قوله تعالى قوله تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا فيه مسألتان :
الأولى : لما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجا منها ونائيا عنها من الأعراب ; فقال كفرهم أشد . قال قتادة : لأنهم أبعد عن معرفة السنن . وقيل : لأنهم أقسى قلبا [ ص: 155 ] وأجفى قولا وأغلظ طبعا وأبعد عن سماع التنزيل .
ولذلك قال الله تعالى في حقهم : ( وأجدر ) أي أخلق . ( ألا يعلموا ) ( أن ) في موضع نصب بحذف الباء ؛ تقول : أنت جدير بأن تفعل وأن تفعل ؛ فإذا حذفت الباء لم يصلح إلا ب ( أن ) ، وإن أتيت بالباء صلح ب ( أن ) وغيره ؛ تقول : أنت جدير أن تقوم ، وجدير بالقيام . ولو قال : أنت جدير القيام كان خطأ . وإنما صلح مع ( أن ) لأن ( أن ) يدل على الاستقبال فكأنها عوض من المحذوف . ( حدود ما أنزل الله ) أي فرائض الشرع . وقيل : حجج الله في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم . ولما كان ذلك ودل على نقصهم وحطهم عن المرتبة الكاملة عن سواهم ترتبت على ذلك أحكام ثلاثة : أولها : لا حق لهم في الفيء والغنيمة ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث بريدة ، وفيه : المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين . ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار
وثانيها : ; لما في ذلك من تحقق التهمة . وأجازها إسقاط شهادة أهل البادية عن الحاضرة أبو حنيفة قال : لأنها لا تراعى كل تهمة ، والمسلمون كلهم عنده على العدالة . وأجازها إذا كان عدلا مرضيا ; وهو الصحيح لما بيناه في ( البقرة ) . وقد وصف الله تعالى الأعراب هنا أوصافا ثلاثة : أحدها : بالكفر والنفاق . والثاني : بأنه يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر . والثالث : بالإيمان بالله وباليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ; فمن كانت هذه صفته فبعيد ألا تقبل شهادته فيلحق بالثاني والأول ، وذلك باطل . وقد مضى الكلام في هذا في ( النساء ) . وثالثها : أن إمامتهم بأهل الحاضرة ممنوعة لجهلهم بالسنة وتركهم الجمعة . وكره الشافعي أبو مجلز إمامة الأعرابي . وقال مالك : لا يؤم وإن كان أقرأهم . وقال سفيان الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي : . واختاره الصلاة خلف الأعرابي جائزة ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة .
قوله تعالى : ( أشد ) أصله أشدد ; وقد تقدم . ( كفرا ) نصب على البيان . ( ونفاقا ) [ ص: 156 ] عطف عليه . ( وأجدر ) عطف على ( أشد ) ، ومعناه أخلق ; يقال : فلان جدير بكذا أي خليق به ، وأنت جدير أن تفعل كذا ، والجمع جدراء وجديرون . وأصله من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء . فقوله : هو أجدر بكذا أي أقرب إليه وأحق به .
( ألا يعلموا ) أي بألا يعلموا .
والعرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عربي بين العروبة ، وهم أهل الأمصار . والأعراب منهم سكان البادية خاصة . وجاء في الشعر الفصيح أعاريب . والنسبة إلى الأعراب أعرابي لأنه لا واحد له ، وليس الأعراب جمعا للعرب كما كان الأنباط جمعا لنبط ; وإنما العرب اسم جنس . والعرب العاربة هم الخلص منهم ، وأخذ من لفظه وأكد به ; كقولك : ليل لائل . وربما قالوا : العرب وتعرب أي تشبه بالعرب . وتعرب بعد هجرته أي صار أعرابيا . والعرب المستعربة هم الذين ليسوا بخلص ، وكذلك المتعربة ، والعربية هي هذه اللغة . ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية ، وهو أبو اليمن كلهم . والعرب والعرب واحد ; مثل العجم والعجم . والعريب تصغير العرب ; قال الشاعر :
ومكن الضباب طعام العريب ولا تشتهيه نفوس العجم
إنما صغرهم تعظيما ; كما قال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب كله عن الجوهري . وحكى القشيري وجمع العربي العرب ، وجمع الأعرابي أعراب وأعاريب . والأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح ، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب . والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب . وسميت العرب عربا لأن ولد إسماعيل نشأوا من عربة وهي من تهامة فنسبوا إليها . وأقامت قريش بعربة وهي مكة ، وانتشر سائر العرب في جزيرتها .