قال اهبطا منها جميعا خطاب قوله تعالى : آدم وإبليس . منها أي من الجنة . وقد قال لإبليس : اخرج منها مذءوما مدحورا فلعله أخرج من الجنة إلى موضع من السماء ، ثم أهبط إلى الأرض . بعضكم لبعض عدو تقدم في ( البقرة ) أي أنت عدو للحية ولإبليس وهما عدوان لك . وهذا يدل على أن قوله : اهبطا ليس خطابا لآدم وحواء ؛ لأنهما ما كانا متعاديين ؛ وتضمن هبوط آدم هبوط حواء . فإما يأتينكم مني هدى أي رشدا وقولا حقا . وقد تقدم في ( البقرة ) . فمن اتبع هداي يعني الرسل والكتب . فلا يضل ولا يشقى قال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وتلا الآية . من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب ، ثم تلا الآية . ومن أعرض عن ذكري أي ديني ، وتلاوة كتابي ، والعمل بما [ ص: 170 ] فيه . وقيل : عما أنزلت من الدلائل . ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول ؛ لأنه كان منه الذكر . فإن له معيشة ضنكا أي عيشا ضيقا ؛ يقال : منزل ضنك وعيش ضنك يستوي فيه الواحد والاثنان والمؤنث والجمع ؛ قال عنترة :
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل
وقال أيضا :
إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وقرئ ( ضنكى ) على وزن فعلى : ومعنى ذلك أن الله - عز وجل - جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته ، فصاحبه ينفق مما رزقه الله - - عز وجل - - بسماح وسهولة ويعيش عيشا رافعا ؛ كما قال الله تعالى : فلنحيينه حياة طيبة . والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا ، مسلط عليه الشح ، الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضنك ، وحاله مظلمة ، كما قال بعضهم : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه ، وكان في عيشة ضنك . وقال عكرمة : ضنكا كسبا حراما . الحسن : طعام الضريع والزقوم . وقول رابع وهو الصحيح أنه عذاب القبر ؛ قاله أبو سعيد الخدري ورواه وعبد الله بن مسعود ، مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرناه في كتاب التذكرة ؛ قال أبو هريرة : أبو هريرة . يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، وهو المعيشة الضنك
ونحشره يوم القيامة أعمى قيل أعمى في حال وبصيرا في حال ؛ وقد تقدم في آخر ( سبحان ) وقيل : أعمى عن الحجة ؛ قاله مجاهد . وقيل : أعمى عن جهات الخير ، لا يهتدي لشيء منها . وقيل : عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه ، كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه . قال رب لم حشرتني أعمى أي بأي ذنب عاقبتني بالعمى . وقد كنت بصيرا أي في الدنيا ، وكأنه يظن أنه لا ذنب له . وقال ابن عباس ومجاهد : أي لم حشرتني أعمى عن حجتي وقد كنت بصيرا أي عالما بحجتي ؛ القشيري : وهو بعيد إذ ما كان للكافر حجة في الدنيا . قال كذلك أتتك آياتنا أي قال الله تعالى له : كذلك أتتك آياتنا أي دلالاتنا على وحدانيتنا وقدرتنا . فنسيتها أي تركتها ولم تنظر فيها ، وأعرضت عنها . وكذلك اليوم تنسى أي تترك في العذاب ؛ يريد جهنم .
[ ص: 171 ] وكذلك نجزي من أسرف أي وكما جزينا من أعرض عن القرآن ، وعن النظر في المصنوعات ، والتفكير فيها ، وجاوز الحد في المعصية . ولم يؤمن بآيات ربه أي لم يصدق بها . ولعذاب الآخرة أشد أي أفظع من المعيشة الضنك ، وعذاب القبر . وأبقى أي أدوم وأثبت ؛ لأنه لا ينقطع ولا ينقضي .