المسألة الثالثة : قال علماؤنا : الربا في اللغة هو الزيادة ، ولا بد في الزيادة من مزيد عليه تظهر الزيادة به ; فلأجل ذلك اختلفوا هل هي عامة في تحريم كل ربا ، أو مجملة لا بيان لها إلا من غيرها ؟ والصحيح أنها عامة ; لأنهم كانوا يتبايعون ويربون ، وكان الربا عندهم معروفا ،
nindex.php?page=treesubj&link=23758_5366يبايع الرجل الرجل إلى أجل ، فإذا حل الأجل قال : أتقضي أم تربي ؟ يعني أم تزيدني على مالي عليك وأصبر أجلا آخر . فحرم الله تعالى الربا ، وهو الزيادة ; ولكن لما كان كما قلنا لا تظهر الزيادة إلا على مزيد عليه ، ومتى قابل الشيء غير جنسه في المعاملة لم تظهر الزيادة ، وإذا قابل جنسه لم تظهر الزيادة أيضا إلا بإظهار الشرع ، ولأجل هذا صارت الآية مشكلة على الأكثر ، معلومة لمن أيده الله تعالى بالنور الأظهر .
[ ص: 321 ] وقد فاوضت فيها علماء ، وباحثت رفعاء ، فكل منهم أعطى ما عنده حتى انتظم فيها سلك المعرفة بدرره وجوهرته العليا .
إن من زعم أن هذه الآية مجملة فلم يفهم مقاطع الشريعة ; فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قوم هو منهم بلغتهم ، وأنزل عليهم كتابه تيسيرا منه بلسانه ولسانهم ; وقد كانت التجارة والبيع عندهم من المعاني المعلومة ، فأنزل عليهم مبينا لهم ما يلزمهم فيهما ويعقدونهما عليه ، فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }
والباطل كما بيناه في كتب الأصول ، هو الذي لا يفيد وقع التعبير به عن تناول المال بغير عوض في صورة العوض .
والتجارة هي مقابلة الأموال بعضها ببعض ، وهو البيع ; وأنواعه في متعلقاته بالمال كالأعيان المملوكة ، أو ما في معنى المال كالمنافع ، وهي ثلاثة أنواع : عين بعين ، وهو بيع النقد ; أو بدين مؤجل وهو السلم ، أو حال وهو يكون في التمر أو على رسم الاستصناع ، أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة .
والربا في اللغة هو الزيادة ، والمراد به في الآية
nindex.php?page=treesubj&link=5364_5365كل زيادة لم يقابلها عوض ; فإن الزيادة ليست بحرام لعينها ، بدليل جواز العقد عليها على وجهه ، ولو كانت حراما ما صح أن يقابلها عوض ، ولا يرد عليها عقد كالخمر والميتة وغيرها .
وتبين أن معنى الآية : " وأحل الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحة القصد والعمل ، وحرم منه ما وقع على وجه الباطل " .
وقد كانت الجاهلية تفعله كما تقدم ، فتزيد زيادة لم يقابلها عوض ، وكانت تقول : إنما البيع مثل الربا أي : إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا مثل أصل الثمن في أول العقد ; فرد الله تعالى عليهم قولهم ، وحرم ما اعتقدوه حلالا عليهم ، وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة تخفيفا ، يحققه أن الزيادة إنما تظهر بعد تقدير العوضين فيه ، وذلك على قسمين :
[ ص: 322 ] أحدهما : تولى الشرع تقدير العوض فيه ، وهو الأموال الربوية ، فلا تحل الزيادة فيه .
وأما الذي وكله إلى المتعاقدين فالزيادة فيه على قدر مالية العوضين عند التقابل على قسمين : أحدهما : ما يتغابن الناس بمثله فهو حلال بإجماع .
ومنه ما يخرج عن العادة ; واختلف علماؤنا فيه ، فأمضاه المتقدمون وعدوه من فن التجارة ، ورده المتأخرون
ببغداد ونظرائها وحدوا المردود بالثلث .
والذي أراه أنه إذا وقع عن علم المتعاقدين فإنه حلال ماض ; لأنهما يفتقران إلى ذلك في الأوقات ، وهو داخل تحت قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }
وإن وقع عن جهل من أحدهما فإن الآخر بالخيار ، وفي مثله ورد الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5280أن رجلا كان يخدع في البيوع فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة } . زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42558ولك الخيار ثلاثا }
، وقد مهدناه في شرح الحديث ومسائل الخلاف ; فهذا أصل علم هذا الباب .
فإن قيل : أنكرتم الإجمال في الآية ، وما أوردتموه من البيان والشروط هو بيان ما لم يكن في الآية مبينا ، ولا يوجد عنها من القول ظاهرا .
قلنا : هذا سؤال من لم يحضر ما مضى من القول ، ولا ألقى إليه السمع وهو شهيد ، وقد توضح في مسائل الكلام أن جميع ما أحل الله لهم أو حرم عليهم كان معلوما عندهم ; لأن الخطاب جاء فيه بلسانهم ، فقد أطلق لهم حل ما كانوا يفعلونه من بيع وتجارة ويعلمونه ، وحرم عليهم الربا وكانوا يفعلونه ، وحرم عليهم أكل المال بالباطل
[ ص: 323 ] وقد كانوا يفعلونه ويعلمونه ويتسامحون فيه ; ثم إن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقي إليهم زيادة فيما كان عندهم من عقد أو عوض لم يكن عندهم جائزا ، فألقى إليهم وجوه الربا المحرمة في كل مقتات ، وثمن الأشياء مع الجنس متفاضلا ، وألحق به بيع الرطب بالتمر ، والعنب بالزبيب ، والبيع والسلف ، وبين وجوه أكل المال بالباطل في بيع الغرر كله أو ما لا قيمة له شرعا فيما كانوا يعتقدونه متقوما كالخمر والميتة والدم وبيع الغش ، ولم يبق في الشريعة بعد هاتين الآيتين بيان يفتقر إليه في الباب ، وبقي ما وراءهما على الجواز ; إلا أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=treesubj&link=4706ما لا يصح ستة وخمسون معنى نهى عنها } .
الأول والثاني : ثمن الأشياء جنسا بجنس ، والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع :
nindex.php?page=treesubj&link=5435_5428بيع المقتات أو ثمن الأشياء جنسا بجنس متفاضلا ، أو جنسا بغير جنسه نسيئة ، أو
nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع الرطب بالتمر ، أو العنب بالزبيب ، أو
nindex.php?page=treesubj&link=4712بيع المزابنة على أحد القولين ، أو عن
nindex.php?page=treesubj&link=4902بيع وسلف ; وهذا كله داخل في بيع الربا ، وهو مما تولى الشرع تقدير العوض فيه ، فلا تجوز الزيادة عليه .
الثامن
nindex.php?page=treesubj&link=4839بيعتان في بيعة . التاسع
nindex.php?page=treesubj&link=4803بيع الغرر ، ورد
nindex.php?page=treesubj&link=24029_4722_24028بيع الملامسة والمنابذة والحصاة ،
nindex.php?page=treesubj&link=4475وبيع الثنيا ،
nindex.php?page=treesubj&link=4887_4739_4736_4733وبيع العربان وما ليس عندك ، والمضامين ، والملاقيح ، وحبل حبلة .
ويتركب عليهما من وجه
nindex.php?page=treesubj&link=4787بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها nindex.php?page=treesubj&link=4787وبيع السنبل حتى يشتد ، والعنب حتى يسود ، وهو مما قبله ،
nindex.php?page=treesubj&link=4864_4874وبيع المحاقلة والمعاومة والمخابرة والمحاصرة ،
nindex.php?page=treesubj&link=4790وبيع ما لم يقبض ، وربح ما لم يضمن ،
nindex.php?page=treesubj&link=4896وبيع الطعام قبل أن يستوفي من بعض ما تقدم ، والخمر والميتة وشحومها ، وثمن الدم ،
nindex.php?page=treesubj&link=27529_24936_24931_4456_4454وبيع الأصنام ، وعسب الفحل ، والكلب والسنور ، وكسب الحجام ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن ،
nindex.php?page=treesubj&link=24266وبيع المضطر ،
nindex.php?page=treesubj&link=7626وبيع الولاء ،
nindex.php?page=treesubj&link=4824وبيع الولد أو الأم فردين ، أو الأخ والأخ فردين ،
nindex.php?page=treesubj&link=6098_6062_4800وكراء الأرض والماء والكلأ والنجش ،
nindex.php?page=treesubj&link=10830_4746_4781_4797وبيع الرجل على بيع أخيه ، وخطبته على خطبة أخيه ، وحاضر لباد ، وتلقي السلع والقينات .
فهذه ستة وخمسون معنى حضرت الخاطر مما نهى عنه أوردناها حسب نسقها في
[ ص: 324 ] الذكر .
nindex.php?page=treesubj&link=4816وهي ترجع في التقسيم الصحيح الذي أوردناه في المسائل إلى سبعة أقسام : ما يرجع إلى صفة العقد ، وما يرجع إلى صفة المتعاقدين ، وما يرجع إلى العوضين ، وإلى حال العقد ، والسابع وقت العقد كالبيع وقت نداء يوم الجمعة ، أو في آخر جزء من الوقت المعين للصلاة .
ولا تخرج عن ثلاثة أقسام ; وهي الربا ، والباطل ، والغرر .
ويرجع الغرر بالتحقيق إلى الباطل فيكون قسمين على الآيتين ، وهذه المناهي تتداخل ويفصلها المعنى .
ومنها أيضا ما يدخل في الربا والتجارة ظاهرا ، ومنها ما يخرج عنها ظاهرا ; ومنها ما يدخل فيها باحتمال ، ومنها ما ينهى عنها مصلحة للخلق وتألفا بينهم لما في التدابر من المفسدة .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ ، وَلَا بُدَّ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ مَزِيدٍ عَلَيْهِ تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ بِهِ ; فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ رِبًا ، أَوْ مُجْمَلَةٌ لَا بَيَانَ لَهَا إلَّا مِنْ غَيْرِهَا ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ وَيَرْبُونَ ، وَكَانَ الرِّبَا عِنْدَهُمْ مَعْرُوفًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=23758_5366يُبَايِعُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إلَى أَجَلٍ ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ : أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي ؟ يَعْنِي أَمْ تَزِيدُنِي عَلَى مَالِي عَلَيْك وَأَصْبِرُ أَجَلًا آخَرَ . فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّبَا ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ ; وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَمَا قُلْنَا لَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ إلَّا عَلَى مَزِيدٍ عَلَيْهِ ، وَمَتَى قَابَلَ الشَّيْءُ غَيْرَ جِنْسِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ لَمْ تَظْهَرْ الزِّيَادَةُ ، وَإِذَا قَابَلَ جِنْسَهُ لَمْ تَظْهَرْ الزِّيَادَةُ أَيْضًا إلَّا بِإِظْهَارِ الشَّرْعِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا صَارَتْ الْآيَةُ مُشْكِلَةً عَلَى الْأَكْثَرِ ، مَعْلُومَةً لِمَنْ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّورِ الْأَظْهَرِ .
[ ص: 321 ] وَقَدْ فَاوَضْت فِيهَا عُلَمَاءَ ، وَبَاحَثْت رُفَعَاءَ ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ أَعْطَى مَا عِنْدَهُ حَتَّى انْتَظَمَ فِيهَا سِلْكُ الْمَعْرِفَةِ بِدُرَرِهِ وَجَوْهَرَتِهِ الْعُلْيَا .
إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ فَلَمْ يَفْهَمْ مَقَاطِعَ الشَّرِيعَةِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْمٍ هُوَ مِنْهُمْ بِلُغَتِهِمْ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ تَيْسِيرًا مِنْهُ بِلِسَانِهِ وَلِسَانِهِمْ ; وَقَدْ كَانَتْ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَعَانِي الْمَعْلُومَةِ ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ فِيهِمَا وَيَعْقِدُونَهُمَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }
وَالْبَاطِلُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ، هُوَ الَّذِي لَا يُفِيدُ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ تَنَاوُلِ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي صُورَةِ الْعِوَضِ .
وَالتِّجَارَةُ هِيَ مُقَابَلَةُ الْأَمْوَالِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ; وَأَنْوَاعُهُ فِي مُتَعَلِّقَاتِهِ بِالْمَالِ كَالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى الْمَالِ كَالْمَنَافِعِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : عَيْنٌ بِعَيْنٍ ، وَهُوَ بَيْعُ النَّقْدِ ; أَوْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ السَّلَمُ ، أَوْ حَالٌّ وَهُوَ يَكُونُ فِي التَّمْرِ أَوْ عَلَى رَسْمِ الِاسْتِصْنَاعِ ، أَوْ بَيْعُ عَيْنٍ بِمَنْفَعَةٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ .
وَالرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=5364_5365كُلُّ زِيَادَةٍ لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ ; فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ لِعَيْنِهَا ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا مَا صَحَّ أَنْ يُقَابِلَهَا عِوَضٌ ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهَا عَقْدٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا .
وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْعِوَضُ عَلَى صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالْعَمَلِ ، وَحَرَّمَ مِنْهُ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْبَاطِلِ " .
وَقَدْ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَتَزِيدُ زِيَادَةً لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أَيْ : إنَّمَا الزِّيَادَةُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ آخِرًا مِثْلُ أَصْلِ الثَّمَنِ فِي أَوَّلِ الْعَقْدِ ; فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ ، وَحَرَّمَ مَا اعْتَقَدُوهُ حَلَالًا عَلَيْهِمْ ، وَأُوضِحَ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا حَلَّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي أُنْظِرَ إلَى الْمَيْسَرَةِ تَخْفِيفًا ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ بَعْدَ تَقْدِيرِ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ ، وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ :
[ ص: 322 ] أَحَدُهُمَا : تَوَلَّى الشَّرْعُ تَقْدِيرَ الْعِوَضِ فِيهِ ، وَهُوَ الْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ ، فَلَا تَحِلُّ الزِّيَادَةُ فِيهِ .
وَأَمَّا الَّذِي وَكَّلَهُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَالزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَالِيَّةِ الْعِوَضَيْنِ عِنْدَ التَّقَابُلِ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعٍ .
وَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ ; وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ ، فَأَمْضَاهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَعَدُّوهُ مِنْ فَنِّ التِّجَارَةِ ، وَرَدَّهُ الْمُتَأَخِّرُونَ
بِبَغْدَادَ وَنُظَرَائِهَا وَحَدُّوا الْمَرْدُودَ بِالثُّلُثِ .
وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ عِلْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ مَاضٍ ; لِأَنَّهُمَا يَفْتَقِرَانِ إلَى ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }
وَإِنْ وَقَعَ عَنْ جَهْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ الْآخَرَ بِالْخِيَارِ ، وَفِي مِثْلِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5280أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا بَايَعْت فَقُلْ : لَا خِلَابَةَ } . زَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42558وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا }
، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ ; فَهَذَا أَصْلُ عِلْمِ هَذَا الْبَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَنْكَرْتُمْ الْإِجْمَالَ فِي الْآيَةِ ، وَمَا أَوْرَدْتُمُوهُ مِنْ الْبَيَانِ وَالشُّرُوطِ هُوَ بَيَانُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ مُبَيَّنًا ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهَا مِنْ الْقَوْلِ ظَاهِرًا .
قُلْنَا : هَذَا سُؤَالُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَا مَضَى مِنْ الْقَوْلِ ، وَلَا أَلْقَى إلَيْهِ السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ، وَقَدْ تَوَضَّحَ فِي مَسَائِلِ الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَوْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ جَاءَ فِيهِ بِلِسَانِهِمْ ، فَقَدْ أَطْلَقَ لَهُمْ حِلَّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ بَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَيَعْلَمُونَهُ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الرِّبَا وَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ
[ ص: 323 ] وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَيَعْلَمُونَهُ وَيَتَسَامَحُونَ فِيهِ ; ثُمَّ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْقِيَ إلَيْهِمْ زِيَادَةً فِيمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ عَقْدٍ أَوْ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ جَائِزًا ، فَأَلْقَى إلَيْهِمْ وُجُوهَ الرِّبَا الْمُحَرَّمَةِ فِي كُلِّ مُقْتَاتٍ ، وَثَمَنُ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْجِنْسِ مُتَفَاضِلًا ، وَأَلْحَقَ بِهِ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ ، وَالْبَيْعَ وَالسَّلَفَ ، وَبَيَّنَ وُجُوهَ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ كُلِّهِ أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ شَرْعًا فِيمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَبَيْعِ الْغِشِّ ، وَلَمْ يَبْقَ فِي الشَّرِيعَةِ بَعْدَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَيَانٌ يُفْتَقَرُ إلَيْهِ فِي الْبَابِ ، وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمَا عَلَى الْجَوَازِ ; إلَّا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=treesubj&link=4706مَا لَا يَصِحُّ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ مَعْنًى نَهَى عَنْهَا } .
الْأَوَّلُ وَالثَّانِي : ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ جِنْسًا بِجِنْسٍ ، وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=5435_5428بَيْعُ الْمُقْتَاتِ أَوْ ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ جِنْسًا بِجِنْسٍ مُتَفَاضِلًا ، أَوْ جِنْسًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ نَسِيئَةً ، أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=5428بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، أَوْ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ ، أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=4712بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، أَوْ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4902بَيْعٍ وَسَلَفٍ ; وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي بَيْعِ الرِّبَا ، وَهُوَ مِمَّا تَوَلَّى الشَّرْعُ تَقْدِيرَ الْعِوَضِ فِيهِ ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ .
الثَّامِنُ
nindex.php?page=treesubj&link=4839بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ . التَّاسِعُ
nindex.php?page=treesubj&link=4803بَيْعُ الْغَرَرِ ، وَرَدُّ
nindex.php?page=treesubj&link=24029_4722_24028بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4475وَبَيْعُ الثُّنْيَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=4887_4739_4736_4733وَبَيْعُ الْعُرْبَانِ وَمَا لَيْسَ عِنْدَك ، وَالْمَضَامِينِ ، وَالْمَلَاقِيحِ ، وَحَبَلُ حَبَلَةٍ .
وَيَتَرَكَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَجْهٍ
nindex.php?page=treesubj&link=4787بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا nindex.php?page=treesubj&link=4787وَبَيْعُ السُّنْبُلِ حَتَّى يَشْتَدَّ ، وَالْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ ، وَهُوَ مِمَّا قَبْلَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4864_4874وَبَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاصَرَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4790وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ ، وَرِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4896وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ ، وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَشُحُومِهَا ، وَثَمَنِ الدَّمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27529_24936_24931_4456_4454وَبَيْعُ الْأَصْنَامِ ، وَعَسْبِ الْفَحْلِ ، وَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ ، وَكَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24266وَبَيْعُ الْمُضْطَرِّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=7626وَبَيْعُ الْوَلَاءِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4824وَبَيْعُ الْوَلَدِ أَوْ الْأُمِّ فَرْدَيْنِ ، أَوْ الْأَخِ وَالْأَخِ فَرْدَيْنِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=6098_6062_4800وَكِرَاءُ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّجَشِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=10830_4746_4781_4797وَبَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَخِطْبَتُهُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَحَاضِرٌ لِبَادٍ ، وَتَلَقِّي السِّلَعِ وَالْقَيْنَاتِ .
فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ مَعْنًى حَضَرَتْ الْخَاطِرَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ أَوْرَدْنَاهَا حَسَبَ نَسَقِهَا فِي
[ ص: 324 ] الذِّكْرِ .
nindex.php?page=treesubj&link=4816وَهِيَ تَرْجِعُ فِي التَّقْسِيمِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي الْمَسَائِلِ إلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ : مَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْعَقْدِ ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِوَضَيْنِ ، وَإِلَى حَالِ الْعَقْدِ ، وَالسَّابِعُ وَقْتُ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، أَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لِلصَّلَاةِ .
وَلَا تَخْرُجُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ; وَهِيَ الرِّبَا ، وَالْبَاطِلُ ، وَالْغَرَرُ .
وَيَرْجِعُ الْغَرَرُ بِالتَّحْقِيقِ إلَى الْبَاطِلِ فَيَكُونُ قِسْمَيْنِ عَلَى الْآيَتَيْنِ ، وَهَذِهِ الْمَنَاهِي تَتَدَاخَلُ وَيَفْصِلُهَا الْمَعْنَى .
وَمِنْهَا أَيْضًا مَا يَدْخُلُ فِي الرِّبَا وَالتِّجَارَةِ ظَاهِرًا ، وَمِنْهَا مَا يَخْرُجُ عَنْهَا ظَاهِرًا ; وَمِنْهَا مَا يَدْخُلُ فِيهَا بِاحْتِمَالٍ ، وَمِنْهَا مَا يُنْهَى عَنْهَا مَصْلَحَةً لِلْخَلْقِ وَتَأَلُّفًا بَيْنَهُمْ لِمَا فِي التَّدَابُرِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ .