ كَتَمْنَاهَا نَحْنُ ، وَقَالُوا : إنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي فِي نَقْلِ الْآيَةِ وَالْحُرُوفِ كَمَا فَعَلْتُمْ ، فَإِنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ آيَةً بِقَوْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=2546خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } ; وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } .
قُلْنَا : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20755الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ ، بِخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=27862السُّنَّةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِنَقْلِ الْآحَادِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّاهِدَةُ بِصِدْقِهِ ، الدَّالَّةُ عَلَى نُبُوَّتِهِ ، فَأَبْقَاهَا اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَتَوَلَّى حِفْظَهَا بِفَضْلِهِ ، حَتَّى لَا يُزَادَ فِيهَا وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا .
وَالْمُعْجِزَاتُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعَايَنَةً إنْ كَانَتْ فِعْلًا ، وَإِمَّا أَنْ تَثْبُتَ تَوَاتُرًا إنْ كَانَتْ قَوْلًا ، لِيَقَعَ الْعِلْمُ بِهَا ، أَوْ تُنْقَلَ صُورَةُ الْفِعْلِ فِيهَا أَيْضًا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِهَا ، كَأَنَّ السَّامِعَ لَهَا
[ ص: 607 ] قَدْ شَاهَدَهَا ، حَتَّى تَنْبَنِيَ الرِّسَالَةُ عَلَى أَمْرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26503الْأَحْكَامَ يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ ; إذْ لَيْسَ فِيهَا مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ التَّعَبُّدِ .
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَيَأْمُرُ الْوَاحِدَ أَيْضًا بِتَبْلِيغِ كَلَامِهِ ، وَيَبْعَثُ الْأُمَرَاءَ إلَى الْبِلَادِ وَعَلَى السَّرَايَا ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ وَقَفَ فِيهَا عَلَى التَّوَاتُرِ لَمَا حَصَلَ عِلْمٌ ، وَلَا تَمَّ حُكْمٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ .