[ ص: 360 ] الثانية : قوله تعالى : إن ينتهوا يريد عن الكفر . قال ابن عطية : ولا بد ; والحامل على ذلك جواب الشرط يغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر . ولقد أحسن القائل أبو سعيد أحمد بن محمد الزبيري :
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف ثم انتهى عما أتاه واقترف
لقوله سبحانه في المعترف إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
الثالثة : قال ابن القاسم عن وابن وهب مالك فيمن فلا طلاق له . وكذلك من طلق في الشرك ثم أسلم فلا حنث عليه . وكذا من وجبت عليه هذه الأشياء ; فذلك مغفور له . فأما من حلف فأسلم أو افترى على مسلم ثم أسلم أقيم عليه الحد للفرية والسرقة . ولو سرق ثم أسلم ، أو زنى وأسلم سقط عنه الحد . وروى اغتصب مسلمة ثم أسلم أشهب عن مالك أنه قال : إنما يعني الله عز وجل ما قد مضى قبل الإسلام ، من مال أو دم أو شيء . قال : وهذا [ ص: 361 ] هو الصواب ; لما قدمناه من عموم قوله تعالى : ابن العربي قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، وقوله : ، وما بيناه من المعنى من التيسير وعدم التنفير . الإسلام يهدم ما قبله
قلت : أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب . وأما إن فإنه يحد ، وإن سرق قطع . وكذلك دخل إلينا بأمان فقذف مسلما حد ثمانين ، وإذا سرق قطع ، وإن قتل قتل . ولا يسقط الإسلام ذلك عنه لنقضه العهد حال كفره ; على رواية الذمي إذا قذف ابن القاسم وغيره . قال ابن المنذر : واختلفوا في النصراني يزني ثم يسلم ، وقد شهدت عليه بينة من المسلمين ; فحكي عن رضي الله عنه إذ هو الشافعي بالعراق لا حد عليه ولا تغريب ; لقول الله عز وجل : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قال ابن المنذر : وهذا موافق لما روي عن مالك . وقال أبو ثور : إذا أقيم عليه الحد . وحكي عن أقر وهو مسلم أنه زنى وهو كافر الكوفي أنه قال : لا يحد .
الرابعة : فأما ; فقيل : حكمه حكم الكافر الأصلي إذا أسلم ; لا يؤخذ بشيء مما أحدثه في حال ارتداده . وقال المرتد إذا أسلم وقد فاتته صلوات ، وأصاب جنايات وأتلف أموالا في أحد قوليه : يلزمه كل حق لله عز وجل وللآدمي ; بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى . وقال الشافعي أبو حنيفة : ما كان لله يسقط ، وما كان للآدمي لا يسقط . قال : وهو قول علمائنا ; لأن الله تعالى مستغن عن حقه ، والآدمي مفتقر إليه . ألا ترى أن حقوق الله عز وجل لا تجب على الصبي وتلزمه حقوق الآدميين . قالوا : وقوله تعالى : ابن العربي قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف عام في حقوق الله تعالى .
الخامسة قوله تعالى وإن يعودوا يريد إلى القتال ; لأن لفظة " عاد " إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة كان الإنسان عليها ثم انتقل عنها . قال ابن عطية : ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال . ولا يجوز أن يتأول إلى الكفر ; لأنهم لم ينفصلوا عنه ، وإنما قلنا ذلك في " عاد " إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة على الابتداء والخبر ، فيكون معناها معنى صار ; كما تقول : عاد زيد ملكا ; يريد صار . ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
[ ص: 362 ] قوله تعالى فقد مضت سنة الأولين عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله .