[ قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يحلفون بالله ما قالوا روي أن هذه الآية نزلت في
الجلاس بن سويد بن الصامت ،
ووديعة بن ثابت ; وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : والله لئن كان
محمد صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير . فقال له
عامر بن قيس : أجل والله إن
محمدا لصادق مصدق ; وإنك لشر من حمار . وأخبر
عامر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . وجاء
الجلاس فحلف بالله عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم إن
عامرا لكاذب . وحلف
عامر لقد قال ، وقال : اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئا ، فنزلت . وقيل : إن الذي سمعه
عاصم بن عدي . وقيل
حذيفة . وقيل : بل سمعه ولد امرأته واسمه
عمير بن سعد ; فيما قال
ابن إسحاق . وقال غيره : اسمه
مصعب . فهم
الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره ; ففيه نزل : وهموا بما لم ينالوا . قال
مجاهد : وكان
الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك هم بقتله ، ثم لم يفعل ، عجز عن ذلك . قال ، ذلك هي الإشارة بقوله وهموا بما لم ينالوا . وقيل : إنها نزلت في
عبد الله بن أبي ، رأى رجلا من
غفار يتقاتل مع رجل من
جهينة ، وكانت
جهينة حلفاء
الأنصار ، فعلا
[ ص: 131 ] الغفاري الجهني . فقال
ابن أبي : يا
بني الأوس والخزرج ، انصروا أخاكم فوالله ما مثلنا ومثل
محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، ولئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فجاءه
عبد الله بن أبي فحلف أنه لم يقله ; قاله
قتادة . وقول ثالث أنه قول جميع المنافقين ; قاله
الحسن .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهو الصحيح ; لعموم القول ووجود المعنى فيه وفيهم ، وجملة ذلك اعتقادهم فيه أنه ليس بنبي .
الثانية : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74ولقد قالوا كلمة الكفر قال
النقاش : تكذيبهم بما وعد الله من الفتح . وقيل : كلمة الكفر قول
الجلاس : إن كان ما جاء به
محمد حقا لنحن أشر من الحمير . وقول
عبد الله بن أبي :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال
القشيري : كلمة الكفر سب النبي صلى الله عليه وسلم والطعن في الإسلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وكفروا بعد إسلامهم أي بعد الحكم بإسلامهم . فدل هذا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28844المنافقين كفار ، وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=3ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا دليل قاطع .
ودلت الآية أيضا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10014الكفر يكون بكل ما يناقض التصديق والمعرفة ; وإن كان
nindex.php?page=treesubj&link=10016الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال إلا في الصلاة . قال
إسحاق بن راهويه : ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع ; لأنهم بأجمعهم قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=8117من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة ، ولم يعلموا منه إقرارا باللسان أنه يحكم له بالإيمان ، ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل ذلك .
الثالثة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وهموا بما لم ينالوا يعني المنافقين من قتل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في غزوة
تبوك ، وكانوا اثني عشر رجلا . قال
حذيفة : سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عدهم كلهم . فقلت : ألا تبعث إليهم فتقتلهم ؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836447أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيهم الله بالدبيلة . قيل : يا رسول الله وما الدبيلة ؟ قال : شهاب من جهنم يجعله على نياط فؤاد أحدهم حتى تزهق نفسه . فكان كذلك . خرجه
مسلم بمعناه . وقيل هموا بعقد التاج على رأس
ابن أبي ليجتمعوا عليه . وقد تقدم قول
مجاهد في هذا .
[ ص: 132 ] الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله أي ليس ينقمون شيئا ; كما قال
النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
ويقال : نقم ينقم ، ونقم ينقم ; قال الشاعر في الكسر :
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا
وقال
زهير :
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم
ينشد بكسر القاف وفتحها . قال
الشعبي : كانوا يطلبون دية فيقضي لهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغنوا . ذكر
عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا . ويقال : إن القتيل كان مولى
الجلاس . وقال
الكلبي : كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم في ضنك من العيش ، لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة ، فلما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم استغنوا بالغنائم . وهذا المثل مشهور : اتق شر من أحسنت إليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12851القشيري أبو نصر : قيل
للبجلي أتجد في كتاب الله تعالى اتق شر من أحسنت إليه ؟ قال نعم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله .
الخامسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فإن يتوبوا يك خيرا لهم روي أن
الجلاس قام حين نزلت الآية فاستغفر وتاب . فدل هذا على توبة الكافر الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان ; وهو الذي يسميه الفقهاء الزنديق . وقد اختلف في ذلك العلماء ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : تقبل توبته . وقال
مالك :
nindex.php?page=treesubj&link=25008توبة الزنديق لا تعرف ; لأنه كان يظهر الإيمان ويسر الكفر ، ولا يعلم إيمانه إلا بقوله . وكذلك يفعل الآن في كل حين ، يقول : أنا مؤمن وهو يضمر خلاف ما يظهر ; فإذا عثر عليه وقال : تبت ، لم يتغير حاله عما كان عليه . فإذا جاءنا تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته ; وهو المراد بالآية . والله أعلم .
السادسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وإن يتولوا أي يعرضوا عن الإيمان والتوبة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا بالقتل ، وفي الآخرة بالنار
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما لهم في الأرض من ولي أي مانع يمنعهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74ولا نصير أي معين . وقد تقدم .
[ ص: 133 ]
[ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ ،
وَوَدِيعَةَ بْنِ ثَابِتٍ ; وَقَعُوا فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ صَادِقًا عَلَى إِخْوَانِنَا الَّذِينَ هُمْ سَادَاتُنَا وَخِيَارُنَا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ . فَقَالَ لَهُ
عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ : أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّ
مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ مُصَدَّقٌ ; وَإِنَّكَ لَشَرٌّ مِنْ حِمَارٍ . وَأَخْبَرَ
عَامِرٌ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَجَاءَ
الْجُلَاسُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
عَامِرًا لَكَاذِبٌ . وَحَلَفَ
عَامِرٌ لَقَدْ قَالَ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيِّكَ الصَّادِقِ شَيْئًا ، فَنَزَلَتْ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي سَمِعَهُ
عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ . وَقِيلَ
حُذَيْفَةُ . وَقِيلَ : بَلْ سَمِعَهُ وَلَدُ امْرَأَتِهِ وَاسْمُهُ
عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ ; فِيمَا قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ . وَقَالَ غَيْرُهُ : اسْمُهُ
مُصْعَبٌ . فَهَمَّ
الْجُلَاسُ بِقَتْلِهِ لِئَلَّا يُخْبِرَ بِخَبَرِهِ ; فَفِيهِ نَزَلَ : وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا . قَالَ
مُجَاهِدٌ : وَكَانَ
الْجُلَاسُ لَمَّا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنِّي سَأُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِكَ هَمَّ بِقَتْلِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ ، عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ . قَالَ ، ذَلِكَ هِيَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، رَأَى رَجُلًا مِنْ
غِفَارٍ يَتَقَاتَلُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ
جُهَيْنَةَ ، وَكَانَتْ
جُهَيْنَةُ حُلَفَاءَ
الْأَنْصَارِ ، فَعَلَا
[ ص: 131 ] الْغِفَارِيُّ الْجُهَنِيَّ . فَقَالَ
ابْنُ أُبَيٍّ : يَا
بَنِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، انْصُرُوا أَخَاكُمْ فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ
مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ . فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَجَاءَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ ; قَالَهُ
قَتَادَةُ . وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُنَافِقِينَ ; قَالَهُ
الْحَسَنُ .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِعُمُومِ الْقَوْلِ وَوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِيهِمْ ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ قَالَ
النَّقَّاشُ : تَكْذِيبُهُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْفَتْحِ . وَقِيلَ : كَلِمَةُ الْكُفْرِ قَوْلُ
الْجُلَاسِ : إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ أَشَرُّ مِنَ الْحَمِيرِ . وَقَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : كَلِمَةُ الْكُفْرِ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالطَّعْنُ فِي الْإِسْلَامِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ . فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28844الْمُنَافِقِينَ كُفَّارٌ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=3ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا دَلِيلٌ قَاطِعٌ .
وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10014الْكُفْرَ يَكُونُ بِكُلِّ مَا يُنَاقِضُ التَّصْدِيقَ وَالْمَعْرِفَةَ ; وَإِنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=10016الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إِلَّا فِي الصَّلَاةِ . قَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : وَلَقَدْ أَجْمَعُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ ; لِأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=8117مَنْ عُرِفَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ رَأَوْهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّى صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مِنْهُ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ ، وَلَمْ يَحْكُمُوا لَهُ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ
حُذَيْفَةُ : سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَدَّهُمْ كُلَّهُمْ . فَقُلْتُ : أَلَا تَبْعَثُ إِلَيْهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836447أَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ لَمَّا ظَفِرَ بِأَصْحَابِهِ أَقْبَلَ يَقْتُلُهُمْ بَلْ يَكْفِيهِمُ اللَّهُ بِالدُّبَيْلَةِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الدُّبَيْلَةُ ؟ قَالَ : شِهَابٌ مِنْ جَهَنَّمَ يَجْعَلُهُ عَلَى نِيَاطِ فُؤَادِ أَحَدِهِمْ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ . فَكَانَ كَذَلِكَ . خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ . وَقِيلَ هَمُّوا بِعَقْدِ التَّاجِ عَلَى رَأْسِ
ابْنِ أُبَيٍّ لِيَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ فِي هَذَا .
[ ص: 132 ] الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ لَيْسَ يَنْقِمُونَ شَيْئًا ; كَمَا قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَيُقَالُ : نَقَمَ يَنْقِمُ ، وَنَقِمَ يَنْقَمُ ; قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْكَسْرِ :
مَا نَقِمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا
وَقَالَ
زُهَيْرٌ :
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ لِيَوْمِ الْحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيَنْقِمَ
يُنْشَدُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا . قَالَ
الشَّعْبِيُّ : كَانُوا يَطْلُبُونَ دِيَةً فَيَقْضِي لَهُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَغْنَوْا . ذَكَرَ
عِكْرِمَةُ أَنَّهَا كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا . وَيُقَالُ : إِنَّ الْقَتِيلَ كَانَ مَوْلَى
الْجُلَاسِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : كَانُوا قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَنْكٍ مِنَ الْعَيْشِ ، لَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحُوزُونَ الْغَنِيمَةَ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْنَوْا بِالْغَنَائِمِ . وَهَذَا الْمَثَلُ مَشْهُورٌ : اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12851الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ : قِيلَ
لِلْبَجَلِيِّ أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .
الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ رُوِيَ أَنَّ
الْجُلَاسَ قَامَ حِينَ نَزَلَتِ الْآيَةُ فَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ . فَدَلَّ هَذَا عَلَى تَوْبَةِ الْكَافِرِ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ ; وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ الزِّنْدِيقَ . وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ ; فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ . وَقَالَ
مَالِكٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=25008تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لَا تُعْرَفُ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ ، وَلَا يُعْلَمُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ . وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْآنَ فِي كُلِّ حِينٍ ، يَقُولُ : أَنَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ يُضْمِرُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ ; فَإِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ وَقَالَ : تُبْتُ ، لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ . فَإِذَا جَاءَنَا تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْثَرَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ; وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَإِنْ يَتَوَلَّوْا أَيْ يُعْرِضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ أَيْ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَلَا نَصِيرٍ أَيْ مُعِينٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
[ ص: 133 ]