إذا ثبت هذا فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28752المعجزات على ضربين : الأول : ما اشتهر نقله وانقرض عصره بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - . والثاني : ما تواترت الأخبار بصحته وحصوله ، واستفاضت بثبوته ووجوده ، ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة ; ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقا كثيرا وجما غفيرا ، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علما ضروريا ، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد ،
[ ص: 73 ] حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب ; وهذه صفة نقل القرآن ، ونقل وجود النبي عليه الصلاة والسلام ، لأن الأمة رضي الله عنها لم تزل تنقل القرآن خلفا عن سلف والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي عليه السلام المعلوم وجوده بالضرورة ، وصدقه بالأدلة المعجزات ; والرسول أخذه عن
جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل ، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان ، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه ، لكثرة العدد ، ولذلك وقع لنا العلم الضروري بصدقهم فيما نقلوه من وجود
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ظهور القرآن على يديه وتحديه به . ونظير ذلك من علم الدنيا علم الإنسان بما نقل إليه من وجود البلدان ،
كالبصرة والشام والعراق وخراسان والمدينة ومكة ، وأشباه ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة المتواترة ; فالقرآن معجزة نبينا - صلى الله عليه وسلم - الباقية بعده إلى يوم القيامة ، ومعجزة كل نبي انقرضت بانقراضه ، أو دخلها التبديل والتغيير ، كالتوراة والإنجيل .
nindex.php?page=treesubj&link=28741ووجوه إعجاز القرآن الكريم عشرة :
منها :
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28741_32234النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها ; لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء وكذلك قال رب العزة الذي تولى نظمه :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له [ يس : 69 ] وفي صحيح مسلم أن
أنيسا أخا أبي ذر قال
لأبي ذر : لقيت رجلا
بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله ; قلت : فما يقول الناس ؟ قال يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر ; وكان أنيس أحد الشعراء قال
أنيس : لقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون . وكذلك أقر
عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر لما قرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حم " فصلت ، على ما يأتي بيانه هنالك ; فإذا اعترف
عتبة على موضعه من اللسان وموضعه من الفصاحة والبلاغة ، بأنه ما سمع مثل القرآن قط كان في هذا القول مقرا بإعجاز القرآن له ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه .
ومنها : الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32450_28741الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال وتأمل ذلك في سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن المجيد [ ق : 1 ] إلى آخرها ، وقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة [ الزمر : 67 ] إلى آخر السورة ، وكذلك قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون [ إبراهيم : 42 ] إلى آخر السورة . قال
ابن الحصار : فمن علم أن الله سبحانه وتعالى هو الحق ، علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره ; ولا يصح من أعظم ملوك الدنيا أن يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لمن الملك اليوم [ غافر : 16 ] ، ولا أن يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=13ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء [ الرعد : 42 ] .
قال
ابن الحصار : وهذه الثلاثة من النظم ، والأسلوب ، والجزالة ، لازمة كل سورة ، بل هي
[ ص: 74 ] لازمة كل آية ; وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر ; وبها وقع التحدي والتعجيز ، ومع هذا فكل سورة تنفرد بهذه الثلاثة ، من غير أن ينضاف إليها أمر آخر من الوجوه العشرة ; فهذه سورة " الكوثر " ثلاث آيات قصار ، وهي أقصر سورة في القرآن ، وقد تضمنت الإخبار عن مغيبين : أحدهما : الإخبار عن الكوثر وعظمه وسعته وكثرة أوانيه ، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرسل . والثاني : الإخبار عن
الوليد بن المغيرة ، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد ، على ما يقتضيه قوله الحق :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا [ المدثر : 11 - 14 ] ثم أهلك الله - سبحانه - ماله وولده ; وانقطع نسله .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28741التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي ; حتى يقع منهم الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=32448_28741الإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا إلى وقت نزوله من أمي ما كان يتلو من قبله من كتاب ، ولا يخطه بيمينه ; فأخبر بما كان من قصص الأنبياء مع أممها ، والقرون الخالية في دهرها وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه ، وتحدوه به من قصة
أهل الكهف ، وشأن
موسى والخضر عليهما السلام ، وحال
nindex.php?page=showalam&ids=15873ذي القرنين ; فجاءهم وهو أمي من أمة أمية ، ليس لها بذلك علم بما عرفوا من الكتب السالفة صحته ; فتحققوا صدقه .
قال
القاضي ابن الطيب : - ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن تعلم ; وإذ كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار ، وحملة الأخبار ، ولا مترددا إلى المتعلم منهم ، ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ; علما أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي .
ومنها : الوفاء بالوعد ، المدرك بالحس في العيان ، في كل ما وعد الله سبحانه ; وينقسم : إلى أخباره المطلقة ، كوعده بنصر رسوله عليه السلام ، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه . وإلى وعد مقيد بشرط ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3ومن يتوكل على الله فهو حسبه [ الطلاق : 3 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11ومن يؤمن بالله يهد قلبه [ التغابن : 11 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا [ الطلاق : 3 ] و
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين [ الأنفال : 65 ] وشبه ذلك .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=28741_18626الإخبار عن المغيبات في المستقبل التي لا يطلع عليها إلا بالوحي ; فمن ذلك : ما وعد الله نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق [ التوبة : 33 ] الآية . ففعل ذلك . وكان
أبو بكر رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه ، ليثقوا بالنصر ، وليستيقنوا بالنجح ، وكان عمر يفعل ذلك ; فلم يزل الفتح يتوالى شرقا وغربا ، برا وبحرا ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم [ النور : 55 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] . وقال :
[ ص: 75 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [ الأنفال : 7 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ الروم : 1 - 3 ] . فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين ، أو من أوقفه عليها رب العالمين ، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله لتكون دلالة على صدقه .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=28741_32443ما تضمنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام ، في الحلال والحرام ، وفي سائر الأحكام .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=28899الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدمي .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32234التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرا وباطنا من غير اختلاف قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ النساء : 82 ] .
قلت : فهذه عشرة أوجه ذكره علماؤنا رحمة الله عليهم ، ووجه حادي عشر قاله
النظام وبعض
القدرية : أن وجه الإعجاز هو المنع من معارضته ، والصرفة عند التحدي بمثله . وأن المنع والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن ، وذلك أن الله تعالى صرف هممهم عن معارضته مع تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله . وهذا فاسد ، لأن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز ; فلو قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن يكون معجزا ، وذلك خلاف الإجماع ، وإذا كان كذلك علم أن نفس القرآن هو المعجز ، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة ، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه ، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم ، دل على أن المنع والصرفة لم يكن معجزا . واختلف من قال بهذه الصرفة على قولين : أحدهما : أنهم صرفوا عن القدرة عليه ; ولو تعرضوا له لعجزوا عنه . الثاني : أنهم صرفوا عن التعرض له مع كونه في مقدورهم ; ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه .
قال
ابن عطية : ( وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه ، وتوالي فصاحة ألفاظه . ووجه إعجازه : أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحاط بالكلام كله علما ، فعلم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى ، وتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره ، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن محيطا قط ; فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة . وبهذا النظر يبطل قول من قال : إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة ، فلما جاء
محمد - صلى الله عليه وسلم - صرفوا عن ذلك ، وعجزوا عنه . والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ، ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح ، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضع للنظر والبدل ، وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32234_32232فصاحة القرآن أن الله تعالى جل ذكره ، ذكر في آية واحدة أمرين ، ونهيين ، وخبرين ،
[ ص: 76 ] وبشارتين وهو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه [ القصص : 7 ] الآية . وكذلك فاتحة سورة المائدة : أمر بالوفاء ونهي عن النكث ، وحلل تحليلا عاما ، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ، ثم أخبر عن حكمته وقدرته ، وذلك مما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه ، وأنبأ سبحانه عن الموت ، وحسرة الفوت ، والدار الآخرة وثوابها وعقابها ، وفوز الفائزين ، وتردي المجرمين ، والتحذير من الاغترار بالدنيا ، ووصفها بالقلة بالإضافة إلى دار البقاء بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [ آل عمران : 185 ] الآية . وأنبأ أيضا عن قصص الأولين والآخرين ومآل المترفين ، وعواقب المهلكين ، في شطر آية وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا . وأنبأ جل وعز عن أمر السفينة وإجرائها وإهلاك الكفرة ، واستقرار السفينة واستوائها ، وتوجيه أوامر التسخير إلى الأرض والسماء بقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها [ هود : 41 ] إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل بعدا للقوم الظالمين [ هود : 44 ] إلى غير ذلك .
فلما عجزت
قريش عن الإتيان بمثله وقالت : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقوله أنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=33أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [ الطور : 33 - 34 ] . ثم أنزل تعجيزا ; أبلغ من ذلك فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=13أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ هود : 13 ] . فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار ، إلى مثل سورة من السور القصار ; فقال جل ذكره :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله [ البقرة : 23 ] . فأفحموا عن الجواب ، وتقطعت بهم الأسباب ، وعدلوا إلى الحروب والعناد ، وآثروا سبي الحريم والأولاد ، ولو قدروا على المعارضة لكان أهون كثيرا ، وأبلغ في الحجة وأشد تأثيرا . هذا مع كونهم أرباب البلاغة واللحن . وعنهم تؤخذ الفصاحة واللسن .
فبلاغة القرآن في أعلى طبقات الإحسان ، وأرفع درجات الإيجاز والبيان ; بل تجاوزت حد الإحسان والإجادة إلى حيز الإرباء والزيادة . هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما أوتي من جوامع الكلم ، واختص به من غرائب الحكم ; إذا تأملت قوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الجنان ، وإن كان في نهاية الإحسان ، وجدته منحطا عن رتبة القرآن ; وذلك في قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830051فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فأين ذلك من قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين [ الزخرف : 71 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] . هذا أعدل وزنا ، وأحسن تركيبا ، وأعذب لفظا ، وأقل حروفا ; على أنه لا يعتبر إلا في مقدار سورة أو أطول آية ، لأن الكلام كلما طال اتسع فيه مجال المتصرف ، وضاق المقال على القاصر المتكلف ; وبهذا قامت الحجة على العرب ، إذ كانوا أرباب الفصاحة ، ومظنة المعارضة ; كما قامت الحجة في
[ ص: 77 ] معجزة
عيسى عليه السلام على الأطباء ، ومعجزة
موسى عليه السلام على السحرة ; فإن الله سبحانه إنما جعل معجزات الأنبياء عليهم السلام بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أراد إظهاره ; فكان السحر في زمان
موسى عليه السلام قد انتهى إلى غايته ; وكذلك الطب في زمن
عيسى عليه السلام ، والفصاحة في زمن -
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28752الْمُعْجِزَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : الْأَوَّلُ : مَا اشْتَهَرَ نَقْلُهُ وَانْقَرَضَ عَصْرُهُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَالثَّانِي : مَا تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِصِحَّتِهِ وَحُصُولِهِ ، وَاسْتَفَاضَتْ بِثُبُوتِهِ وَوُجُودِهِ ، وَوَقَعَ لِسَامِعِهَا الْعِلْمُ بِذَلِكَ ضَرُورَةً ; وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُونَ لَهُ خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا ، وَأَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا نَقَلُوهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا ، وَأَنْ يَسْتَوِيَ فِي النَّقْلِ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ وَوَسَطُهُمْ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ ،
[ ص: 73 ] حَتَّى يَسْتَحِيلَ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ ; وَهَذِهِ صِفَةُ نَقْلِ الْقُرْآنِ ، وَنَقْلِ وُجُودِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَزَلْ تَنْقِلُ الْقُرْآنَ خَلَفًا عَنْ سَلَفِ وَالسَّلَفُ عَنْ سَلَفِهِ إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَعْلُومِ وَجُودُهُ بِالضَّرُورَةِ ، وَصِدْقُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُعْجِزَاتِ ; وَالرَّسُولُ أَخَذَهُ عَنْ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَنَقَلَ الْقُرْآنَ فِي الْأَصْلِ رَسُولَانِ مَعْصُومَانِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، وَنَقَلَهُ إِلَيْنَا بَعْدَهُمْ أَهْلُ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ فِيمَا يَنْقُلُونَهُ وَيَسْمَعُونَهُ ، لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَنَا الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ وُجُودِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمِنْ ظُهُورِ الْقُرْآنِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَحَدِّيهِ بِهِ . وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الدُّنْيَا عِلْمُ الْإِنْسَانِ بِمَا نُقِلَ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِ الْبُلْدَانِ ،
كَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ; فَالْقُرْآنُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَاقِيَةُ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمُعْجِزَةُ كُلِّ نَبِيٍّ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِهِ ، أَوْ دَخَلَهَا التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ ، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28741وَوُجُوهُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَشْرَةٌ :
مِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28741_32234النَّظْمُ الْبَدِيعُ الْمُخَالِفُ لِكُلِّ نَظْمٍ مَعْهُودٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَفِي غَيْرِهَا ; لِأَنَّ نَظْمَهُ لَيْسَ مِنْ نَظْمِ الشِّعْرِ فِي شَيْءٍ وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّ الْعِزَّةِ الَّذِي تَوَلَّى نَظْمَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [ يس : 69 ] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ
أُنَيْسًا أَخَا أَبِي ذَرٍ قَالَ
لِأَبِي ذَرٍ : لَقِيتُ رَجُلًا
بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ; قُلْتُ : فَمَا يَقُولُ النَّاسُ ؟ قَالَ يَقُولُونَ : شَاعِرٌ ، كَاهِنٌ ، سَاحِرٌ ; وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ قَالَ
أُنَيْسٌ : لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَكَذَلِكَ أَقَرَّ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَحَرٍ وَلَا شِعْرٍ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " حم " فُصِّلَتْ ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَالِكَ ; فَإِذَا اعْتَرَفَ
عُتْبَةُ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنَ اللِّسَانِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ ، بِأَنَّهُ مَا سَمِعَ مِثْلَ الْقُرْآنِ قَطُّ كَانَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُقِرًّا بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ لَهُ وَلِضُرَبَائِهِ مِنَ الْمُتَحَقِّقِينَ بِالْفَصَاحَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الْقَوْلِ وَأَنْوَاعِهِ .
وَمِنْهَا : الْأُسْلُوبُ الْمُخَالِفُ لِجَمِيعِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32450_28741الْجَزَالَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ مِنْ مَخْلُوقٍ بِحَالٍ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فِي سُورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ ق : 1 ] إِلَى آخِرِهَا ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ الزُّمُرِ : 67 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [ إِبْرَاهِيمَ : 42 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . قَالَ
ابْنُ الْحَصَّارِ : فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْحَقُّ ، عَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَزَالَةِ لَا تَصِحُّ فِي خِطَابِ غَيْرِهِ ; وَلَا يَصْحُّ مِنْ أَعْظَمِ مُلُوكِ الدُّنْيَا أَنْ يَقُولَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [ غَافِرِ : 16 ] ، وَلَا أَنْ يَقُولَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=13وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [ الرَّعْدِ : 42 ] .
قَالَ
ابْنُ الْحَصَّارِ : وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنَ النَّظْمِ ، وَالْأُسْلُوبِ ، وَالْجَزَالَةِ ، لَازِمَةُ كُلِّ سُورَةٍ ، بَلْ هِيَ
[ ص: 74 ] لَازِمَةُ كُلِّ آيَةٍ ; وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَتَمَيَّزُ مَسْمُوعُ كُلِّ آيَةٍ وَكُلِّ سُورَةٍ عَنْ سَائِرِ كَلَامِ الْبَشَرِ ; وَبِهَا وَقْعُ التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزُ ، وَمَعَ هَذَا فَكُلُّ سُورَةٍ تَنْفَرِدُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَافَ إِلَيْهَا أَمْرٌ آخَرُ مِنَ الْوُجُوهِ الْعَشْرَةِ ; فَهَذِهِ سُورَةُ " الْكَوْثَرِ " ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ ، وَهِيَ أَقْصَرُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ مُغَيَّبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْإِخْبَارُ عَنِ الْكَوْثَرِ وَعِظَمِهِ وَسِعَتِهِ وَكَثْرَةِ أَوَانِيهِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَتْبَاعِ سَائِرِ الرُّسُلِ . وَالثَّانِي : الْإِخْبَارُ عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ذَا مَالٍ وَوَلَدٍ ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ الْحَقُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=11ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا [ الْمُدَّثِّرِ : 11 - 14 ] ثُمَّ أَهْلَكَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مَالَهُ وَوَلَدَهُ ; وَانْقَطَعَ نَسْلُهُ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28741التَّصَرُّفُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَرَبِيٌّ ; حَتَّى يَقَعَ مِنْهُمُ الِاتِّفَاقُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى إِصَابَتِهِ فِي وَضْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَحَرْفٍ مَوْضِعَهُ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=32448_28741الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى وَقْتِ نُزُولِهِ مِنْ أُمِّيٍّ مَا كَانَ يَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ، وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ ; فَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ مِنْ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أُمَمِهَا ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ فِي دَهْرِهَا وَذَكَرَ مَا سَأَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَنْهُ ، وَتَحَدَّوْهُ بِهِ مِنْ قِصَّةِ
أَهْلِ الْكَهْفِ ، وَشَأْنِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَحَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=15873ذِي الْقَرْنَيْنِ ; فَجَاءَهُمْ وَهُوَ أُمِّيٌّ مِنْ أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ ، لَيْسَ لَهَا بِذَلِكَ عِلْمٌ بِمَا عَرَفُوا مِنَ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ صِحَّتَهُ ; فَتَحَقَّقُوا صِدْقَهُ .
قَالَ
الْقَاضِي ابْنُ الطَّيِّبِ : - وَنَحْنُ نَعْلَمُ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا عَنْ تَعَلُّمٍ ; وَإِذْ كَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلَابِسًا لِأَهْلِ الْآثَارِ ، وَحَمَلَةِ الْأَخْبَارِ ، وَلَا مُتَرَدِّدًا إِلَى الْمُتَعَلِّمِ مِنْهُمْ ، وَلَا كَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ فَيَأْخُذُ مِنْهُ ; عِلْمًا أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا بِتَأْيِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ .
وَمِنْهَا : الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ ، الْمُدْرِكِ بِالْحِسِّ فِي الْعَيَانِ ، فِي كُلِّ مَا وَعَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ; وَيَنْقَسِمُ : إِلَى أَخْبَارِهِ الْمُطْلَقَةِ ، كَوَعْدِهِ بِنَصْرِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِخْرَاجِ الَّذِينَ أَخْرَجُوهُ مَنْ وَطَنِهِ . وَإِلَى وَعْدٍ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ الطَّلَاقِ : 3 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=11وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [ التَّغَابُنِ : 11 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [ الطَّلَاقِ : 3 ] وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [ الْأَنْفَالِ : 65 ] وَشِبْهُ ذَلِكَ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28741_18626الْإِخْبَارُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ ; فَمِنْ ذَلِكَ : مَا وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَيُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [ التَّوْبَةِ : 33 ] الْآيَةَ . فَفَعَلَ ذَلِكَ . وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَغْزَى جُيُوشَهُ عَرَّفَهُمْ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ فِي إِظْهَارِ دِينِهِ ، لِيَثِقُوا بِالنَّصْرِ ، وَلِيَسْتَيْقِنُوا بِالنُّجْحِ ، وَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ; فَلَمْ يَزَلِ الْفَتْحُ يَتَوَالَى شَرْقًا وَغَرْبًا ، بَرًّا وَبَحْرًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ النُّورِ : 55 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [ الْفَتْحِ : 27 ] . وَقَالَ :
[ ص: 75 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [ الْأَنْفَالِ : 7 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ : 1 - 3 ] . فَهَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ عَنِ الْغُيُوبِ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَيْهَا إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ ، أَوْ مَنْ أَوْقَفَهُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْقَفَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ لِتَكُونَ دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28741_32443مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ جَمِيعِ الْأَنَامِ ، فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَفِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28899الْحِكَمُ الْبَالِغَةُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ تَصْدُرَ فِي كَثْرَتِهَا وَشَرَفِهَا مِنْ آدَمِيٍّ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32234التَّنَاسُبُ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [ النِّسَاءِ : 82 ] .
قُلْتُ : فَهَذِهِ عَشْرَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَوَجْهٌ حَادِي عَشْرَ قَالَهُ
النَّظَّامُ وَبَعْضُ
الْقَدَرِيَّةِ : أَنَّ وَجْهَ الْإِعْجَازِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ مُعَارَضَتِهِ ، وَالصَّرْفَةُ عِنْدَ التَّحَدِّي بِمِثْلِهِ . وَأَنَّ الْمَنْعَ وَالصَّرْفَةَ هُوَ الْمُعْجِزَةُ دُونَ ذَاتِ الْقُرْآنِ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَ هِمَمَهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ تَحَدِّيهِمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ . وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِأَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ قَبْلَ حُدُوثِ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمُعْجِزُ ; فَلَوْ قُلْنَا إِنَّ الْمَنْعَ وَالصَّرْفَةَ هُوَ الْمُعْجِزُ لَخَرَجَ الْقُرْآنُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزًا ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ نَفْسَ الْقُرْآنِ هُوَ الْمُعْجِزُ ، لِأَنَّ فَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ ، إِذْ لَمْ يُوجَدُ قَطُّ كَلَامٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَلَامُ مَأْلُوفًا مُعْتَادًا مِنْهُمْ ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ وَالصَّرْفَةَ لَمْ يَكُنْ مُعْجِزًا . وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الصَّرْفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ صُرِفُوا عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ; وَلَوْ تَعَرَّضُوا لَهُ لَعَجَزُوا عَنْهُ . الثَّانِي : أَنَّهُمْ صُرِفُوا عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي مَقْدُورِهِمْ ; وَلَوْ تَعَرَّضُوا لَهُ لَجَازَ أَنْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ( وَجْهُ التَّحَدِّي فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ بِنَظْمِهِ وَصِحَّةِ مَعَانِيهِ ، وَتَوَالِي فَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ . وَوَجْهُ إِعْجَازِهِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِمَا ، وَأَحَاطَ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ عِلْمًا ، فَعَلِمَ بِإِحَاطَتِهِ أَيَّ لَفْظَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَلِيَ الْأُولَى ، وَتُبَيِّنَ الْمَعْنَى بَعْدَ الْمَعْنَى ، ثُمَّ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ ، وَالْبَشَرُ مَعَهُمُ الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ وَالذُّهُولُ ، وَمَعْلُومٌ ضَرُورَةً أَنَّ بَشَرًا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا قَطُّ ; فَبِهَذَا جَاءَ نَظْمُ الْقُرْآنِ فِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْفَصَاحَةِ . وَبِهَذَا النَّظَرِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْعَرَبَ كَانَ فِي قُدْرَتِهَا أَنْ تَأْتِيَ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ فِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْفَصَاحَةِ ، فَلَمَّا جَاءَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُرِفُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَعَجَزُوا عَنْهُ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ فِي قُدْرَةِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ، وَيَظْهَرُ لَكَ قُصُورُ الْبَشَرِ فِي أَنَّ الْفَصِيحَ مِنْهُمْ يَضَعُ خُطْبَةً أَوْ قَصِيدَةً يَسْتَفْرِغُ فِيهَا جُهْدَهُ ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يُنَقِّحُهَا حَوْلًا كَامِلًا ، ثُمَّ تُعْطَى لِآخَرَ بَعْدَهُ فَيَأْخُذُهَا بِقَرِيحَةٍ جَامَّةٍ فَيُبَدِّلُ فِيهَا وَيُنَقِّحُ ، ثُمَّ لَا تَزَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا مَوَاضِعُ لِلنَّظَرِ وَالْبَدَلِ ، وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ نُزِعَتْ مِنْهُ لَفْظَةٌ ، ثُمَّ أُدِيرَ لِسَانُ الْعَرَبِ أَنْ يُوجَدَ أَحْسَنَ مِنْهَا لَمْ يُوجِدْ .
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32234_32232فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرِهِ ، ذَكَرَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْرَيْنِ ، وَنَهْيَيْنِ ، وَخَبَرَيْنِ ،
[ ص: 76 ] وَبِشَارَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [ الْقَصَصِ : 7 ] الْآيَةَ . وَكَذَلِكَ فَاتِحَةِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ : أَمْرٌ بِالْوَفَاءِ وَنَهْيٌ عَنِ النَّكْثِ ، وَحَلَّلَ تَحْلِيلًا عَامًا ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً بَعْدَ اسْتِثْنَاءٍ ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ حِكْمَتِهِ وَقَدْرَتِهِ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَأَنْبَأَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمَوْتِ ، وَحَسْرَةِ الْفَوْتِ ، وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَثَوَابِهَا وَعِقَابِهَا ، وَفَوْزِ الْفَائِزِينَ ، وَتَرَدِّي الْمُجْرِمِينَ ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا ، وَوَصْفِهَا بِالْقِلَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى دَارِ الْبَقَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ عِمْرَانَ : 185 ] الْآيَةَ . وَأَنْبَأَ أَيْضًا عَنْ قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَمَآلِ الْمُتْرَفِينَ ، وَعَوَاقِبِ الْمُهْلِكِينَ ، فِي شَطْرِ آيَةٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا . وَأَنْبَأَ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ أَمْرِ السَّفِينَةِ وَإِجْرَائِهَا وَإِهْلَاكِ الْكَفَرَةِ ، وَاسْتِقْرَارِ السَّفِينَةِ وَاسْتِوَائِهَا ، وَتَوْجِيهِ أَوَامِرِ التَّسْخِيرِ إِلَى الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا [ هُودٍ : 41 ] إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ هُودٍ : 44 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
فَلَمَّا عَجَزَتْ
قُرَيْشٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَقَالَتْ : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَوَّلَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=33أُمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنَّ كَانُوا صَادِقِينَ [ الطُّورِ : 33 - 34 ] . ثُمَّ أَنْزَلَ تَعْجِيزًا ; أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=13أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [ هُودٍ : 13 ] . فَلَمَّا عَجَزُوا حَطَّهُمْ عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ ، إِلَى مِثْلِ سُورَةٍ مِنَ السُّورِ الْقِصَارِ ; فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ الْبَقَرَةِ : 23 ] . فَأُفْحِمُوا عَنِ الْجَوَابِ ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ، وَعَدَلُوا إِلَى الْحُرُوبِ وَالْعِنَادِ ، وَآثَرُوا سَبْيَ الْحَرِيمِ وَالْأَوْلَادِ ، وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى الْمُعَارَضَةِ لَكَانَ أَهْوَنَ كَثِيرًا ، وَأَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ وَأَشَدَّ تَأْثِيرًا . هَذَا مَعَ كَوْنِهِمْ أَرْبَابَ الْبَلَاغَةِ وَاللَّحْنِ . وَعَنْهُمْ تُؤْخَذُ الْفَصَاحَةُ وَاللَّسَنُ .
فَبَلَاغَةُ الْقُرْآنِ فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ الْإِحْسَانِ ، وَأَرْفَعِ دَرَجَاتِ الْإِيجَازِ وَالْبَيَانِ ; بَلْ تَجَاوَزَتْ حَدَّ الْإِحْسَانِ وَالْإِجَادَةِ إِلَى حَيِّزِ الْإِرْبَاءِ وَالزِّيَادَةِ . هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا أُوتِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَاخْتُصَّ بِهِ مِنْ غَرَائِبِ الْحِكَمِ ; إِذَا تَأَمَّلْتَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ الْجِنَانِ ، وَإِنْ كَانَ فِي نِهَايَةِ الْإِحْسَانِ ، وَجَدْتَهُ مُنْحَطًّا عَنْ رُتْبَةِ الْقُرْآنِ ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830051فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [ الزُّخْرُفِ : 71 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [ السَّجْدَةِ : 17 ] . هَذَا أَعْدَلُ وَزْنًا ، وَأَحْسَنُ تَرْكِيبًا ، وَأَعْذَبُ لَفَظًا ، وَأَقَلُّ حُرُوفًا ; عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا فِي مِقْدَارِ سُورَةٍ أَوْ أَطْوَلِ آيَةٍ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّمَا طَالَ اتَّسَعَ فِيهِ مَجَالُ الْمُتَصَرِّفِ ، وَضَاقَ الْمَقَالُ عَلَى الْقَاصِرِ الْمُتَكَلِّفِ ; وَبِهَذَا قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَرَبِ ، إِذْ كَانُوا أَرْبَابَ الْفَصَاحَةِ ، وَمَظِنَّةَ الْمُعَارَضَةِ ; كَمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ فِي
[ ص: 77 ] مُعْجِزَةِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْأَطِبَّاءِ ، وَمُعْجِزَةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى السَّحَرَةِ ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالْوَجْهِ الشَّهِيرِ أَبْرَعَ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَرَادَ إِظْهَارَهُ ; فَكَانَ السِّحْرُ فِي زَمَانِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدِ انْتَهَى إِلَى غَايَتِهِ ; وَكَذَلِكَ الطِّبُّ فِي زَمَنِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْفَصَاحَةُ فِي زَمَنِ -
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .