قوله تعالى : وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين أي عبثا وباطلا ؛ بل للتنبيه على أن لها خالقا قادرا يجب امتثال أمره ، وأنه يجازي المسيء والمحسن ؛ أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض الناس بعضا ، ويكفر بعضهم ، ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا ، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن ولا ينهوا عن قبيح . وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة .
قوله تعالى : لو أردنا أن نتخذ لهوا لما اعتقد قوم أن له ولدا قال : لو أردنا أن نتخذ لهوا واللهو المرأة بلغة اليمن ؛ قاله قتادة . وقال عقبة بن أبي جسرة - وجاء طاوس وعطاء ومجاهد يسألونه عن قوله تعالى : لو أردنا أن نتخذ لهوا - فقال : اللهو الزوجة ؛ وقاله [ ص: 186 ] الحسن . وقال ابن عباس : اللهو الولد ؛ وقاله الحسن أيضا . قال الجوهري : وقد يكنى باللهو عن الجماع . قلت : ومنه قول امرئ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
وإنما سمي الجماع لهوا لأنه ملهى للقلب ، كما قال زهير بن أبي سلمى :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
الجوهري : قوله تعالى : لو أردنا أن نتخذ لهوا قالوا امرأة ، ويقال : ولدا . لاتخذناه من لدنا أي من عندنا لا من عندكم . قال : من أهل السماء لا من أهل الأرض . قيل : أراد الرد على من قال إن الأصنام بنات الله ؛ أي كيف يكون منحوتكم ولدا لنا . وقال ابن جريج : الآية رد على ابن قتيبة النصارى . إن كنا فاعلين قال قتادة ومقاتل وابن جريج والحسن : المعنى ما كنا فاعلين ؛ مثل إن أنت إلا نذير أي ما أنت إلا نذير . وإن بمعنى الجحد وتم الكلام عند قوله : لاتخذناه من لدنا . وقيل : إنه على معنى الشرط ؛ أي إن كنا فاعلين ذلك ولكن لسنا بفاعلين ذلك لاستحالة أن يكون لنا ولد ؛ إذ لو كان ذلك لم نخلق جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا . وقيل : لو أردنا أن نتخذ ولدا على طريق التبني لاتخذناه من عندنا من الملائكة . ومال إلى هذا قوم ؛ لأن الإرادة قد تتعلق بالتبني فأما اتخاذ الولد فهو محال ، والإرادة لا تتعلق بالمستحيل ؛ ذكره القشيري .
قوله تعالى : بل نقذف بالحق على الباطل القذف الرمي ؛ أي نرمي بالحق على الباطل . فيدمغه أي يقهره ويهلكه . وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ، ومنه الدامغة . والحق هنا القرآن ، والباطل الشيطان في قول مجاهد ؛ قال : وكل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان . وقيل : الباطل كذبهم ووصفهم الله - عز وجل - بغير صفاته من الولد وغيره . وقيل : أراد بالحق الحجة ، وبالباطل شبههم . وقيل : الحق المواعظ ، والباطل المعاصي ؛ والمعنى متقارب . والقرآن يتضمن الحجة والموعظة . فإذا هو زاهق أي هالك وتالف ؛ قاله قتادة . ولكم الويل أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الله بما لا يجوز وصفه . وقال ابن عباس : الويل واد في جهنم ؛ وقد تقدم . مما تصفون أي مما تكذبون ؛ عن قتادة ومجاهد ؛ [ ص: 187 ] نظيره سيجزيهم وصفهم أي بكذبهم . وقيل : مما تصفون الله به من المحال وهو اتخاذه سبحانه الولد .