المسألة الثالثة قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما ينبغي له } تحقيق في نفي ذلك عنه .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=18626اعترض جماعة من فصحاء الملحدة علينا في نظم القرآن والسنة بأشياء أرادوا بها التلبيس على الضعفة ، منها قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد } وقالوا : إن هذا من بحر المتقارب ، على ميزان قوله :
فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم رءوسا نياما
وهذا إنما اعترض به الجاهلون بالصناعة ; لأن الذي يلائم هذا البيت من الآية قوله : ( فلما ) إلى قوله ( كل ) وإذا وقفنا عليه لم يتم الكلام . وإذا أتممناه بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117شيء شهيد } خرج عن وزن الشعر ، وزاد فيه ما يصير به عشرة أجزاء كلها على وزن فعولن ، وليس في بحور الشعر ما يخرج البيت منه من عشرة أجزاء ، وإنما أكثره ثمانية .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } ادعوا أنه من بحر الوافر ، وقطعوه : مفاعيل مفاعيل فعولن مفاعيل مفاعيل فعولن ; وهو على وزن قول الأول :
[ ص: 19 ] لنا غنم نسوقها غزار كأن قرون جلتها العصي
وعلى وزن قول الآخر :
طوال قنا يطاعنها قصار وقطرك في ندى ووغى بحار
وهذا فاسد من أوجه : أحدها أنه إنما كانت تكون على هذا التقدير لو زدت فيها ألفا بتمكين حركة النون من قوله مؤمنين فتقول مؤمنينا .
الثاني : أنها إنما تكون على الروي بإشباع حركة الميم في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14ويخزهم } وإذا دخل عليه التغيير لم يكن قرآنا ، وإذا قرئ على وجهه لم يكن شعرا .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } ; زعموا أنه موافق بحر الرجز في الوزن ، وهذا غير لازم ; لأنه ليس بكلام تام ، فإن ضممت إليه ما يتم به الكلام خرج عن وزن الشعر .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وجفان كالجواب وقدور راسيات } ; زعموا أنه من بحر الرجز ، كقول الشاعر
امرئ القيس :
رهين معجب بالقينات
وهذا لا يلزم من وجهين : أحدهما إنما يجري على هذا الروي إذا زدت ياء بعد الباء في قولك : كالجوابي ، فإذا حذفت الياء فليس بكلام تام ، فيتعلق به أنه ليس على وزن شيء .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } ; فقالوا : هذه آية تامة ، وهي على وزن بيت من الرمل ; وهذه مغالطة ; لأنه إنما يكون كذلك بأن تحذف من قولك لا تستأخرون قوله : " لا تس " وتوصل قولك يوم بقولك تأخرون ، وتقف مع ذلك على النون من قولك تأخرون ، فتقول تأخرونا بالألف ، ويكون حينئذ مصراعا
[ ص: 20 ] ثانيا ، ويتم المصراعان بيتا من الرمل حينئذ ، ولو قرئ كذلك لم يكن قرآنا ، ومتى قرئت الآية على ما جاءت لم تكن على وزن الشعر .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=14ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا } . وهذا موضوع على وزن الكامل من وجه ، وعلى روي الرجز من وزن آخر ; وهذا فاسد ; لأن من قرأ عليهم بإسكان الميم يكون على وزن فعول ، وليس في بحر الكامل ولا في بحر الرجز فعولن بحال ، ومن أشبع حركة الميم فلا يكون بيتا إلا بإسقاط الواو من دانية ، وإذا حذفت الواو بطل نظم القرآن .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك } زعموا أرغمهم الله أنها من بحر الرمل ، وأنها ثلاثة أبيات كل بيت منها على مصراع ، وهو من مجزوه على فاعلات فاعلات ، ويقوم فيها فعلات مقامه ، فيقال لهم : ما جاء في ديوان
العرب بيت من الرمل على جزأين ، وإنما جاء على ستة أجزاء تامة كلها فاعلات أو فعلات ، أو على أربعة أجزاء كلها فاعلات أو فعلات ; فأما على جزأين كلاهما فاعلات فاعلات فلم يرد قط فيها ; وكلامهم هذا يقتضي أن تكون كل واحدة من هذه الآيات على وزن بعض بيت ، وهذا مما لا ننكره وإنما ننكر أن تكون آية تامة ، أو كلام تام من القرآن على وزن بيت تام من الشعر .
فإن قيل : أليس يكون المجزوء والمربع من الرمل تارة مصرعا وتارة غير مصرع ، فما أنكرتم أن تكون هذه الآيات الثلاث من المجزوء والمربع المصرع من الرمل .
قلنا : إن البيت من القصيدة إنما يكون مصرعا إذا كان فيه أبيات أو بيت غير مصرع ، فأما إذا كانت أنصاف أبياته كلها على سجع واحد وكل نصف منها بيت برأسه فقد بينا أنه ليس في الرمل ما يكون على جزأين ، وكل واحد من هذه الآيات جزآن ، فلم يرد على شرط الرمل .
ومنها قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم } وهذا
[ ص: 21 ] باطل ; لأن الآية لا تقع في أقوال الشعراء إلا بحذف اللام من قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك } وبتمكين حركة الميم من اليتيم ، فيكون اليتيما .
ومنها قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } . فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ولها } بيت تام ، فقد بينا فساد هذا ، وأن بعض آية وجزءا من كلام لا يكون شعرا .
فإن قيل : يقع بعد ذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23ولها عرش عظيم } إتماما للكلام على معنى النظمين ، وقد جاء ذلك في أشعارهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة :
وهم وردوا الجفار على تميم وهم أصحاب يوم عكاظ إني
شهدت لهم مواطن صالحات أنرتهم بنصح القول مني
قلنا : التضمين على عيبه إنما يكون في بيت على تأسيس بيت قبله ، فأما أن يكون التأسيس بيتا والتضمين أقل من بيت فليس ذلك بشعر عند أحد من
العرب ، ولا ينكر أحد أن يكون بعض آية على مثال قول الشعر ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } فهذا على نصف بيت من الرجز .
وكذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأعطى قليلا وأكدى } على نصف بيت من المتقارب المستمر ، وهذا كثير .
المسألة الرابعة وقد ادعوه في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن لم يكن في كتاب الله فهو في كلام الذي نفيت عنه معرفة الشعر ، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6963أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب } .
قلنا : قد قال
الأخفش : إن هذا ليس بشعر ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12898ابن المظفر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا . وروى غيره عنه أنه من منهوك الرجز .
[ ص: 22 ]
فعلى القولين الأولين لا يكون شعرا ، وعلى القول الثالث لا يكون منهوك رجز إلا بالوقف على الباء من قولك : لا كذب ، ومن قوله : "
عبد المطلب " ولم يعلم كيف قالها النبي صلى الله عليه وسلم والأظهر من حاله أنه قال : لا كذب بتنوين الباء مرفوعة وبخفض الباء من
عبد المطلب على الإضافة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يؤثر عنه متمثلا بقول
طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وقال :
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة
وقال :
كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال له
أبو بكر في ذلك : بأبي أنت وأمي ، وقبل رأسه قال الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له } .
قالوا : ومنها قوله :
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وألزمونا أن هذا شعر موزون من بحر السريع .
قلنا : إنما يكون هذا شعرا موزونا إذا كسرت التاء من دميت ولقيت ، فإن سكنت لم يكن شعرا بحال ; لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول ، ولا مدخل لفعول في بحر السريع . ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع .
قالوا : ومنها قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14798الله مولانا ولا مولى لكم } ; فادعوا أنه على وزن مشطور الرجز .
قلنا : إنما يكون شعرا إذا تكلم به المتكلم موصولا ، فإن وقف على قوله : الله مولانا ، أو وصل وحرك الميم من قوله لكم لم يكن شعرا . وقد نقله ووصله بكلام .
ومنها قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15831الولد للفراش وللعاهر الحجر } . وهذا فاسد ; لا يكون شعرا إلا بعد تفسير ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فتسكن اللام من قولك الولد ، وهذا لا يقوله أحد .
[ ص: 23 ]
وقد أجاب عن ذلك علماؤنا بأن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا ، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر ومع القصد إليه . فقد يقول قائل : حدثنا شيخ لنا ، وينادى يا صاحب الكساء ، ولا يعد هذا شعرا .
وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء : اذهبوا بي إلى الطبيب ، وقولوا قد اكتوى ، وبهذا وسواه يتبين صحة الآية معنى ، وبطلان ما موهوا به قطعا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } تَحْقِيقٌ فِي نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=18626اعْتَرَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُصَحَاءِ الْمُلْحِدَةِ عَلَيْنَا فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِأَشْيَاءَ أَرَادُوا بِهَا التَّلْبِيسَ عَلَى الضَّعَفَةِ ، مِنْهَا قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْت أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } وَقَالُوا : إنَّ هَذَا مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارَبِ ، عَلَى مِيزَانِ قَوْلِهِ :
فَأَمَّا تَمِيمٌ تَمِيمُ بْنُ مُرٍّ فَأَلْفَاهُمْ الْقَوْمُ رُءُوسًا نِيَامًا
وَهَذَا إنَّمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْجَاهِلُونَ بِالصِّنَاعَةِ ; لِأَنَّ الَّذِي يُلَائِمُ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْآيَةِ قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا ) إلَى قَوْلِهِ ( كُلِّ ) وَإِذَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ . وَإِذَا أَتْمَمْنَاهُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117شَيْءٍ شَهِيدٌ } خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ ، وَزَادَ فِيهِ مَا يَصِيرُ بِهِ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ كُلَّهَا عَلَى وَزْنِ فَعُولُنْ ، وَلَيْسَ فِي بُحُورِ الشِّعْرِ مَا يَخْرُجُ الْبَيْتُ مِنْهُ مِنْ عَشْرَةِ أَجْزَاءٍ ، وَإِنَّمَا أَكْثَرُهُ ثَمَانِيَةٌ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } ادَّعَوْا أَنَّهُ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ ، وَقَطَّعُوهُ : مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ ; وَهُوَ عَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْأَوَّلِ :
[ ص: 19 ] لَنَا غَنَمٌ نَسُوقُهَا غِزَارٌ كَأَنَّ قُرُونَ جَلَّتِهَا الْعِصِيُّ
وَعَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْآخَرِ :
طَوَالُ قَنَا يُطَاعِنُهَا قِصَارُ وَقَطْرُك فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ
وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ زِدْت فِيهَا أَلِفًا بِتَمْكِينِ حَرَكَةِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ مُؤْمِنِينَ فَتَقُولُ مُؤْمِنِينَا .
الثَّانِي : أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الرَّوِيِّ بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْمِيمِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14وَيُخْزِهِمْ } وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } ; زَعَمُوا أَنَّهُ مُوَافِقٌ بَحْرَ الرَّجَزِ فِي الْوَزْنِ ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ ، فَإِنْ ضَمَمْت إلَيْهِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْكَلَامُ خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } ; زَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
رَهِينٌ مُعْجَبٌ بِالْقَيْنَاتِ
وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى هَذَا الرَّوِيِّ إذَا زِدْت يَاءً بَعْدَ الْبَاءِ فِي قَوْلِك : كَالْجَوَابِي ، فَإِذَا حَذَفْت الْيَاءَ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَزْنِ شَيْءٍ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } ; فَقَالُوا : هَذِهِ آيَةٌ تَامَّةٌ ، وَهِيَ عَلَى وَزْنِ بَيْتٍ مِنْ الرَّمَلِ ; وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِأَنْ تُحْذَفَ مِنْ قَوْلِك لَا تَسْتَأْخِرُونَ قَوْلُهُ : " لَا تَسْ " وَتُوصِلُ قَوْلَك يَوْمٍ بِقَوْلِك تَأْخِرُونَ ، وَتَقِفُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى النُّونِ مِنْ قَوْلِك تَأْخِرُونَ ، فَتَقُولُ تَأْخِرُونَا بِالْأَلِفِ ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِصْرَاعًا
[ ص: 20 ] ثَانِيًا ، وَيُتِمُّ الْمِصْرَاعَانِ بَيْتًا مِنْ الرَّمَلِ حِينَئِذٍ ، وَلَوْ قُرِئَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا ، وَمَتَى قُرِئَتْ الْآيَةُ عَلَى مَا جَاءَتْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=14وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا } . وَهَذَا مَوْضُوعٌ عَلَى وَزْنِ الْكَامِلِ مِنْ وَجْهٍ ، وَعَلَى رَوِيِّ الرَّجَزِ مِنْ وَزْنٍ آخَرَ ; وَهَذَا فَاسِدٌ ; لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِمْ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ يَكُونُ عَلَى وَزْنِ فَعُولٌ ، وَلَيْسَ فِي بَحْرِ الْكَامِلِ وَلَا فِي بَحْرِ الرَّجَزِ فَعُولُنْ بِحَالٍ ، وَمَنْ أَشْبَعَ حَرَكَةَ الْمِيمِ فَلَا يَكُونُ بَيْتًا إلَّا بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ مِنْ دَانِيَةً ، وَإِذَا حُذِفَتْ الْوَاوُ بَطَلَ نَظْمُ الْقُرْآنِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرَك الَّذِي أَنَقَضَ ظَهْرَك وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَك } زَعَمُوا أَرْغَمَهُمْ اللَّهُ أَنَّهَا مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ ، وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَبْيَاتٍ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا عَلَى مِصْرَاعٍ ، وَهُوَ مِنْ مَجْزُوِّهِ عَلَى فَاعِلَاتٍ فَاعِلَاتٍ ، وَيَقُومُ فِيهَا فَعِلَاتٌ مَقَامَهُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا جَاءَ فِي دِيوَانِ
الْعَرَبِ بَيْتٌ مِنْ الرَّمَلِ عَلَى جُزْأَيْنِ ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ تَامَّةٍ كُلُّهَا فَاعِلَاتٌ أَوْ فِعْلَاتٌ ، أَوْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فَاعِلَاتٌ أَوْ فِعْلَاتٌ ; فَأَمَّا عَلَى جُزْأَيْنِ كِلَاهُمَا فَاعِلَاتٌ فَاعِلَاتٌ فَلَمْ يَرِدْ قَطُّ فِيهَا ; وَكَلَامُهُمْ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى وَزْنِ بَعْضِ بَيْتٍ ، وَهَذَا مِمَّا لَا نُنْكِرُهُ وَإِنَّمَا نُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ آيَةٌ تَامَّةٌ ، أَوْ كَلَامٌ تَامٌّ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى وَزْنِ بَيْتٍ تَامٍّ مِنْ الشِّعْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ يَكُونُ الْمَجْزُوءُ وَالْمُرَبَّعُ مِنْ الرَّمَلِ تَارَةً مُصَرَّعًا وَتَارَةً غَيْرَ مُصَرَّعٍ ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ الْمَجْزُوءِ وَالْمُرَبَّعِ الْمُصَرَّعِ مِنْ الرَّمَلِ .
قُلْنَا : إنَّ الْبَيْتَ مِنْ الْقَصِيدَةِ إنَّمَا يَكُونُ مُصَرَّعًا إذَا كَانَ فِيهِ أَبْيَاتٌ أَوْ بَيْتٌ غَيْرُ مُصَرَّعٍ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَنْصَافُ أَبْيَاتِهِ كُلُّهَا عَلَى سَجْعٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ نِصْفٍ مِنْهَا بَيْتٌ بِرَأْسِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّمَلِ مَا يَكُونُ عَلَى جُزْأَيْنِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ جُزْآنِ ، فَلَمْ يَرِدْ عَلَى شَرْطِ الرَّمَلِ .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْت الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } وَهَذَا
[ ص: 21 ] بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَقَعُ فِي أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ إلَّا بِحَذْفِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ } وَبِتَمْكِينِ حَرَكَةِ الْمِيمِ مِنْ الْيَتِيمِ ، فَيَكُونُ الْيَتِيمَا .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إنِّي وَجَدْت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } . فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا } بَيْتٌ تَامٌّ ، فَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا ، وَأَنَّ بَعْضَ آيَةٍ وَجُزْءًا مِنْ كَلَامٍ لَا يَكُونُ شِعْرًا .
فَإِنْ قِيلَ : يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } إتْمَامًا لِلْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى النَّظْمَيْنِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8572النَّابِغَةُ :
وَهُمْ وَرَدُوا الْجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكَاظٍ إنِّي
شَهِدْت لَهُمْ مَوَاطِنَ صَالِحَاتٍ أَنَرْتُهُمُ بِنُصْحِ الْقَوْلِ مِنِّي
قُلْنَا : التَّضْمِينُ عَلَى عَيْبِهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَيْتٍ عَلَى تَأْسِيسِ بَيْتٍ قَبْلَهُ ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْسِيسُ بَيْتًا وَالتَّضْمِينُ أَقَلَّ مِنْ بَيْتٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشِعْرٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ
الْعَرَبِ ، وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ آيَةٍ عَلَى مِثَالِ قَوْلِ الشِّعْرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } فَهَذَا عَلَى نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ الرَّجَزِ .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى } عَلَى نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ الْمُتَقَارَبِ الْمُسْتَمِرِّ ، وَهَذَا كَثِيرٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَقَدْ ادَّعَوْهُ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : إنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ فِي كَلَامِ الَّذِي نُفِيَتْ عَنْهُ مَعْرِفَةُ الشِّعْرِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6963أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ . أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ } .
قُلْنَا : قَدْ قَالَ
الْأَخْفَشُ : إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشِعْرٍ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12898ابْنُ الْمُظَفَّرِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14248الْخَلِيلِ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ : إنَّ مَا جَاءَ مِنْ السَّجْعِ عَلَى جُزْأَيْنِ لَا يَكُونُ شِعْرًا . وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ مَنْهُوكِ الرَّجَزِ .
[ ص: 22 ]
فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَكُونُ شِعْرًا ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَا يَكُونُ مَنْهُوكَ رَجَزٍ إلَّا بِالْوَقْفِ عَلَى الْبَاءِ مِنْ قَوْلِك : لَا كَذِبْ ، وَمِنْ قَوْلِهِ : "
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ " وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ قَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَالَ : لَا كَذِبٌ بِتَنْوِينِ الْبَاءِ مَرْفُوعَةً وَبِخَفْضِ الْبَاءِ مِنْ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى الْإِضَافَةِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ
طَرَفَةَ :
سَتُبْدِي لَك الْأَيَّامُ مَا كُنْت جَاهِلًا وَيَأْتِيك مَنْ لَمْ تَزَوَّدْ بِالْأَخْبَارِ
وَقَالَ :
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْ دِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ
وَقَالَ :
كَفَى الْإِسْلَامُ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
فَقَالَ لَهُ
أَبُو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، وَقَبَّلَ رَأْسَهُ قَالَ اللَّهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } .
قَالُوا : وَمِنْهَا قَوْلُهُ :
هَلْ أَنْتَ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيت
وَأَلْزَمُونَا أَنَّ هَذَا شِعْرٌ مَوْزُونٌ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ .
قُلْنَا : إنَّمَا يَكُونُ هَذَا شِعْرًا مَوْزُونًا إذَا كُسِرَتْ التَّاءُ مِنْ دَمِيَتْ وَلَقِيت ، فَإِنْ سُكِّنَتْ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا بِحَالٍ ; لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تَكُونُ فَعُولٌ ، وَلَا مَدْخَلَ لِفَعُولٍ فِي بَحْرِ السَّرِيعِ . وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا سَاكِنَةَ التَّاءِ أَوْ مُتَحَرِّكَةَ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ إشْبَاعٍ .
قَالُوا : وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14798اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ } ; فَادَّعَوْا أَنَّهُ عَلَى وَزْنِ مَشْطُورِ الرَّجَزِ .
قُلْنَا : إنَّمَا يَكُونُ شِعْرًا إذَا تَكَلَّمَ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ مَوْصُولًا ، فَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ : اللَّهُ مَوْلَانَا ، أَوْ وَصَلَ وَحَرَّكَ الْمِيمَ مِنْ قَوْلِهِ لَكُمْ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا . وَقَدْ نَقَلَهُ وَوَصَلَهُ بِكَلَامٍ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15831الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } . وَهَذَا فَاسِدٌ ; لَا يَكُونُ شِعْرًا إلَّا بَعْدَ تَفْسِيرِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُسَكَّنُ اللَّامُ مِنْ قَوْلِك الْوَلَدُ ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ .
[ ص: 23 ]
وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ مَوْزُونِ الْكَلَامِ لَا يُعَدُّ شِعْرًا ، وَإِنَّمَا يُعَدُّ مِنْهُ مَا يَجْرِي عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ وَمَعَ الْقَصْدِ إلَيْهِ . فَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا ، وَيُنَادَى يَا صَاحِبَ الْكِسَاءِ ، وَلَا يُعَدُّ هَذَا شِعْرًا .
وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ يُنَادِي فِي مَرَضِهِ وَهُوَ مِنْ عُرْضِ الْعَامَّةِ الْعُقَلَاءِ : اذْهَبُوا بِي إلَى الطَّبِيبِ ، وَقُولُوا قَدْ اكْتَوَى ، وَبِهَذَا وَسِوَاهُ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْآيَةِ مَعْنًى ، وَبُطْلَانُ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَطْعًا .