قوله تعالى : قوله تعالى : وهم ينهون عنه وينأون عنه النهي الزجر ، والنأي البعد ، وهو عام في جميع الكفار أي : ينهون عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وينأون عنه ; عن ابن عباس والحسن . وقيل : هو خاص بأبي طالب ينهى الكفار عن إذاية محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتباعد عن الإيمان به ; عن ابن عباس أيضا . وروى أهل السير قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الكعبة يوما وأراد أن يصلي ، فلما دخل في الصلاة قال أبو جهل - لعنه الله - : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته . فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وسلم ; فانفتل النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ، ثم أتى أبا طالب عمه فقال : يا عم ألا ترى إلى ما فعل بي فقال أبو طالب : من فعل هذا بك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن الزبعرى ; فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم ; فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون ; فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل جللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم ، فقال : يا بني من الفاعل بك هذا ؟ فقال : عبد الله بن [ ص: 316 ] الزبعرى ; فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول ; فنزلت هذه الآية وهم ينهون عنه وينأون عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عم نزلت فيك آية قال : وما هي ؟ قال : تمنع قريشا أن تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي فقال أبو طالب :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر بذاك وقر منك عيونا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
فلقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه
من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحا بذاك يقينا
منع الرقاد بلابل وهموم والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها عيرانة سرح اليدين غشوم
[ ص: 317 ] إني لمعتذر إليك من الذي أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة سهم وتأمرني بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني أمر الغواة وأمرهم مشئوم
فاليوم آمن بالنبي محمد قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة فانقضت أسبابها وأتت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما زللي فإنك راحم مرحوم
وعليك من سمة المليك علامة نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه شرفا وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق حقا وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفى مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم فرع تمكن في الذرى وأروم
وقيل : المعنى ينهون عنه أي : هؤلاء الذين يستمعون ينهون عن القرآن وينأون عنه . عن قتادة ; فالهاء على القولين الأولين في عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى قول قتادة للقرآن . وإن يهلكون إلا أنفسهم إن نافية أي : وما يهلكون إلا أنفسهم بإصرارهم على الكفر ، وحملهم أوزار الذين يصدونهم .