قال
ابن الطيب : إن قال قائل قد اختلف السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=28880ترتيب سور القرآن ، فمنهم من كتب في مصحفه السور على تاريخ نزولها ، وقدم المكي على المدني ، ومنهم من جعل في أول مصحفه " الحمد " ، ومنهم من جعل في أوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك [ العلق : 1 ] ، وهذا أول مصحف
علي رضي الله عنه . وأما مصحف
ابن مسعود فإن أوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين [ الفاتحة : 4 ] ثم البقرة ثم النساء ; على ترتيب مختلف . ومصحف
أبي كان أوله " الحمد لله " ، ثم " النساء " ثم " آل عمران " ثم " الأنعام " ثم " الأعراف " ثم " المائدة " ثم كذلك على اختلاف شديد . قال
القاضي أبو بكر بن الطيب : فالجواب أنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم في المصحف كان على وجه الاجتهاد من الصحابة . وذكر ذلك
مكي رحمه الله في تفسير سورة " براءة " وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولما لم يأمر بذلك في أول سورة " براءة " تركت بلا بسملة ; هذا أصح ما قيل في ذلك ، وسيأتي .
وذكر
ابن وهب في جامعه قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال يقول سمعت
ربيعة يسأل : لم قدمت " البقرة " " وآل عمران " ، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة وإنما نزلتا
بالمدينة ؟ فقال
ربيعة : قد قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه ، وقد اجتمعوا على العلم بذلك ، فهذا مما ننتهي إليه ، ولا نسأل عنه . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد قال : حدثنا
معمر عن
سلام بن مسكين عن
قتادة قال : قال
ابن مسعود : من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنا حالا ; اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم . وقال قوم من أهل العلم : إن تأليف سور القرآن على ما هو عليه في مصحفنا كان عن توقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما ما روي من اختلاف مصحف
أبي وعلي وعبد الله فإنما كان قبل العرض الأخير ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رتب لهم تأليف السور بعد أن لم يكن فعل ذلك . روى
يونس عن
ابن وهب قال سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول : إنما ألف القرآن على ما كان يسمعونه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وذكر
أبو بكر الأنباري في كتاب الرد : أن الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=20754أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا ، ثم فرق على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة ، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث ، والآية جوابا لمستخبر يسأل ويوقف
جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وضع السورة والآية ; فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف ، فكله عن
محمد خاتم النبيين عليه السلام ، عن رب العالمين ; فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة فهو كمن أفسد نظم الآيات ، وغير الحروف والكلمات ، ولا حجة على أهل الحق في تقديم " البقرة " على " الأنعام " ، " والأنعام " نزلت قبل " البقرة " لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عنه هذا الترتيب ، وهو كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830048ضعوا هذه السورة موضع كذا وكذا من القرآن . وكان
جبريل عليه السلام يقف على مكان الآيات .
حدثنا
حسن بن الحباب حدثنا
أبو هشام حدثنا
أبو بكر بن عياش عن
أبي إسحاق عن
البراء [ ص: 65 ] قال : آخر ما نزل من القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ النساء : 176 ] . قال
أبو بكر بن عياش : وأخطأ
أبو إسحاق ، لأن
محمد بن السائب حدثنا عن
أبي السائب عن ابن عباس قال : آخر ما نزل من القرآن : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ البقرة : 281 ] . فقال جبريل للنبي عليهما السلام : يا محمد ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12997أبو الحسن بن بطال : ومن قال بهذا القول لا يقول إن تلاوة القرآن في الصلاة والدرس يجب أن تكون مرتبة على حسب الترتيب الموقوف عليه في المصحف ، بل إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ، ولا يعلم أن أحدا منهم قال : إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه ، وأنه لا يحل لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة ولا الحج قبل الكهف ; ألا ترى
nindex.php?page=hadith&LINKID=836676قول عائشة رضي الله عنها للذي سألها : لا يضرك أية قرأت قبل ; وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=treesubj&link=22756يقرأ في الصلاة السورة في ركعة ، ثم يقرأ في ركعة أخرى بغير السورة التي تليها . وأما ما روي عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا ، وقالا : ذلك منكوس القلب ; فإنما عنيا بذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=22756يقرأ السورة منكوسة ، ويبتدئ من آخرها إلى أولها لأن ذلك حرام محظور ; ومن الناس من يتعاطى هذا في القرآن والشعر ليذلل لسانه بذلك ويقدر على الحفظ ، وهذا حظره الله تعالى ومنعه في القرآن ، لأنه إفساد لسوره ومخالفة لما قصد بها .
ومما يدل على أنه لا يجب إثبات في المصاحف على تاريخ نزوله ما صح وثبت أن الآيات كانت تنزل
بالمدينة فتوضع في السورة المكية ، ألا ترى قول
عائشة رضي الله عنها : وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - تعني
بالمدينة - وقد قدمتا في المصحف على ما نزل قبلهما من القرآن
بمكة ، ولو ألفوه على تاريخ النزول لوجب أن ينتقض ترتيب آيات السور .
قال
أبو بكر الأنباري : حدثنا
إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا
حجاج بن منهال حدثنا
همام عن
قتادة قال : نزل
بالمدينة من القرآن " البقرة " ، " وآل عمران " ، " " والنساء " ، " والمائدة " ، " والأنفال " ، " وبراءة " ، " والرعد " ، " والنحل " ، " والحج " ، " والنور " ، " والأحزاب " ، " ومحمد " ، " والفتح " ، " والحجرات " ، " والرحمن " ، " والحديد " ، " والمجادلة " ، " والحشر " ، " والممتحنة " ، " والصف " ، " والجمعة " ، " والمنافقون " ، " والتغابن " ، " والطلاق " ، " ويا أيها النبي لم تحرم " إلى رأس العشر ، " وإذا زلزلت " ، " وإذا جاء نصر الله " . هؤلاء السور نزلن
بالمدينة ; وسائر القرآن نزل
بمكة .
قال
أبو بكر : فمن عمل على ترك الأثر والإعراض عن الإجماع ونظم السور على منازلها
بمكة والمدينة ، لم يدر أين تقع الفاتحة ، لاختلاف الناس في موضع نزولها ، ويضطر إلى تأخير الآية التي في رأس خمس وثلاثين ومائتين من البقرة إلى رأس الأربعين ، ومن أفسد نظم القرآن فقد كفر به ، ورد على
محمد صلى الله عليه وسلم ما حكاه عن ربه تعالى . وقد قيل إن علة تقديم المدني على المكي هو أن الله تعالى خاطب العرب بلغتها ، وما تعرف من أفانين خطابها ومحاورتها ; فلما كان فن من كلامهم مبنيا على تقديم المؤخر وتأخير المقدم خوطبوا بهذا المعنى في كتاب الله تعالى الذي لو
[ ص: 66 ] فقدوه من القرآن لقالوا : ما باله عري من هذا الباب الموجود في كلامنا المستحلى من نظامنا . قال
عبيد بن الأبرص :
أن بدلت منهم وحوشا وغيرت حالها الخطوب عيناك دمعهما سروب
كأن شأنيهما شعيب
أراد عيناك دمعهما سروب لأن تبدلت من أهلها وحوشا ، فقدم المؤخر وأخر المقدم ، ومعنى سروب : منصب على وجه الأرض . ومنه السارب ، للذاهب على وجهه في الأرض ، قال الشاعر :
أنى سربت وكنت غير سروب
وقوله : شأنيهما ، الشأن واحد الشؤون ، وهي مواصل قبائل الرأس وملتقاها ، ومنها يجيء الدمع . شعيب : متفرق .
فصل - وأما شكل المصحف ونقطه فروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان أمر به وعمله ، فتجرد لذلك
الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه ، وأمر وهو والي
العراق الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر بذلك ، وألف إثر ذلك
بواسط كتابا في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ، ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا ، إلى أن ألف
ابن مجاهد كتابه في القراءات .
وأسند
الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف
أبو الأسود الدؤلي ; وذكر أيضا أن
ابن سيرين كان له مصحف نقطه له
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر .
قَالَ
ابْنُ الطَّيِّبِ : إِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28880تَرْتِيبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ فِي مُصْحَفِهِ السُّورُ عَلَى تَارِيخِ نُزُولِهَا ، وَقَدَّمَ الْمَكِّيَّ عَلَى الْمَدَنِيِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي أَوَّلِ مُصْحَفِهِ " الْحَمْدُ " ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي أَوَّلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ الْعَلَقِ : 1 ] ، وَهَذَا أَوَّلُ مُصْحَفِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَأَمَّا مُصْحَفُ
ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّ أَوَّلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [ الْفَاتِحَةِ : 4 ] ثُمَّ الْبَقَرَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ; عَلَى تَرْتِيبٍ مُخْتَلِفٍ . وَمُصْحَفِ
أُبَيٍّ كَانَ أَوَّلُهُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " ، ثُمَّ " النِّسَاءُ " ثُمَّ " آلُ عِمْرَانَ " ثُمَّ " الْأَنْعَامُ " ثُمَّ " الْأَعْرَافُ " ثُمَّ " الْمَائِدَةُ " ثُمَّ كَذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ . قَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ : فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمُ فِي الْمُصْحَفِ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الصَّحَابَةِ . وَذَكَرَ ذَلِكَ
مَكِّيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " وَذَكَرَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ فِي السُّورِ وَوَضْعِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوَائِلِ هُوَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ ; هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ ، وَسَيَأْتِي .
وَذَكَرَ
ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16036سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ يَقُولُ سَمِعْتُ
رَبِيعَةَ يَسْأَلُ : لِمَ قَدَّمْتَ " الْبَقَرَةَ " " وَآلَ عِمْرَانَ " ، وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً وَإِنَّمَا نَزَلَتَا
بِالْمَدِينَةِ ؟ فَقَالَ
رَبِيعَةُ : قَدْ قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ ، فَهَذَا مِمَّا نَنْتَهِي إِلَيْهِ ، وَلَا نَسْأَلُ عَنْهُ . وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16061سُنَيْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ
سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا ، وَأَحْسَنَا حَالًا ; اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقَامَةِ دِينِهِ ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ تَأْلِيفَ سُوَرِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفِنَا كَانَ عَنْ تَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنَ اخْتِلَافِ مُصْحَفِ
أُبَيٍّ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْعَرْضِ الْأَخِيرِ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ لَهُمْ تَأْلِيفَ السُّوَرِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ . رَوَى
يُونُسُ عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا يَقُولُ : إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانَ يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَذَكَرَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=20754أَنْزَلَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ فَرَّقَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِشْرِينَ سَنَةً ، وَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ فِي أَمْرٍ يَحْدُثُ ، وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ يَسْأَلُ وَيُوقِفُ
جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَضْعِ السُّورَةِ وَالْآيَةِ ; فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ ، فَكُلُّهُ عَنْ
مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ; فَمَنْ أَخَّرَ سُورَةً مُقَدَّمَةً أَوْ قَدَّمَ أُخْرَى مُؤَخَّرَةً فَهُوَ كَمَنْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْآيَاتِ ، وَغَيَّرَ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَاتِ ، وَلَا حُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ فِي تَقْدِيمِ " الْبَقَرَةِ " عَلَى " الْأَنْعَامِ " ، " وَالْأَنْعَامُ " نَزَلَتْ قَبْلَ " الْبَقَرَةِ " لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخِذَ عَنْهُ هَذَا التَّرْتِيبُ ، وَهُوَ كَانَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830048ضَعُوا هَذِهِ السُّورَةَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْقُرْآنِ . وَكَانَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقِفُ عَلَى مَكَانِ الْآيَاتِ .
حَدَّثَنَا
حَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشِ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الْبَرَاءِ [ ص: 65 ] قَالَ : آخَرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ [ النِّسَاءِ : 176 ] . قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : وَأَخْطَأَ
أَبُو إِسْحَاقَ ، لِأَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَنَا عَنْ
أَبِي السَّائِبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : آخَرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تَرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ : 281 ] . فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ : يَا مُحَمَّدُ ضَعْهَا فِي رَأْسِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12997أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ : وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَقُولُ إِنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّرْسِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُرَتَّبَةً عَلَى حَسَبِ التَّرْتِيبِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمُصْحَفِ ، بَلْ إِنَّمَا يَجِبُ تَأْلِيفُ سُوَرِهِ فِي الرَّسْمِ وَالْخَطِّ خَاصَّةً ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ : إِنَّ تَرْتِيبَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَلَقَّنَ الْكَهْفَ قَبْلَ الْبَقَرَةِ وَلَا الْحَجَّ قَبْلَ الْكَهْفِ ; أَلَا تَرَى
nindex.php?page=hadith&LINKID=836676قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلَّذِي سَأَلَهَا : لَا يَضُرُّكَ أَيَّةَ قَرَأْتَ قَبْلُ ; وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=treesubj&link=22756يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ السُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا . وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ مَنْكُوسًا ، وَقَالَا : ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ ; فَإِنَّمَا عَنَيَا بِذَلِكَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22756يَقْرَأُ السُّورَةَ مَنْكُوسَةً ، وَيَبْتَدِئُ مِنْ آخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مَحْظُورٌ ; وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَعَاطَى هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ لِيُذَلِّلَ لِسَانَهُ بِذَلِكَ وَيَقْدِرَ عَلَى الْحِفْظِ ، وَهَذَا حَظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنَعَهُ فِي الْقُرْآنِ ، لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ لِسُورِهِ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قُصِدَ بِهَا .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِثْبَاتٌ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى تَارِيخِ نُزُولِهِ مَا صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ
بِالْمَدِينَةِ فَتُوضَعُ فِي السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ ، أَلَا تَرَى قَوْلَ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ - تَعْنِي
بِالْمَدِينَةِ - وَقَدْ قُدِّمَتَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى مَا نَزَلَ قَبْلَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ
بِمَكَّةَ ، وَلَوْ أَلَّفُوهُ عَلَى تَارِيخِ النُّزُولِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِضَ تَرْتِيبُ آيَاتِ السُّوَرِ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا
حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ " الْبَقَرَةُ " ، " وَآلُ عِمْرَانَ " ، " " وَالنِّسَاءُ " ، " وَالْمَائِدَةُ " ، " وَالْأَنْفَالُ " ، " وَبِرَاءَةٌ " ، " وَالرَّعْدُ " ، " وَالنَّحْلُ " ، " وَالْحَجُّ " ، " وَالنُّورُ " ، " وَالْأَحْزَابُ " ، " وَمُحَمَّدٌ " ، " وَالْفَتْحُ " ، " وَالْحُجُرَاتُ " ، " وَالرَّحْمَنُ " ، " وَالْحَدِيدُ " ، " وَالْمُجَادَلَةُ " ، " وَالْحَشْرُ " ، " وَالْمُمْتَحِنَةُ " ، " وَالصَّفُّ " ، " وَالْجُمْعَةُ " ، " وَالْمُنَافِقُونُ " ، " وَالتَّغَابُنُ " ، " وَالطَّلَاقُ " ، " وَيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ " إِلَى رَأْسِ الْعَشْرِ ، " وَإِذَا زُلْزِلَتْ " ، " وَإِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ " . هَؤُلَاءِ السُّوَرُ نَزَلْنَ
بِالْمَدِينَةِ ; وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ
بِمَكَّةَ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : فَمَنْ عَمِلَ عَلَى تَرْكِ الْأَثَرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِجْمَاعِ وَنَظَمَ السُّوَرَ عَلَى مَنَازِلِهَا
بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، لَمْ يَدْرِ أَيْنَ تَقَعُ الْفَاتِحَةُ ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهَا ، وَيَضْطَرُّ إِلَى تَأْخِيرِ الْآيَةِ الَّتِي فِي رَأْسِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ إِلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ ، وَمَنْ أَفْسَدَ نَظَمَ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ ، وَرَدَّ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَكَاهُ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عِلَّةَ تَقْدِيمُ الْمَدَنِيِّ عَلَى الْمَكِّيِّ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْعَرَبَ بِلُغَتِهَا ، وَمَا تَعْرِفُ مِنْ أَفَانِينَ خِطَابِهَا وَمُحَاوَرَتِهَا ; فَلَمَّا كَانَ فَنٌّ مِنْ كَلَامِهِمْ مَبْنِيًّا عَلَى تَقْدِيمِ الْمُؤَخَّرِ وَتَأْخِيرِ الْمُقَدَّمِ خُوطِبُوا بِهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَوْ
[ ص: 66 ] فَقَدُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ لَقَالُوا : مَا بَالُهُ عَرِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَوْجُودِ فِي كَلَامِنَا الْمُسْتَحْلَى مِنْ نِظَامِنَا . قَالَ
عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ :
أَنْ بُدِّلَتْ مِنْهُمُ وُحُوشًا وَغَيَّرَتْ حَالَهَا الْخُطُوبُ عَيْنَاكَ دَمْعُهُمَا سَرُوبُ
كَأَنَّ شَأْنَيْهِمَا شَعِيبُ
أَرَادَ عَيْنَاكَ دَمْعُهُمَا سَرُوبٌ لِأَنْ تَبَدَّلَتْ مِنْ أَهْلِهَا وُحُوشًا ، فَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ وَأَخَّرَ الْمُقَدَّمَ ، وَمَعْنَى سَرُوبٍ : مُنْصَبٌّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ . وَمِنْهُ السَّارِبُ ، لِلذَّاهِبِ عَلَى وَجْهِهِ فِي الْأَرْضِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
أَنَّى سَرَبْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ سَرُوبِ
وَقَوْلُهُ : شَأْنَيْهِمَا ، الشَّأْنُ وَاحِدُ الشُّؤُونِ ، وَهِيَ مَوَاصِلُ قَبَائِلَ الرَّأْسِ وَمُلْتَقَاهَا ، وَمِنْهَا يَجِيءُ الدَّمْعُ . شَعِيبٌ : مُتَفَرِّقٌ .
فَصْلٌ - وَأَمَّا شَكْلُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ فَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَمَرَ بِهِ وَعَمِلَهُ ، فَتَجَرَّدَ لِذَلِكَ
الْحَجَّاجُ بِوَاسِطٍ وَجَدَّ فِيهِ وَزَادَ تَحْزِيبَهُ ، وَأَمَرَ وَهُوَ وَالِي
الْعِرَاقِ الْحَسَنَ nindex.php?page=showalam&ids=17344وَيَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ بِذَلِكَ ، وَأَلَّفَ إِثْرَ ذَلِكَ
بِوَاسِطٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ جَمَعَ فِيهِ مَا رُوِيَ مِنَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا وَافَقَ الْخَطَّ ، وَمَشَى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا طَوِيلًا ، إِلَى أَنْ أَلَّفَ
ابْنُ مُجَاهِدٍ كِتَابَهُ فِي الْقِرَاءَاتِ .
وَأَسْنَدَ
الزُّبَيْدِيُّ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ إِلَى الْمُبَرِّدِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَطَ الْمُصْحَفَ
أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ ; وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ
ابْنَ سِيرِينَ كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ نَقَطَهُ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ .