قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص [ ص: 84 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذلك من أنباء القرى نقصه عليك " ذلك " رفع على إضمار مبتدأ ، أي الأمر ذلك . وإن شئت بالابتداء ; والمعنى : ذلك النبأ المتقدم من أنباء القرى نقصه عليك .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100منها قائم وحصيد قال
قتادة : القائم ما كان خاويا على عروشه ، والحصيد ما لا أثر له . وقيل : القائم العامر ، والحصيد الخراب ; قاله
ابن عباس : وقال
مجاهد : قائم خاوية على عروشها ، وحصيد مستأصل ; يعني محصودا كالزرع إذا حصد ; قال الشاعر :
والناس في قسم المنية بينهم كالزرع منه قائم وحصيد
وقال آخر :
إنما نحن مثل خامة زرع فمتى يأن يأت محتصده
قال
الأخفش سعيد : حصيد أي محصود ، وجمعه حصدى وحصاد مثل مرضى ومراض ; قال : يكون فيمن يعقل حصدى ، مثل قتيل وقتلى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وما ظلمناهم أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه ، وقد تقدم في " البقرة " مستوفى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه يقال : ظلم إياه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101فما أغنت أي دفعت .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء في الكلام حذف ، أي التي كانوا يعبدون ; أي يدعون .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وما زادوهم غير تتبيب أي غير تخسير ; قاله
مجاهد وقتادة . وقال
لبيد :
فلقد بليت وكل صاحب جدة لبلى يعود وذاكم التتبيب
والتباب الهلاك والخسران ; وفيه إضمار ; أي ما زادتهم عبادة الأصنام ، فحذف المضاف ; أي كانت عبادتهم إياها قد خسرتهم ثواب الآخرة .
nindex.php?page=treesubj&link=28982قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى أي كما أخذ هذه القرى التي كانت
لنوح وعاد وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة . وقرأ
عاصم الجحدري nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى " وعن
الجحدري أيضا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وكذلك أخذ ربك كالجماعة " إذ أخذ القرى " . قال
المهدوي من قرأ : " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ " فهو إخبار عما جاءت
[ ص: 85 ] به العادة في إهلاك من تقدم من الأمم ; والمعنى : وكذلك أخذ ربك من أخذه من الأمم المهلكة إذ أخذهم . وقراءة الجماعة على أنه مصدر ; والمعنى : كذلك أخذ ربك من أراد إهلاكه متى أخذه ; فإذ لما مضى ; أي حين أخذ القرى ; وإذا للمستقبل
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وهي ظالمة أي وأهلها ظالمون ; فحذف المضاف مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102إن أخذه أليم شديد أي عقوبته لأهل الشرك موجعة غليظة . وفي صحيح
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث
أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835250إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى الآية . قال
أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103إن في ذلك لآية أي لعبرة وموعظة .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم ابتداء وخبر .
" مجموع " من نعته .
" له الناس " اسم ما لم يسم فاعله ; ولهذا لم يقل مجموعون ، فإن قدرت ارتفاع الناس بالابتداء ، والخبر
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103مجموع له فإنما لم يقل : مجموعون على هذا التقدير ; لأن " له " يقوم مقام الفاعل . والجمع الحشر ، أي يحشرون لذلك اليوم .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103وذلك يوم مشهود أي يشهده البر والفاجر ; ويشهده أهل السماء . وقد ذكرنا هذين الاسمين مع غيرهما من أسماء القيامة في كتاب التذكرة وبيناهما والحمد لله .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وما نؤخره أي ما نؤخر ذلك اليوم .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104إلا لأجل معدود أي لأجل سبق به قضاؤنا ، وهو معدود عندنا .
يوم يأتي وقرئ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يوم يأت لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة ; تقول : لا أدر ; ذكره
القشيري . قال
النحاس : قرأه أهل
المدينة وأبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بإثبات الياء في الإدراج ; وحذفها في الوقف ، وروي أن
أبيا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود قرآ " يوم يأتي " بالياء في الوقف والوصل . وقرأ
الأعمش وحمزة " يوم يأت " بغير ياء في الوقف والوصل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس : الوجه في هذا ألا يوقف عليه ، وأن يوصل بالياء ; لأن جماعة من النحويين قالوا : لا تحذف الياء ، ولا يجزم الشيء بغير جازم ; فأما الوقف بغير ياء ففيه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15080للكسائي ; قال : لأن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم ، فحذف الياء ، كما تحذف الضمة . وأما قراءة
حمزة فقد احتج
أبو عبيد لحذف الياء في الوصل والوقف بحجتين إحداهما : أنه زعم أنه رآه
[ ص: 86 ] في الإمام الذي يقال له إنه مصحف
عثمان - رضي الله عنه - بغير ياء . والحجة الأخرى : أنه حكى أنها لغة
هذيل ; تقول : ما أدر ; قال
النحاس : أما حجته بمصحف
عثمان - رضي الله عنه - فشيء يرده عليه أكثر العلماء ; قال
مالك بن أنس - رحمه الله - : سألت عن مصحف
عثمان - رضي الله عنه - فقيل لي ذهب ; وأما حجته بقولهم : " ما أدر " فلا حجة فيه ; لأن هذا الحذف قد حكاه النحويون القدماء ، وذكروا علته ، وأنه لا يقاس عليه . وأنشد
الفراء في حذف الياء .
كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
أي تعطي . وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والخليل أن العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة ، إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . قال
الزجاج : والأجود في النحو إثبات الياء ; قال : والذي أراه اتباع المصحف وإجماع القراء ; لأن القراءة سنة ; وقد جاء مثله في كلام العرب .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105لا تكلم نفس إلا بإذنه الأصل تتكلم ; حذفت إحدى التاءين تخفيفا . وفيه إضمار ; أي لا تتكلم فيه نفس إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام ; لأنهم ملجئون إلى ترك القبيح . وقيل : المعنى لا تكلم بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه . وقيل : إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه . وهذه الآية أكثر ما يسأل عنها أهل الإلحاد في الدين فيقول لم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105لا تكلم نفس إلا بإذنه و
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون . وقال في موضع من ذكر القيامة :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=111يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وقفوهم إنهم مسئولون . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان . والجواب ما ذكرناه ، وأنهم لا ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم ، ولوم بعضهم بعضا ، وطرح بعضهم الذنوب على بعض ; فأما التكلم والنطق بحجة لهم فلا ; وهذا كما تقول للذي يخاطبك كثيرا ، وخطابه فارغ عن الحجة : ما تكلمت بشيء ، وما نطقت بشيء ، فسمي من يتكلم بلا حجة فيه له غير متكلم . وقال قوم : ذلك اليوم طويل ، وله مواطن ومواقف في بعضها يمنعون من الكلام ، وفي بعضها يطلق لهم الكلام ; فهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فمنهم شقي وسعيد أي من الأنفس ، أو من الناس ; وقد ذكرهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103يوم مجموع له الناس . والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة . والسعيد الذي كتبت عليه السعادة ; قال
لبيد :
[ ص: 87 ] فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانع
وروى
الترمذي عن
ابن عمر عن
عمر بن الخطاب قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=835251لما نزلت هذه الآية nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فمنهم شقي وسعيد سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا نبي الله فعلام نعمل ؟ على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال : بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له . قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث
عبد الله بن عمر ; وقد تقدم في " الأعراف " .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا ابتداء .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106ففي النار في موضع الخبر ، وكذا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106لهم فيها زفير وشهيق قال
أبو العالية : الزفير من الصدر . والشهيق من الحلق ; وعنه أيضا ضد ذلك . وقال
الزجاج : الزفير من شدة الأنين ، والشهيق من الأنين المرتفع جدا ; قال : وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في النهيق . وقال
ابن عباس - رضي الله عنه - عكسه ; قال : الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف . وقال
الضحاك ومقاتل : الزفير مثل أول نهيق الحمار ، والشهيق مثل آخره حين فرغ من صوته ; قال الشاعر :
حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق
وقيل : الزفير إخراج النفس ، وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس ، والشهيق رد النفس وقيل : الزفير ترديد النفس من شدة الحزن ; مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته ; والشهيق النفس الطويل الممتد ; مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ; أي طويل . والزفير والشهيق من أصوات المحزونين .
nindex.php?page=treesubj&link=28982قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ما دامت في موضع نصب على الظرف ; أي دوام السماوات والأرض ، والتقدير : وقت ذلك . واختلف في تأويل هذا ; فقالت طائفة منهم
الضحاك : المعنى ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما ، والسماء كل ما علاك فأظلك ، والأرض ما استقر عليه قدمك ; وفي التنزيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء . وقيل : أراد به السماء والأرض المعهودتين في الدنيا وأجرى ذلك على عادة العرب في الإخبار عن دوام الشيء وتأبيده ; كقولهم : لا آتيك ما جن ليل ، أو سال سيل ، وما
[ ص: 88 ] اختلف الليل والنهار ، وما ناح الحمام ، وما دامت السماوات والأرض ، ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية ; فأفهمهم الله تخليد الكفرة بذلك . وإن كان قد أخبر بزوال السماوات والأرض . وعن
ابن عباس أن جميع الأشياء المخلوقة أصلها من نور العرش ، وأن السماوات والأرض في الآخرة تردان إلى النور الذي أخذتا منه ; فهما دائمتان أبدا في نور العرش .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إلا ما شاء ربك في موضع نصب ; لأنه استثناء ليس من الأول ; وقد اختلف فيه على أقوال عشرة : الأولى : أنه استثناء من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106ففي النار كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك ; وهذا قول رواه
أبو نضرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري وجابر - رضي الله عنهما - . وإنما لم يقل من شاء ; لأن المراد العدد لا الأشخاص ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ما طاب لكم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من شاء ألا يدخلهم وإن شقوا بالمعصية . الثاني : أن الاستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار ; وعلى هذا يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا عاما في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من " خالدين " ; قاله
قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم . وفي الصحيح من حديث
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839316يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحممة أخرجوا منها ودخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون وقد تقدم هذا المعنى في " النساء " وغيرها . الثالث : أن الاستثناء من الزفير والشهيق ; أي لهم فيها زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب الذي لم يذكره ، وكذلك لأهل الجنة من النعيم ما ذكر ، وما لم يذكر . حكاه
ابن الأنباري . الرابع : قال
ابن مسعود :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إلا ما شاء ربك وهو أن يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم . قلت : وهذا القول خاص بالكافر والاستثناء له في الأكل ، وتجديد الخلق . الخامس : أن إلا بمعنى " سوى " كما تقول في الكلام : ما معي رجل إلا زيد ، ولي عليك ألفا درهم إلا الألف التي لي عليك . قيل : فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود . السادس : أنه استثناء من الإخراج ، وهو لا يريد أن يخرجهم منها . كما تقول في الكلام : أردت أن أفعل ذلك إلا أن أشاء غيره ، وأنت مقيم على ذلك الفعل ; فالمعنى أنه لو
[ ص: 89 ] شاء أن يخرجهم لأخرجهم ; ولكنه قد أعلمهم أنهم خالدون فيها ، ذكر هذين القولين
الزجاج عن أهل اللغة ، قال : ولأهل المعاني قولان آخران ، فأحد القولين :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم على رأس قبورهم ، وللمحاسبة ، وقدر مكثهم في الدنيا ، والبرزخ ، والوقوف للحساب . والقول الآخر : وقوع الاستثناء في الزيادة على النعيم والعذاب ، وتقديره :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم ، وزيادة العذاب لأهل الجحيم . قلت : فالاستثناء في الزيادة من الخلود على مدة كون السماء والأرض المعهودتين في الدنيا ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي ، أي خالدين فيها مقدار دوام السماوات والأرض ، وذلك مدة العالم ، وللسماء والأرض وقت يتغيران فيه ، وهو قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض فخلق الله سبحانه الآدميين وعاملهم ، واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة ، وعلى ذلك بايعهم يوم الميثاق ، فمن وفى بذلك العهد فله الجنة ، ومن ذهب برقبته يخلد في النار بمقدار دوام السماوات والأرض ; فإنما دامتا للمعاملة ; وكذلك أهل الجنة خلود في الجنة بمقدار ذلك ; فإذا تمت هذه المعاملة وقع الجميع في مشيئة الله ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق فيخلد أهل الدارين بمقدار دوامهما ، وهو حق الربوبية بذلك المقدار من العظمة ; ثم أوجب لهم الأبد في كلتا الدارين لحق الأحدية ; فمن لقيه موحدا لأحديته بقي في داره أبدا ، ومن لقيه مشركا بأحديته إلها بقي في السجن أبدا ; فأعلم الله العباد مقدار الخلود ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108إلا ما شاء ربك من زيادة المدة التي تعجز القلوب عن إدراكها لأنه لا غاية لها ; فبالاعتقاد دام خلودهم في الدارين أبدا . وقد قيل : إن إلا بمعنى الواو ، قاله
الفراء وبعض أهل النظر وهو الثامن : والمعنى : وما شاء ربك من الزيادة في الخلود على مدة دوام السماوات والأرض في الدنيا . وقد قيل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150إلا الذين ظلموا أي ولا الذين ظلموا . وقال الشاعر :
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
أي والفرقدان . وقال
أبو محمد مكي : وهذا قول بعيد عند
البصريين أن تكون إلا بمعنى الواو ، وقد مضى في البقرة بيانه . وقيل : معناه كما شاء ربك ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أي كما قد سلف ، وهو : التاسع ،
[ ص: 90 ] العاشر : وهو أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إلا ما شاء ربك إنما ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام ; فهو على حد قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فهو استثناء في واجب ، وهذا الاستثناء في حكم الشرط كذلك ; كأنه قال : إن شاء ربك ; فليس يوصف بمتصل ولا منقطع ; ويؤيده ويقويه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ ونحوه عن
أبي عبيد قال : تقدمت عزيمة المشيئة من الله تعالى في خلود الفريقين في الدارين ; فوقع لفظ الاستثناء ، والعزيمة قد تقدمت في الخلود ، قال : وهذا مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين وقد علم أنهم يدخلونه حتما ، فلم يوجب الاستثناء في الموضعين خيارا ; إذ المشيئة قد تقدمت ، بالعزيمة في الخلود في الدارين والدخول في المسجد الحرام ; ونحوه عن
الفراء . وقول - حادي عشر - : وهو أن الأشقياء هم السعداء ، والسعداء هم الأشقياء لا غيرهم ، والاستثناء في الموضعين راجع إليهم ; وبيانه أن " ما " بمعنى " من " ، استثنى الله - عز وجل - من الداخلين في النار المخلدين فيها الذين يخرجون منها من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - بما معهم من الإيمان ، واستثنى من الداخلين في الجنة المخلدين فيها الذين يدخلون النار بذنوبهم قبل دخول الجنة ثم يخرجون منها إلى الجنة . وهم الذين وقع عليهم الاستثناء الثاني ; كأنه قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ألا يخلده فيها ، وهم الخارجون منها من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - بإيمانهم وبشفاعة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ; فهم بدخولهم النار يسمون الأشقياء ، وبدخولهم الجنة يسمون السعداء ; كما روى
الضحاك عن
ابن عباس إذ قال : الذين سعدوا شقوا بدخول النار ثم سعدوا بالخروج منها ودخولهم الجنة . وقرأ
الأعمش وحفص وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وأما الذين سعدوا بضم السين . وقال
أبو عمرو : والدليل على أنه سعدوا أن الأول شقوا ولم يقل أشقوا . قال
النحاس : ورأيت
علي بن سليمان يتعجب من قراءة
الكسائي سعدوا مع علمه بالعربية ! إذ كان هذا لحنا لا يجوز ; لأنه إنما يقال : سعد فلان وأسعده الله ، وأسعد مثل أمرض ; وإنما احتج
الكسائي بقولهم : مسعود ولا حجة له فيه ; لأنه يقال : مكان مسعود فيه ، ثم يحذف فيه ويسمى به . وقال
المهدوي : ومن ضم السين من سعدوا فهو محمول على قولهم : مسعود وهو شاذ قليل ; لأنه لا يقال : سعده الله ; إنما يقال : أسعده الله . وقال
الثعلبي : سعدوا بضم السين أي رزقوا السعادة ; يقال : سعد وأسعد بمعنى واحد وقرأ الباقون " سعدوا " بفتح السين قياسا على
[ ص: 91 ] شقوا واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم . وقال
الجوهري : والسعادة خلاف الشقاوة ; تقول : منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد ، مثل سلم فهو سليم ، وسعد فهو مسعود ; ولا يقال فيه : مسعد ، كأنهم استغنوا عنه بمسعود . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12851القشيري أبو نصر عبد الرحيم : وقد ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسعده الله فهو مسعد ; فهذا يقوي قول الكوفيين وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان ; لأنه مما لا يتعدى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع ; من جذه يجذه أي قطعه ; قال
النابغة :
تجذ السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فلا تك جزم بالنهي ; وحذفت النون لكثرة الاستعمال .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109في مرية أي في شك .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109مما يعبد هؤلاء من الآلهة أنها باطل . وأحسن من هذا : أي قل يا
محمد لكل من شك لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء أن الله - عز وجل - ما أمرهم به ، وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص فيه ثلاثة أقوال : أحدها : نصيبهم من الرزق ; قاله
أبو العالية . الثاني : نصيبهم من العذاب ; قاله
ابن زيد . الثالث : ما وعدوا به من خير أو شر ، قاله
ابن عباس - رضي الله عنهما - .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [ ص: 84 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ " ذَلِكَ " رُفِعَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ ، أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ . وَإِنْ شِئْتَ بِالِابْتِدَاءِ ; وَالْمَعْنَى : ذَلِكَ النَّبَأُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ قَالَ
قَتَادَةُ : الْقَائِمُ مَا كَانَ خَاوِيًا عَلَى عُرُوشِهِ ، وَالْحَصِيدُ مَا لَا أَثَرَ لَهُ . وَقِيلَ : الْقَائِمُ الْعَامِرُ ، وَالْحَصِيدُ الْخَرَابُ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ : وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : قَائِمٌ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، وَحَصِيدٌ مُسْتَأْصَلٌ ; يَعْنِي مَحْصُودًا كَالزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
وَالنَّاسُ فِي قَسْمِ الْمَنِيَّةِ بَيْنَهُمْ كَالزَّرْعِ مِنْهُ قَائِمٌ وَحَصِيدُ
وَقَالَ آخَرُ :
إِنَّمَا نَحْنُ مِثْلُ خَامَةِ زَرْعٍ فَمَتَى يَأْنِ يَأْتِ مُحْتَصِدُهْ
قَالَ
الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ : حَصِيدٌ أَيْ مَحْصُودٌ ، وَجَمْعُهُ حَصْدَى وَحِصَادٌ مِثْلَ مَرْضَى وَمِرَاضٍ ; قَالَ : يَكُونُ فِيمَنْ يَعْقِلُ حَصْدَى ، مِثْلِ قَتِيلِ وَقَتْلَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ أَصْلُ الظُّلْمِ فِي اللُّغَةِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَةِ " مُسْتَوْفًى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ : ظَلَمَ إِيَّاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101فَمَا أَغْنَتْ أَيْ دَفَعَتْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ، أَيِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ ; أَيْ يَدْعُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ أَيْ غَيْرَ تَخْسِيرٍ ; قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ . وَقَالَ
لَبِيَدٌ :
فَلَقَدْ بَلِيتُ وَكُلُّ صَاحِبِ جِدَّةٍ لِبِلًى يَعُودُ وَذَاكُمُ التَّتْبِيبُ
وَالتَّبَابُ الْهَلَاكُ وَالْخُسْرَانُ ; وَفِيهِ إِضْمَارٌ ; أَيْ مَا زَادَتْهُمْ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ ; أَيْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهَا قَدْ خَسَّرَتْهُمْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28982قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى أَيْ كَمَا أَخَذَ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ
لِنُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْقُرَى الظَّالِمَةِ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16258وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " وَكَذَلِكَ أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ أَخَذَ الْقُرَى " وَعَنِ
الْجَحْدَرِيِّ أَيْضًا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ كَالْجَمَاعَةِ " إِذْ أَخَذَ الْقُرَى " . قَالَ
الْمَهْدَوِيُّ مَنْ قَرَأَ : " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذْ أَخَذَ " فَهُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا جَاءَتْ
[ ص: 85 ] بِهِ الْعَادَةُ فِي إِهْلَاكِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ ; وَالْمَعْنَى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ مَنْ أَخَذَهُ مِنَ الْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ إِذْ أَخَذَهُمْ . وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ ; وَالْمَعْنَى : كَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ مَنْ أَرَادَ إِهْلَاكَهُ مَتَى أَخَذَهُ ; فَإِذْ لِمَا مَضَى ; أَيْ حِينَ أَخَذَ الْقُرَى ; وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وَهِيَ ظَالِمَةٌ أَيْ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ; فَحُذِفَ الْمُضَافُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ أَيْ عُقُوبَتَهُ لِأَهْلِ الشِّرْكِ مُوجِعَةٌ غَلِيظَةٌ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835250إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى الْآيَةَ . قَالَ
أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً أَيْ لَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ .
" مَجْمُوعٌ " مِنْ نَعْتِهِ .
" لَهُ النَّاسُ " اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ; وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ مَجْمُوعُونَ ، فَإِنْ قَدَّرْتَ ارْتِفَاعَ النَّاسِ بِالِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103مَجْمُوعٌ لَهُ فَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ : مَجْمُوعُونَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ; لِأَنَّ " لَهُ " يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ . وَالْجَمْعُ الْحَشْرُ ، أَيْ يُحْشَرُونَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ أَيْ يَشْهَدُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ; وَيَشْهَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنَ الِاسْمَيْنِ مَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ وَبَيَّنَّاهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104وَمَا نُؤَخِّرُهُ أَيْ مَا نُؤَخِّرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=104إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أَيْ لِأَجَلٍ سَبَقَ بِهِ قَضَاؤُنَا ، وَهُوَ مَعْدُودٌ عِنْدَنَا .
يَوْمَ يَأْتِي وَقُرِئَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يَوْمَ يَأْتِ لِأَنَّ الْيَاءَ تُحْذَفُ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ; تَقُولُ : لَا أَدْرِ ; ذَكَرَهُ
الْقُشَيْرِيُّ . قَالَ
النَّحَّاسُ : قَرَأَهُ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْإِدْرَاجِ ; وَحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ ، وَرُوِيَ أَنَّ
أُبَيًّا nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنَ مَسْعُودٍ قَرَآ " يَوْمَ يَأْتِي " بِالْيَاءِ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ . وَقَرَأَ
الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ " يَوْمَ يَأْتِ " بِغَيْرِ يَاءٍ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12940أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ : الْوَجْهُ فِي هَذَا أَلَّا يُوقَفَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُوصَلَ بِالْيَاءِ ; لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ النَّحْوِيِّينَ قَالُوا : لَا تُحْذَفُ الْيَاءُ ، وَلَا يُجْزَمُ الشَّيْءُ بِغَيْرِ جَازِمٍ ; فَأَمَّا الْوَقْفُ بِغَيْرِ يَاءٍ فَفِيهِ قَوْلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=15080لِلْكِسَائِيِّ ; قَالَ : لِأَنَّ الْفِعْلَ السَّالِمَ يُوقَفُ عَلَيْهِ كَالْمَجْزُومِ ، فَحَذَفَ الْيَاءَ ، كَمَا تُحْذَفُ الضَّمَّةُ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ فَقَدِ احْتَجَّ
أَبُو عُبَيْدٍ لِحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ بِحُجَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ
[ ص: 86 ] فِي الْإِمَامِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ إِنَّهُ مُصْحَفُ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِغَيْرِ يَاءٍ . وَالْحُجَّةُ الْأُخْرَى : أَنَّهُ حَكَى أَنَّهَا لُغَةُ
هُذَيْلٍ ; تَقُولُ : مَا أَدْرِ ; قَالَ
النَّحَّاسُ : أَمَّا حُجَّتُهُ بِمُصْحَفِ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَيْءٌ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; قَالَ
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : سَأَلْتُ عَنْ مُصْحَفِ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ لِي ذَهَبَ ; وَأَمَّا حُجَّتُهُ بِقَوْلِهِمْ : " مَا أَدْرِ " فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَذْفَ قَدْ حَكَاهُ النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاءُ ، وَذَكَرُوا عِلَّتَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ . وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ فِي حَذْفِ الْيَاءِ .
كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمًا جُودًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
أَيْ تُعْطِي . وَقَدْ حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلُ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : لَا أَدْرِ ، فَتَحْذِفُ الْيَاءَ وَتَجْتَزِئُ بِالْكَسْرَةِ ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَالْأَجْوَدُ فِي النَّحْوِ إِثْبَاتُ الْيَاءِ ; قَالَ : وَالَّذِي أَرَاهُ اتِّبَاعَ الْمُصْحَفِ وَإِجْمَاعَ الْقُرَّاءِ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ ; وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ الْأَصْلُ تَتَكَلَّمُ ; حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا . وَفِيهِ إِضْمَارٌ ; أَيْ لَا تَتَكَلَّمُ فِيهِ نَفْسٌ إِلَّا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّهُمْ مُلْجَئُونَ إِلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَكَلَّمُ بِحُجَّةٍ وَلَا شَفَاعَةٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ وَقْتًا يُمْنَعُونَ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ إِلَّا بِإِذْنِهِ . وَهَذِهِ الْآيَةُ أَكْثَرُ مَا يَسْأَلُ عَنْهَا أَهْلُ الْإِلْحَادِ فِي الدِّينِ فَيَقُولُ لِمَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذِكْرِ الْقِيَامَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=111يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ . وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ تَجِبُ لَهُمْ وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ بِالْإِقْرَارِ بِذُنُوبِهِمْ ، وَلَوْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَطَرْحِ بَعْضِهِمُ الذُّنُوبَ عَلَى بَعْضٍ ; فَأَمَّا التَّكَلُّمُ وَالنُّطْقُ بِحُجَّةٍ لَهُمْ فَلَا ; وَهَذَا كَمَا تَقُولُ لِلَّذِي يُخَاطِبُكَ كَثِيرًا ، وَخِطَابُهُ فَارِغٌ عَنِ الْحُجَّةِ : مَا تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ ، وَمَا نَطَقْتَ بِشَيْءٍ ، فَسُمِّيَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلَا حُجَّةٍ فِيهِ لَهُ غَيْرَ مُتَكَلِّمٍ . وَقَالَ قَوْمٌ : ذَلِكَ الْيَوْمُ طَوِيلٌ ، وَلَهُ مَوَاطِنُ وَمَوَاقِفُ فِي بَعْضِهَا يُمْنَعُونَ مِنَ الْكَلَامِ ، وَفِي بَعْضِهَا يُطْلَقُ لَهُمُ الْكَلَامُ ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ أَيْ مِنَ الْأَنْفُسِ ، أَوْ مِنَ النَّاسِ ; وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ . وَالشَّقِيُّ الَّذِي كُتِبَتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ . وَالسَّعِيدُ الَّذِي كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ ; قَالَ
لَبِيَدٌ :
[ ص: 87 ] فَمِنْهُمْ سَعِيدٌ آخِذٌ بِنَصِيبِهِ وَمِنْهُمْ شَقِيٌّ بِالْمَعِيشَةِ قَانِعُ
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=835251لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَعَلَامَ نَعْمَلُ ؟ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : بَلْ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ يَا عُمَرُ وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ . قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْأَعْرَافِ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا ابْتِدَاءٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَفِي النَّارِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، وَكَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : الزَّفِيرُ مِنَ الصَّدْرِ . وَالشَّهِيقُ مِنَ الْحَلْقِ ; وَعَنْهُ أَيْضًا ضِدُّ ذَلِكَ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : الزَّفِيرُ مِنْ شِدَّةِ الْأَنِينِ ، وَالشَّهِيقُ مِنَ الْأَنِينِ الْمُرْتَفِعِ جِدًّا ; قَالَ : وَزَعَمَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الزَّفِيرَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ صَوْتِ الْحَمِيرِ فِي النَّهِيقِ ، وَالشَّهِيقَ بِمَنْزِلَةِ آخِرِ صَوْتِ الْحِمَارِ فِي النَّهِيقِ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَكْسَهُ ; قَالَ : الزَّفِيرُ الصَّوْتُ الشَّدِيدِ ، وَالشَّهِيقُ الصَّوْتُ الضَّعِيفُ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ : الزَّفِيرُ مِثْلُ أَوَّلِ نَهِيقِ الْحِمَارِ ، وَالشَّهِيقُ مِثْلُ آخِرِهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَوْتِهِ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
حَشْرَجَ فِي الْجَوْفِ سَحِيلًا أَوْ شَهَقْ حَتَّى يُقَالَ نَاهِقٌ وَمَا نَهَقْ
وَقِيلَ : الزَّفِيرُ إِخْرَاجُ النَّفَسِ ، وَهُوَ أَنْ يَمْتَلِئَ الْجَوْفُ غَمًّا فَيَخْرُجُ بِالنَّفَسِ ، وَالشَّهِيقُ رَدُّ النَّفَسِ وَقِيلَ : الزَّفِيرُ تَرْدِيدُ النَّفَسِ مِنْ شِدَّةِ الْحُزْنِ ; مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّفْرِ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الظَّهْرِ لِشِدَّتِهِ ; وَالشَّهِيقُ النَّفَسُ الطَّوِيلُ الْمُمْتَدُّ ; مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : جَبَلٌ شَاهِقٌ ; أَيْ طَوِيلٌ . وَالزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ مِنْ أَصْوَاتِ الْمَحْزُونِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28982قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مَا دَامَتْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ ; أَيْ دَوَامَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَقْتَ ذَلِكَ . وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ
الضَّحَّاكُ : الْمَعْنَى مَا دَامَتْ سَمَاوَاتُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَرْضُهُمَا ، وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ ، وَالْأَرْضُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَدَمُكَ ; وَفِي التَّنْزِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ . وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ الْمَعْهُودَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَجْرَى ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ دَوَامِ الشَّيْءِ وَتَأْبِيدِهِ ; كَقَوْلِهِمْ : لَا آتِيكَ مَا جَنَّ لَيْلٌ ، أَوْ سَالَ سَيْلٌ ، وَمَا
[ ص: 88 ] اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَمَا نَاحَ الْحَمَامُ ، وَمَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يُرِيدُونَ بِهِ طُولًا مِنْ غَيْرِ نِهَايَةٍ ; فَأَفْهَمَهُمُ اللَّهُ تَخْلِيدَ الْكَفَرَةِ بِذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ بِزَوَالِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ أَصْلُهَا مِنْ نُورِ الْعَرْشِ ، وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي الْآخِرَةِ تُرَدَّانِ إِلَى النُّورِ الَّذِي أُخِذَتَا مِنْهُ ; فَهُمَا دَائِمَتَانِ أَبَدًا فِي نُورِ الْعَرْشِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ ; وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ عَشَرَةٍ : الْأُولَى : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَفِي النَّارِ كَأَنَّهُ قَالَ : إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ تَأْخِيرِ قَوْمٍ عَنْ ذَلِكَ ; وَهَذَا قَوْلٌ رَوَاهُ
أَبُو نَضْرَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - . وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ مَنْ شَاءَ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَدَدُ لَا الْأَشْخَاصُ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مَا طَابَ لَكُمْ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12179أَبِي نَضْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَنْ شَاءَ أَلَّا يُدْخِلَهُمْ وَإِنْ شَقُوا بِالْمَعْصِيَةِ . الثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِلْعُصَاةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْرَاجِهِمْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ النَّارِ ; وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا عَامًّا فِي الْكَفَرَةِ وَالْعُصَاةِ ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ " خَالِدِينَ " ; قَالَهُ
قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو سِنَانٍ وَغَيْرُهُمْ . وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839316يَدْخُلُ نَاسٌ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا صَارُوا كَالْحُمَمَةِ أُخْرِجُوا مِنْهَا وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ فَيُقَالُ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " النِّسَاءِ " وَغَيْرِهَا . الثَّالِثُ : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ ; أَيْ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ ، وَكَذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ مَا ذُكِرَ ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ . حَكَاهُ
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . الرَّابِعُ : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا ، وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ النَّارَ فَتَأْكُلُهُمْ وَتُفْنِيَهُمْ ، ثُمَّ يُجَدِّدُ خَلْقَهُمْ . قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ خَاصٌّ بِالْكَافِرِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَهُ فِي الْأَكْلِ ، وَتَجْدِيدِ الْخَلْقِ . الْخَامِسُ : أَنَّ إِلَّا بِمَعْنَى " سِوَى " كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ : مَا مَعِي رَجُلٌ إِلَّا زَيْدٌ ، وَلِي عَلَيْكَ أَلْفَا دِرْهَمٍ إِلَّا الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْكَ . قِيلَ : فَالْمَعْنَى مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ سِوَى مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الْخُلُودِ . السَّادِسُ : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْإِخْرَاجِ ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْهَا . كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ : أَرَدْتُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ أَشَاءَ غَيْرَهُ ، وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ; فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ
[ ص: 89 ] شَاءَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ لَأَخْرَجَهُمْ ; وَلَكِنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ
الزَّجَّاجُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، قَالَ : وَلِأَهْلِ الْمَعَانِي قَوْلَانِ آخَرَانِ ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ مِقْدَارِ مَوْقِفِهِمْ عَلَى رَأْسِ قُبُورِهِمْ ، وَلِلْمُحَاسَبَةِ ، وَقَدْرِ مُكْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَالْبَرْزَخِ ، وَالْوُقُوفِ لِلْحِسَابِ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ : وُقُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ ، وَتَقْدِيرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ زِيَادَةِ النَّعِيمِ لِأَهْلِ النَّعِيمِ ، وَزِيَادَةِ الْعَذَابِ لِأَهْلِ الْجَحِيمِ . قُلْتُ : فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الزِّيَادَةِ مِنَ الْخُلُودِ عَلَى مُدَّةِ كَوْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْمَعْهُودَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14155التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، أَيْ خَالِدِينَ فِيهَا مِقْدَارَ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَذَلِكَ مُدَّةُ الْعَالَمِ ، وَلِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقْتٌ يَتَغَيَّرَانِ فِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فَخَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْآدَمِيِّينَ وَعَامَلَهُمْ ، وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَنْفُسَهَمْ وَأَمْوَالَهَمْ بِالْجَنَّةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ بَايَعَهُمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ ، فَمَنْ وَفَّى بِذَلِكَ الْعَهْدِ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ ذَهَبَ بِرَقَبَتِهِ يَخْلُدُ فِي النَّارِ بِمِقْدَارِ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; فَإِنَّمَا دَامَتَا لِلْمُعَامَلَةِ ; وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فِي الْجَنَّةِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ ; فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ وَقَعَ الْجَمِيعُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ فَيَخْلُدُ أَهْلُ الدَّارَيْنِ بِمِقْدَارِ دَوَامِهِمَا ، وَهُوَ حَقُّ الرُّبُوبِيَّةِ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنَ الْعَظَمَةِ ; ثُمَّ أَوْجَبَ لَهُمُ الْأَبَدَ فِي كِلْتَا الدَّارَيْنِ لِحَقِّ الْأَحَدِيَّةِ ; فَمَنْ لَقِيَهُ مُوَحِّدًا لِأَحَدِيَّتِهِ بَقِيَ فِي دَارِهِ أَبَدًا ، وَمَنْ لَقِيَهُ مُشْرِكًا بِأَحَدِيَّتِهِ إِلَهًا بَقِيَ فِي السِّجْنِ أَبَدًا ; فَأَعْلَمَ اللَّهُ الْعِبَادَ مِقْدَارَ الْخُلُودِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَعْجَزُ الْقُلُوبُ عَنْ إِدْرَاكِهَا لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهَا ; فَبِالِاعْتِقَادِ دَامَ خُلُودُهُمْ فِي الدَّارَيْنِ أَبَدًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ وَبَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ وَهُوَ الثَّامِنُ : وَالْمَعْنَى : وَمَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْخُلُودِ عَلَى مُدَّةِ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
أَيْ وَالْفَرْقَدَانِ . وَقَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ : وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ عِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ أَنْ تَكُونَ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ ، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَةِ بَيَانُهُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كَمَا شَاءَ رَبُّكَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ أَيْ كَمَا قَدْ سَلَفَ ، وَهُوَ : التَّاسِعُ ،
[ ص: 90 ] الْعَاشِرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي كُلِّ كَلَامٍ ; فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ فِي وَاجِبٍ ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ شَاءَ رَبُّكَ ; فَلَيْسَ يُوصَفُ بِمُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ ; وَيُؤَيِّدُهُ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وَنَحْوُهُ عَنْ
أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ : تَقَدَّمَتْ عَزِيمَةُ الْمَشِيئَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُلُودِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ ; فَوَقَعَ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَالْعَزِيمَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْخُلُودِ ، قَالَ : وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهُ حَتْمًا ، فَلَمْ يُوجِبِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِيَارًا ; إِذِ الْمَشِيئَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ ، بِالْعَزِيمَةِ فِي الْخُلُودِ فِي الدَّارَيْنِ وَالدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; وَنَحْوُهُ عَنِ
الْفَرَّاءِ . وَقَوْلٌ - حَادِيَ عَشَرَ - : وَهُوَ أَنَّ الْأَشْقِيَاءَ هُمُ السُّعَدَاءُ ، وَالسُّعَدَاءُ هُمُ الْأَشْقِيَاءُ لَا غَيْرُهُمْ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ ; وَبَيَانُهُ أَنَّ " مَا " بِمَعْنَى " مَنْ " ، اسْتَثْنَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا الَّذِينَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّةِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ . وَهُمُ الَّذِينَ وَقَعَ عَلَيْهِمُ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي ; كَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ أَلَّا يُخَلِّدَهُ فِيهَا ، وَهُمُ الْخَارِجُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِيمَانِهِمْ وَبِشَفَاعَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَهُمْ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ يُسَمَّوْنَ الْأَشْقِيَاءَ ، وَبِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ يُسَمَّوْنَ السُّعَدَاءَ ; كَمَا رَوَى
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ : الَّذِينَ سَعِدُوا شَقُوا بِدُخُولِ النَّارِ ثُمَّ سَعِدُوا بِالْخُرُوجِ مِنْهَا وَدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ . وَقَرَأَ
الْأَعْمَشُ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بِضَمِّ السِّينِ . وَقَالَ
أَبُو عَمْرٍو : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سَعِدُوا أَنَّ الْأَوَّلَ شَقُوا وَلَمْ يَقُلْ أُشْقُوا . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَرَأَيْتُ
عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ قِرَاءَةِ
الْكِسَائِيِّ سُعِدُوا مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ ! إِذْ كَانَ هَذَا لَحْنًا لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ : سَعِدَ فُلَانٌ وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ ، وَأَسْعَدَ مِثْلُ أَمْرَضَ ; وَإِنَّمَا احْتَجَّ
الْكِسَائِيُّ بِقَوْلِهِمْ : مَسْعُودٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ : مَكَانٌ مَسْعُودٌ فِيهِ ، ثُمَّ يُحْذَفُ فِيهِ وَيُسَمَّى بِهِ . وَقَالَ
الْمَهْدَوِيُّ : وَمَنْ ضَمَّ السِّينَ مِنْ سُعِدُوا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهِمْ : مَسْعُودٌ وَهُوَ شَاذٌّ قَلِيلٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : سَعِدَهُ اللَّهُ ; إِنَّمَا يُقَالُ : أَسْعَدَهُ اللَّهُ . وَقَالَ
الثَّعْلَبِيُّ : سُعِدُوا بِضَمِّ السِّينِ أَيْ رُزِقُوا السَّعَادَةَ ; يُقَالُ : سَعِدَ وَأَسْعَدَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " سَعِدُوا " بِفَتْحِ السِّينِ قِيَاسًا عَلَى
[ ص: 91 ] شَقُوا وَاخْتَارَهُ
أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ . وَقَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : وَالسَّعَادَةُ خِلَافُ الشَّقَاوَةِ ; تَقُولُ : مِنْهُ سَعِدَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ سَعِيدٌ ، مِثْلُ سَلِمَ فَهُوَ سَلِيمٌ ، وَسَعِدَ فَهُوَ مَسْعُودٌ ; وَلَا يُقَالُ فِيهِ : مُسْعَدٌ ، كَأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِمَسْعُودٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12851الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ : وَقَدْ وَرَدَ سَعِدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مَسْعُودٌ ، وَأَسْعَدَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُسْعَدٌ ; فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : لَا يُقَالُ سَعِدَ فُلَانٌ كَمَا لَا يُقَالُ شَقِيَ فُلَانٌ ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَعَدَّى .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ ; مِنْ جَذَّهُ يَجُذُّهُ أَيْ قَطَعَهُ ; قَالَ
النَّابِغَةُ :
تَجُذُّ السَّلُوقِيَّ الْمُضَاعَفَ نَسْجُهُ وَتُوقِدُ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فَلَا تَكُ جَزْمٌ بِالنَّهْيِ ; وَحُذِفَتِ النُّونُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109فِي مِرْيَةٍ أَيْ فِي شَكٍّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْآلِهَةِ أَنَّهَا بَاطِلٌ . وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا : أَيْ قُلْ يَا
مُحَمَّدُ لِكُلِّ مَنْ شَكَّ لَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْبُدُونَهَا كَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ تَقْلِيدًا لَهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=109وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : نَصِيبُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ ; قَالَهُ
أَبُو الْعَالِيَةِ . الثَّانِي : نَصِيبُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ; قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ . الثَّالِثُ : مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .