الآية الثالثة
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته nindex.php?page=treesubj&link=28996وأنزلنا من السماء ماء طهورا } .
فيها اثنتا عشرة مسألة : المسألة الأولى : قد بينا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وأنزلنا من السماء ماء } في سورة المؤمنين ، فلا وجه لإعادته . المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=12قوله { nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48ماء طهورا } فوصف الماء بأنه طهور . واختلف الناس في معنى وصفه بأنه طهور على قولين : أحدهما : أنه بمعنى مطهر لغيره ؟ وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وخلق كثير سواهما .
والثاني : أنه بمعنى طاهر ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وتعلق في ذلك بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا } يعني طاهرا ، إذا لا تكليف في الجنة . وقال الشاعر :
خليلي هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي علي فجور إلى رجح الأكفال هيف خصورها
عذاب الثنايا ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طاهر ، وليس بمعنى أنه يطهر .
وتقول
العرب : رجل نئوم ، وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره ، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه ، ودليلنا قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا } . وقال :
[ ص: 436 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان } ، فبين أن وصف {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48طهورا } يفيد التطهير .
وقال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } . وأرادوا مطهرة بالتيمم ، ولم يرد طاهرة به ، وإن كانت قبل ذلك طاهرة . وقال في ماء البحر : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هو الطهور ماؤه } ، ولو لم يكن معنى الطهور المطهر لما كان جوابا لسؤالهم .
وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف " طهور " مختص بالماء ، ولا يتعدى إلى سائر المائعات ، وهي طاهرة ، فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر .
فأما تعلقهم بوصف الله لشراب الجنة بأنه طهور ، والجنة لا تكليف فيها ، فلا حجة لهم فيها ; لأن الله تعالى أراد بذلك المبالغة في الصفة ، وضرب المثل بالمبالغة في الدنيا ، وهو التطهير .
وقد قال علماؤنا : إن وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب ، وعن خسائس الصفات ، كالغل والحسد ، فإذا شربوا هذا الشراب طهرهم الله به من رحض الذنوب ، وأوضار الاعتقادات الذميمة ، فجاءوا الله بقلب سليم ، ودخلوا الجنة بصفة التسليم .
وقيل لهم حينئذ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } ، كما حكم في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء ، وهذه حكمته في الدنيا ، وتلك حكمته ورحمته في الأخرى . وأما قول الشاعر :
ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طهور ، وهو لا يطهر ، فإنما قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية ، أراد أنه لعذوبته ، وتعلقه بالقلوب ، وطيبه في النفوس ، وسكون غليل الحب برشفه ، كأنه الماء الطهور .
[ ص: 437 ] وبالجملة فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازات الشعرية ، فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حد الصدق إلى الكذب ، ويسترسلون في القول حتى يخرجهم ذلك إلى البدعة والمعصية ، وربما وقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون ، ألا ترى إلى قول بعضهم :
لو لم تلامس صفحة الأرض رجلها لما كنت أدري علة للتيمم
وهذا كفر صراح نعوذ بالله منه .
قال الفقيه
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر رحمه الله : هذا منتهى لباب كلام العلماء ، وهو بالغ في فنه ، إلا أني تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا ، وهو أن بناء " فعول " للمبالغة ، إلا أن المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي كما قال الشاعر :
ضروب بنصل السيف سوق سمانها
وقد تكون في الفعل القاصر كما قال الشاعر :
نئوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب ، وهو فعل يتعدى ، ووصفها الثاني بالمبالغة في النوم ، وهو فعل لا يتعدى ، وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة ، ومن الشرع طهارة ، كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31850لا يقبل الله صلاة بغير طهور } .
وقد يأتي بناء " فعول " لوجه آخر ، ليس من هذا كله ، وهو العبارة به عن آلة الفعل لا عن الفعل ، كقولنا : وقود وسحور بفتح الفاء " فإنه عبارة عن الحطب وعن الطعام المتسحر به ، وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء أيضا خبرا عن الآلة التي يتطهر بها .
[ ص: 438 ]
فإذ ضممت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل ، وكان خبرا عنه ، فثبت بهذا أن اسم الفعول بفتح الفاء يكون بناء للمبالغة ، ويكون خبرا عن الآلة ، وهذا الذي خطر ببال الحنفية ، ولكن قصرت أشداقها عن لوكه ، وبعد هذا يقف البيان به عن المبالغة ، أو عن الآلة على الدليل ، مثاله قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا } . وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } .
ويحتمل العبارة به عن الآلة ، فلا حجة فيه لعلمائنا .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ nindex.php?page=treesubj&link=28996وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } .
فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَدْ بَيَّنَّا قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً } فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=12قَوْلُهُ { nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48مَاءً طَهُورًا } فَوَصَفَ الْمَاءَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى وَصْفِهِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ بِمَعْنَى مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ ؟ وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ سِوَاهُمَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ بِمَعْنَى طَاهِرٍ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ ، وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } يَعْنِي طَاهِرًا ، إذَا لَا تَكْلِيفَ فِي الْجَنَّةِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
خَلِيلَيَّ هَلْ فِي نَظْرَةٍ بَعْدَ تَوْبَةٍ أُدَاوِي بِهَا قَلْبِي عَلَيَّ فُجُورُ إلَى رَجَحِ الْأَكْفَالِ هِيفٍ خُصُورُهَا
عِذَابِ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ
فَوَصَفَ الرِّيقَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُطَهِّرُ .
وَتَقُولُ
الْعَرَبُ : رَجُلٌ نَئُومٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنِيمٌ لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } . وَقَالَ :
[ ص: 436 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } ، فَبَيَّنَ أَنَّ وَصْفَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48طَهُورًا } يُفِيدُ التَّطْهِيرَ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } . وَأَرَادُوا مُطَهَّرَةً بِالتَّيَمُّمِ ، وَلَمْ يُرِدْ طَاهِرَةً بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ طَاهِرَةً . وَقَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ } ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الطَّهُورِ الْمُطَهَّرَ لَمَا كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِهِمْ .
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ لُغَةً وَشَرِيعَةً عَلَى أَنَّ وَصْفَ " طَهُورٍ " مُخْتَصٌّ بِالْمَاءِ ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْمَائِعَاتِ ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ ، فَكَانَ اقْتِصَارُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْمَاءِ أَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهَّرُ .
فَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِوَصْفِ اللَّهِ لِشَرَابِ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ ، وَالْجَنَّةُ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الصِّفَةِ ، وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ .
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ وَصْفَ شَرَابِ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ يُفِيدُ التَّطْهِيرَ عَنْ أَوْضَارِ الذُّنُوبِ ، وَعَنْ خَسَائِسِ الصِّفَاتِ ، كَالْغِلِّ وَالْحَسَدِ ، فَإِذَا شَرِبُوا هَذَا الشَّرَابَ طَهَّرَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ رَحْضِ الذُّنُوبِ ، وَأَوْضَارِ الِاعْتِقَادَاتِ الذَّمِيمَةِ ، فَجَاءُوا اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ بِصِفَةِ التَّسْلِيمِ .
وَقِيلَ لَهُمْ حِينَئِذٍ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } ، كَمَا حَكَمَ فِي الدُّنْيَا بِزَوَالِ حُكْمِ الْحَدَثِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ ، وَهَذِهِ حِكْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا ، وَتِلْكَ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ فِي الْأُخْرَى . وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ :
رِيقُهُنَّ طَهُورُ
فَوَصَفَ الرِّيقَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ ، وَهُوَ لَا يُطَهِّرُ ، فَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِ الرِّيقِ بِالطَّهُورِيَّةِ ، أَرَادَ أَنَّهُ لِعُذُوبَتِهِ ، وَتَعَلُّقِهِ بِالْقُلُوبِ ، وَطِيبِهِ فِي النُّفُوسِ ، وَسُكُونِ غَلِيلِ الْحُبِّ بِرَشْفِهِ ، كَأَنَّهُ الْمَاءُ الطَّهُورُ .
[ ص: 437 ] وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمَجَازَاتِ الشِّعْرِيَّةِ ، فَإِنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَجَاوَزُونَ فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَدَّ الصِّدْقِ إلَى الْكَذِبِ ، وَيَسْتَرْسِلُونَ فِي الْقَوْلِ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ ذَلِكَ إلَى الْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ، وَرُبَّمَا وَقَعُوا فِي الْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ :
لَوْ لَمْ تُلَامِسْ صَفْحَةُ الْأَرْضِ رِجْلَهَا لَمَا كُنْت أَدْرِي عِلَّةً لِلتَّيَمُّمِ
وَهَذَا كُفْرٌ صُرَاحٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ .
قَالَ الْفَقِيهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا مُنْتَهَى لُبَابِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ بَالِغٌ فِي فَنِّهِ ، إلَّا أَنِّي تَأَمَّلْتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرَبِيَّةِ فَوَجَدْتُ فِيهَا مَطْلَعًا شَرِيفًا ، وَهُوَ أَنَّ بِنَاءَ " فَعُولٍ " لِلْمُبَالَغَةِ ، إلَّا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمَانِهَا
وَقَدْ تَكُونُ فِي الْفِعْلِ الْقَاصِرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
نَئُومُ الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
فَوَصَفَهُ الْأَوَّلُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الضَّرْبِ ، وَهُوَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى ، وَوَصَفَهَا الثَّانِي بِالْمُبَالَغَةِ فِي النَّوْمِ ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا يَتَعَدَّى ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ طَهُورِيَّةُ الْمَاءِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُسْنِ نَظَافَةً ، وَمِنْ الشَّرْعِ طَهَارَةً ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31850لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ } .
وَقَدْ يَأْتِي بِنَاءُ " فَعُولٍ " لِوَجْهٍ آخَرَ ، لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ، وَهُوَ الْعِبَارَةُ بِهِ عَنْ آلَةِ الْفِعْلِ لَا عَنْ الْفِعْلِ ، كَقَوْلِنَا : وَقُودٌ وَسَحُورٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ " فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَطَبِ وَعَنْ الطَّعَامِ الْمُتَسَحَّرِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ وَصْفُ الْمَاءِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ يَكُونُ بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْضًا خَبَرًا عَنْ الْآلَةِ الَّتِي يُتَطَهَّرُ بِهَا .
[ ص: 438 ]
فَإِذْ ضَمَمْت الْفَاءَ فِي الْوُقُودِ وَالسُّحُورِ وَالطُّهُورِ عَادَ إلَى الْفِعْلِ ، وَكَانَ خَبَرًا عَنْهُ ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اسْمَ الْفَعُولِ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَكُونُ بِنَاءً لِلْمُبَالَغَةِ ، وَيَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْآلَةِ ، وَهَذَا الَّذِي خَطَرَ بِبَالِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلَكِنْ قَصُرَتْ أَشْدَاقُهَا عَنْ لَوْكِهِ ، وَبَعْدَ هَذَا يَقِفُ الْبَيَانُ بِهِ عَنْ الْمُبَالَغَةِ ، أَوْ عَنْ الْآلَةِ عَلَى الدَّلِيلِ ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17710جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } .
وَيُحْتَمَلُ الْعِبَارَةُ بِهِ عَنْ الْآلَةِ ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِعُلَمَائِنَا .