[ ص: 23 ] بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة المصنف
وبه نستعين ، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
قال الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل العلامة المحدث
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ثم القرطبي ، رضي الله عنه :
الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل أن يحمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الرب الصمد الواحد ، الحي القيوم الذي لا يموت ذو الجلال والإكرام ، والمواهب العظام والمتكلم بالقرآن ، والخالق للإنسان ، والمنعم عليه بالإيمان ، والمرسل رسوله بالبيان ،
محمدا صلى الله عليه وسلم ما اختلف الملوان ، وتعاقب الجديدان أرسله بكتابه المبين ، الفارق بين الشك واليقين ; الذي أعجزت الفصحاء معارضته ، وأعيت الألباء مناقضته ، وأخرست البلغاء مشاكلته ; فلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها ، وأوامره هدى لمن استبصرها ; وشرح فيه واجبات الأحكام ، وفرق فيه بين الحلال والحرام ، وكرر فيه المواعظ والقصص للأفهام ، وضرب فيه الأمثال ، وقص فيه غيب الأخبار ; فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء . خاطب به أولياءه ففهموا ، وبين لهم فيه مراده فعلموا . فقرأة القرآن حملة سر الله المكنون ، وحفظة علمه المخزون ، وخلفاء أنبيائه وأمناؤه ، وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830001إن لله أهلين منا قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته أخرجه
ابن ماجه في سننه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863وأبو بكر البزار في مسنده . فما أحق من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه ، ويتذكر ما شرح له فيه ، ويخشى الله ويتقيه ، ويراقبه ويستحييه . فإنه قد حمل أعباء الرسل ، وصار شهيدا في القيامة على من خالف من أهل الملل ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس . ألا وإن الحجة على من علمه فأغفله ، أوكد منها على من قصر عنه وجهله . ومن أوتي علم القرآن فلم ينتفع ، وزجرته نواهيه فلم يرتدع ; وارتكب من المآثم قبيحا ، ومن الجرائم فضوحا ; كان القرآن حجة عليه ، وخصما لديه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830002القرآن حجة لك أو عليك خرجه
مسلم .
nindex.php?page=treesubj&link=18648فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته ، ويتدبر حقائق عبارته ; ويتفهم عجائبه ، ويتبين غرائبه ; قال الله تعالى :
[ ص: 24 ] nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته [ ص : 29 ] . وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها . [ القتال : 24 ] . جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته ، ويتدبره حق تدبره ; ويقوم بقسطه ، ويوفي بشرطه ، ولا يلتمس الهدى في غيره ; وهدانا لأعلامه الظاهرة ، وأحكامه القاطعة الباهرة ، وجمع لنا به خير الدنيا والآخرة ، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة . ثم جعل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما كان منه مجملا ، وتفسير ما كان منه مشكلا ، وتحقيق ما كان منه محتملا ; ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الاختصاص به ، ومنزلة التفويض إليه ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] . ثم جعل إلى العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباط ما نبه على معانيه ، وأشار إلى أصوله ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد ; فيمتازوا بذلك عن غيرهم ، ويختصوا بثواب اجتهادهم ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [ المجادلة : 11 ] . فصار الكتاب أصلا والسنة له بيانا ، واستنباط العلماء له إيضاحا وتبيانا . فالحمد لله الذي جعل صدورنا أوعية كتابه ، وآذاننا موارد سنن نبيه ، وهممنا مصروفة إلى تعلمهما والبحث عن معانيهما وغرائبهما ; طالبين بذلك رضا رب العالمين ، ومتدرجين به إلى علم الملة والدين .
وبعد ، فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع ، الذي استقل بالسنة والفرض ، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض ، رأيت أن أشتغل به مدى عمري ، وأستفرغ فيه منتي ; بأن أكتب فيه تعليقا وجيزا ، يتضمن نكتا من التفسير واللغات ، والإعراب والقراءات ; والرد على أهل الزيغ والضلالات ، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات ; جامعا بين معانيهما ، ومبينا ما أشكل منهما ; بأقاويل السلف ، ومن تبعهم من الخلف . وعملته تذكرة لنفسي ، وذخيرة ليوم رمسي ، وعملا صالحا بعد موتي . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر [ القيامة : 13 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5علمت نفس ما قدمت وأخرت [ الانفطار : 5 ] . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830003إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
[ ص: 23 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خُطْبَةُ الْمُصَنِّفِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَدِّثُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَرَحٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُبْتَدِئُ بِحَمْدِ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَهُ حَامِدٌ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، الرَّبُّ الصَّمَدُ الْوَاحِدُ ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَمُوتُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَالْمَوَاهِبِ الْعِظَامِ وَالْمُتَكَلِّمُ بِالْقُرْآنِ ، وَالْخَالِقُ لِلْإِنْسَانِ ، وَالْمُنْعِمُ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ ، وَالْمُرْسِلُ رَسُولَهُ بِالْبَيَانِ ،
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَلَفَ الْمَلَوَانِ ، وَتَعَاقَبَ الْجَدِيدَانِ أَرْسَلَهُ بِكِتَابِهِ الْمُبِينِ ، الْفَارِقِ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ ; الَّذِي أَعْجَزَتِ الْفُصَحَاءَ مُعَارَضَتُهُ ، وَأَعْيَتِ الْأَلِبَّاءَ مُنَاقَضَتُهُ ، وَأَخْرَسَتِ الْبُلَغَاءَ مُشَاكَلَتُهُ ; فَلَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا . جَعَلَ أَمْثَالَهُ عِبَرًا لِمَنْ تَدَبَّرَهَا ، وَأَوَامِرَهُ هُدًى لِمَنِ اسْتَبْصَرَهَا ; وَشَرَحَ فِيهِ وَاجِبَاتِ الْأَحْكَامِ ، وَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَكَرَّرَ فِيهِ الْمَوَاعِظَ وَالْقِصَصَ لِلْأَفْهَامِ ، وَضَرَبَ فِيهِ الْأَمْثَالَ ، وَقَصَّ فِيهِ غَيْبَ الْأَخْبَارِ ; فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ . خَاطَبَ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ فَفَهِمُوا ، وَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ مُرَادَهُ فَعَلِمُوا . فَقَرَأَةُ الْقُرْآنِ حَمَلَةُ سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ ، وَحَفَظَةُ عِلْمِهِ الْمَخْزُونِ ، وَخُلَفَاءُ أَنْبِيَائِهِ وَأُمَنَاؤُهُ ، وَهُمْ أَهْلُهُ وَخَاصَّتُهُ وَخِيرَتُهُ وَأَصْفِيَاؤُهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830001إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَّا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ أَخْرَجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ . فَمَا أَحَقَّ مَنْ عَلِمَ كِتَابَ اللَّهِ أَنْ يَزْدَجِرَ بِنَوَاهِيهِ ، وَيَتَذَكَّرَ مَا شُرِحَ لَهُ فِيهِ ، وَيَخْشَى اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ ، وَيُرَاقِبَهُ وَيَسْتَحْيِيهِ . فَإِنَّهُ قَدْ حُمِّلَ أَعْبَاءَ الرُّسُلِ ، وَصَارَ شَهِيدًا فِي الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ . أَلَا وَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَأَغْفَلَهُ ، أَوْكَدُ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَصَّرَ عَنْهُ وَجَهِلَهُ . وَمَنْ أُوتِيَ عِلْمَ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَنْتَفِعْ ، وَزَجَرَتْهُ نَوَاهِيهِ فَلَمْ يَرْتَدِعْ ; وَارْتَكَبَ مِنَ الْمَآثِمِ قَبِيحًا ، وَمِنَ الْجَرَائِمِ فَضُوحًا ; كَانَ الْقُرْآنُ حُجَّةً عَلَيْهِ ، وَخَصْمًا لَدَيْهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830002الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=18648فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِحِفْظِ كِتَابِهِ أَنْ يَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَيَتَدَبَّرَ حَقَائِقَ عِبَارَتِهِ ; وَيَتَفَهَّمَ عَجَائِبَهُ ، وَيَتَبَيَّنَ غَرَائِبَهُ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
[ ص: 24 ] nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ ص : 29 ] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا . [ الْقِتَالِ : 24 ] . جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، وَيَتَدَبَّرُهُ حَقَّ تَدَبُّرِهِ ; وَيَقُومُ بِقِسْطِهِ ، وَيُوفِي بِشَرْطِهِ ، وَلَا يَلْتَمِسُ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ ; وَهَدَانَا لِأَعْلَامِهِ الظَّاهِرَةِ ، وَأَحْكَامِهِ الْقَاطِعَةِ الْبَاهِرَةِ ، وَجَمَعَ لَنَا بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ . ثُمَّ جَعَلَ إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ مَا كَانَ مِنْهُ مُجْمَلًا ، وَتَفْسِيرَ مَا كَانَ مِنْهُ مُشْكِلًا ، وَتَحْقِيقَ مَا كَانَ مِنْهُ مُحْتَمَلًا ; لِيَكُونَ لَهُ مَعَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ظُهُورُ الِاخْتِصَاصِ بِهِ ، وَمَنْزِلَةِ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ الْنَحْلِ : 44 ] . ثُمَّ جَعَلَ إِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِنْبَاطَ مَا نَبَّهَ عَلَى مَعَانِيهِ ، وَأَشَارَ إِلَى أُصُولِهِ لِيَتَوَصَّلُوا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ إِلَى عِلْمِ الْمُرَادِ ; فَيَمْتَازُوا بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمْ ، وَيَخْتَصُّوا بِثَوَابِ اجْتِهَادِهِمْ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ الْمُجَادَلَةِ : 11 ] . فَصَارَ الْكِتَابُ أَصْلًا وَالسَّنَةُ لَهُ بَيَانًا ، وَاسْتِنْبَاطُ الْعُلَمَاءِ لَهُ إِيضَاحًا وَتِبْيَانًا . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ صُدُورَنَا أَوْعِيَةَ كِتَابِهِ ، وَآذَانَنَا مَوَارِدَ سُنَنِ نَبِيِّهِ ، وَهِمَمَنَا مَصْرُوفَةً إِلَى تَعَلُّمِهِمَا وَالْبَحْثِ عَنْ مَعَانِيهِمَا وَغَرَائِبِهِمَا ; طَالِبِينَ بِذَلِكَ رِضَا رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَمُتَدَرِّجِينَ بِهِ إِلَى عِلْمِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ .
وَبَعْدُ ، فَلَمَّا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ هُوَ الْكَفِيلُ بِجَمِيعِ عُلُومِ الشَّرْعِ ، الَّذِي اسْتَقَلَّ بِالْسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ ، وَنَزَلَ بِهِ أَمِينُ السَّمَاءِ إِلَى أَمِينِ الْأَرْضِ ، رَأَيْتُ أَنْ أَشْتَغِلَ بِهِ مَدَى عُمُرِي ، وَأَسْتَفْرِغَ فِيهِ مُنَّتِي ; بِأَنْ أَكْتُبَ فِيهِ تَعْلِيقًا وَجِيزًا ، يَتَضَمَّنُ نُكَتًا مِنَ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَاتِ ، وَالْإِعْرَابِ وَالْقِرَاءَاتِ ; وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالَاتِ ، وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةً شَاهِدَةً لِمَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَنُزُولِ الْآيَاتِ ; جَامِعًا بَيْنَ مَعَانِيهِمَا ، وَمُبَيِّنًا مَا أَشْكَلَ مِنْهُمَا ; بِأَقَاوِيلِ السَّلَفِ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْخَلَفِ . وَعَمِلْتُهُ تَذْكِرَةً لِنَفْسِي ، وَذَخِيرَةً لِيَوْمِ رَمْسِي ، وَعَمَلًا صَالِحًا بَعْدَ مَوْتِي . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [ الْقِيَامَةِ : 13 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [ الِانْفِطَارِ : 5 ] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830003إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ .