النور في كلام العرب : الأضواء المدركة بالبصر . واستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح ؛ فيقال منه : كلام له نور . ومنه : الكتاب المنير ، ومنه قول الشاعر :
نسب كأن عليه من شمس الضحا نورا ومن فلق الصباح عمودا
والناس يقولون : فلان نور البلد ، وشمس العصر وقمره . وقال [ النابغة الذبياني ] :فإنك شمس والملوك كواكب [ إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ]
هلا خصصت من البلاد بمقصد قمر القبائل خالد بن يزيد
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نورها وجمالها
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ؛ فقيل : المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها ، واستقامت أمورها ، وقامت مصنوعاتها . فالكلام على التقريب للذهن ؛ كما يقال : الملك نور أهل البلد ؛ أي به قوام أمرها وصلاح جملتها ؛ لجريان أموره على سنن السداد . فهو في الملك مجاز ، وهو في صفة الله حقيقة محضة ، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نورا هاديا ؛ لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات ، تبارك وتعالى لا رب غيره . قال معناه مجاهد ، وغيرهما . قال والزهري ، ابن عرفة : أي منور السماوات والأرض . وكذا قال الضحاك ، والقرظي . كما يقولون : فلان غياثنا ؛ أي مغيثنا . وفلان زادي ؛ أي مزودي . قال جرير :
وأنت لنا نور وغيث وعصمة ونبت لمن يرجو نداك وريق
قوله تعالى : مثل نوره أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن ؛ والدلائل تسمى نورا . وقد سمى الله تعالى كتابه نورا فقال : وأنزلنا إليكم نورا مبينا وسمى نبيه نورا فقال : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . وهذا لأن الكتاب يهدي ويبين ، وكذلك [ ص: 239 ] الرسول . ووجه الإضافة إلى الله تعالى أنه مثبت الدلالة ، ومبينها ، وواضعها . وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به ، بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة ، وذلك أن يريد مثل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة ، التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس ؛ فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر . والمشكاة الكوة في الحائط غير النافذة ؛ قاله وجمهور المفسرين ، وهي أجمع للضوء ، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها ، وأصلها الوعاء يجعل فيه الشيء . والمشكاة وعاء من أدم كالدلو يبرد فيها الماء ؛ وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة . قال الشاعر : ابن جبير ،
كأن عينيه مشكاتان في حجر قيضا اقتياضا أطراف المناقير
يوقد من شجرة مباركة أي من زيت شجرة ، فحذف المضاف . والمباركة المنماة ؛ والزيتون من أعظم الثمار نماء ، والرمان كذلك . والمعنى يقتضي ذلك . وقول قوله تعالى : أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس :
ليت شعري مسافر بن أبي عمرو وليت يقولها المحزون
بورك الميت الغريب كما بو رك نبع الرمان والزيتون
قوله تعالى : لا شرقية ولا غربية اختلف العلماء في قوله تعالى : لا شرقية ولا غربية فقال ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، وغيرهم : الشرقية التي تصيبها الشمس إذا شرقت ، ولا تصيبها إذا غربت ؛ لأن لها سترا . والغربية عكسها ؛ أي أنها شجرة في صحراء ومنكشف من الأرض لا يواريها عن الشمس شيء وهو أجود لزيتها ، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ، ولا للغرب فتسمى غربية ، بل هي شرقية غربية . وقال الطبري ، عن ابن عباس : إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها ؛ فهي غير منكشفة من جهة الشرق ، ولا من جهة الغرب . قال ابن عطية : وهذا قول لا يصح عن ابن عباس ؛ لأن الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها ، وذلك مشاهد في الوجود . وقال الحسن : ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا ، وإنما هو مثل ضربه الله تعالى لنوره ، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية . الثعلبي : وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا ؛ لأنها بدل من الشجرة ، فقال ( زيتونة ) . وقال ابن زيد : إنها من شجر الشأم ؛ فإن شجر الشأم لا شرقي ولا غربي ، وشجر الشأم هو أفضل الشجر ، وهي الأرض المباركة ، و ( شرقية ) نعت ل ( زيتونة ) و لا ليست تحول بين النعت والمنعوت ، ( ولا غربية ) عطف عليه .
يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار مبالغة في حسنه وصفائه وجودته . قوله تعالى : نور على نور أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور . واعتقلت هذه الأنوار في المشكاة فصارت كأنور ما يكون فكذلك براهين الله تعالى واضحة ، وهي برهان بعد برهان ، وتنبيه بعد تنبيه ؛ كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ، ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر . ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده ، وذكر تفضله للعباد في ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان . وقرأ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، ( الله نور ) بفتح النون والواو المشددة . واختلف المتأولون في عود الضمير في نوره على من يعود ؛ فقال وأبو عبد الرحمن السلمي كعب الأحبار ، [ ص: 241 ] : هو عائد على وابن جبير محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ أي مثل نور محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن الأنباري : الله نور السماوات والأرض وقف حسن ، ثم تبتدئ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح على معنى نور محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال أبي بن كعب ، أيضا ، وابن جبير والضحاك : هو عائد على المؤمنين . وفي قراءة أبي ( مثل نور المؤمنين ) . وروي أن في قراءته ( مثل نور المؤمن ) . وروي أن فيها ( مثل نور من آمن به ) . وقال الحسن : هو عائد على القرآن والإيمان . قال مكي : وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله : ( والأرض ) . قال ابن عطية : وهذه الأقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر ، وفيها مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل ؛ فعلى من قال : الممثل به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول كعب الحبر ؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المشكاة أو صدره ، والمصباح هو النبوة وما يتصل بها من عمله وهداه ، والزجاجة قلبه ، والشجرة المباركة هي الوحي ، والملائكة رسل الله إليه وسببه المتصل به ، والزيت هو الحجج والبراهين والآيات التي تضمنها الوحي . ومن قال : الممثل به المؤمن ، وهو قول أبي ؛ فالمشكاة صدره ، والمصباح الإيمان والعلم ، والزجاجة قلبه ، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها . قال أبي : فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات . ومن قال : إن الممثل به هو القرآن والإيمان ؛ فتقدير الكلام : مثل نوره الذي هو الإيمان في صدر المؤمن في قلبه كمشكاة ؛ أي كهذه الجملة . وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين ؛ لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان . وقالت طائفة : الضمير في ( نوره ) عائد على الله تعالى . وهذا قول ابن عباس فيما ذكر الثعلبي ، والماوردي ، والمهدوي ، وقد تقدم معناه . ولا يوقف على هذا القول على الأرض . قال المهدوي : الهاء لله - عز وجل - ؛ والتقدير : الله هادي أهل السماوات والأرض ، مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة ؛ وروي ذلك عن ابن عباس . وكذلك قال زيد بن أسلم ، والحسن : إن الهاء لله - عز وجل - . وكان أبي ، يقرآنها ( مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة ) . قال وابن مسعود محمد بن علي الترمذي : فأما غيرهما فلم يقرأها في التنزيل هكذا ، وقد وافقهما في التأويل أن ذلك نوره في قلب المؤمن ، وتصديقه في آية أخرى يقول : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . واعتل الأولون بأن قالوا : لا يجوز أن يكون الهاء لله - عز وجل - ؛ لأن الله - عز وجل - لا حد لنوره . وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمر الدوري الألف من ( مشكاة ) وكسر الكاف التي قبلها . وقرأ نصر بن عاصم ( زجاجة ) بفتح الزاي [ ص: 242 ] والزجاجة كذلك ، وهي لغة . وقرأ ابن عامر ، وحفص ، عن عاصم ( دري ) بضم الدال وشد الياء ، ولهذه القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه ، وإما أن يكون أصله دريء مهموز ، فعيل من الدرء وهو الدفع ، وخففت الهمزة . ويقال للنجوم العظام التي لا تعرف أسماؤها : الدراري ، بغير همز ؛ فلعلهم خففوا الهمزة ، والأصل من الدرء الذي هو الدفع . وقرأ حمزة ، وأبو بكر ، عن عاصم ( دريء ) بالهمز والمد ، وهو فعيل من الدرء ؛ بمعنى أنها يدفع بعضها بعضا . وقرأ الكسائي ، وأبو عمرو ( دريء ) بكسر الدال والهمز من الدرء والدفع ، مثل السكير والفسيق . قال : أي يدفع بعض ضوئه بعضا من لمعانه . قال سيبويه النحاس : وضعف أبو عبيد قراءة أبي عمرو ، تضعيفا شديدا ، لأنه تأولها من درأت أي دفعت ؛ أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق . وإذا كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة ، ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب ؛ ألا ترى أنه لا يقال جاءني إنسان من بني آدم . ولا ينبغي أن يتأول لمثل والكسائي ، أبي عمرو ، مع علمهما وجلالتهما هذا التأويل البعيد ، ولكن التأويل لهما على ما روي عن والكسائي محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك : كوكب مندفع بالنور ؛ كما يقال : اندرأ الحريق إن اندفع . وهذا تأويل صحيح لهذه القراءة . وحكى سعيد بن مسعدة أنه يقال : درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوءه وعلا . وقال الجوهري في الصحاح : ودرأ علينا فلان يدرأ دروءا أي طلع مفاجأة . ومنه كوكب دريء ، على فعيل ؛ مثل سكير ، وخمير لشدة توقده وتلألئه . وقد درأ الكوكب دروءا . قال أبو عمرو بن العلاء : سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت : هذا الكوكب الضخم ما تسمونه ؟ قال : الدريء ، وكان من أفصح الناس . قال النحاس : فأما قراءة حمزة فأهل اللغة جميعا قالوا : هي لحن لا تجوز ، لأنه ليس في كلام العرب اسم على فعيل . وقد اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال : ليس هو فعيل وإنما هو فعول ، مثل سبوح ، أبدل من الواو ياء ؛ كما قالوا : عتي . قال : وهذا الاعتراض والاحتجاج من أعظم الغلط وأشده ؛ لأن هذا لا يجوز البتة ، ولو جاز ما قال لقيل في سبوح سبيح ، وهذا لا يقوله أحد ، وليس عتي من هذا ، والفرق بينهما واضح بين ؛ لأنه ليس يخلو عتي من إحدى جهتين : إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه لازما ، لأن الجمع باب تغيير ، والواو لا تكون طرفا في الأسماء وقبلها ضمة ، فلما كان قبل هذه ساكن وقبل الساكن ضمة والساكن ليس بحاجز حصين أبدل من الضمة كسرة فقلبت الواو ياء . وإن كان عتي واحدا كان بالواو أولى ، وجاز قلبها لأنها طرف ، والواو في فعول ليست طرفا فلا يجوز قلبها . قال أبو جعفر النحاس الجوهري : قال أبو عبيد إن ضممت الدال قلت دري ، يكون منسوبا إلى الدر ، على فعلي ولم تهمزه لأنه ليس في كلام العرب فعيل . ومن همزه من القراء فإنما أراد [ ص: 243 ] فعولا مثل سبوح فاستثقل فرد بعضه إلى الكسر . وحكى الأخفش عن بعضهم ( دريء ) من درأته ، وهمزها ، وجعلها على فعيل مفتوحة الأول . قال : وذلك من تلألئه . قال الثعلبي : وقرأ سعيد بن المسيب ، وأبو رجاء ( دريء ) بفتح الدال مهموزا . قال أبو حاتم : هذا خطأ لأنه ليس في الكلام فعيل ؛ فإن صح عنهما فهما حجة . ( يوقد ) قرأ شيبة ، ونافع ، وأيوب ، وسلام ، وابن عامر ، وأهل الشام ، وحفص : يوقد بياء مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال . وقرأ الحسن ، والسلمي ، وأبو جعفر ، : ( توقد ) مفتوحة الحروف كلها مشددة القاف ، واختارها وأبو عمرو بن العلاء البصري أبو حاتم ، وأبو عبيد . قال النحاس : وهاتان القراءتان متقاربتان ؛ لأنهما جميعا للمصباح ، وهو أشبه بهذا الوصف ؛ لأنه الذي ينير ويضيء ، وإنما الزجاجة وعاء له . و ( توقد ) فعل ماض من توقد يتوقد ، ويوقد فعل مستقبل من أوقد يوقد . وقرأ نصر بن عاصم ( توقد ) والأصل على قراءته تتوقد حذف إحدى التاءين لأن الأخرى تدل عليها . وقرأ الكوفيون ( توقد ) بالتاء يعنون الزجاجة . فهاتان القراءتان على تأنيث الزجاجة . من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية تقدم القول فيه . يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور على تأنيث النار . وزعم أبو عبيد أنه لا يعرف إلا هذه القراءة . وحكى أبو حاتم أن روى عن السدي أبي مالك ، عن ابن عباس أنه قرأ ( ولو لم يمسسه نار ) بالياء . قال محمد بن يزيد : التذكير على أنه تأنيث غير حقيقي ، وكذا سبيل المؤنث عنده . وقال ابن عمر : المشكاة جوف محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والزجاجة قلبه ، والمصباح النور الذي جعله الله تعالى في قلبه يوقد من شجرة مباركة ؛ أي أن أصله من إبراهيم وهو شجرته ؛ فأوقد الله تعالى في قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - النور كما جعله في قلب إبراهيم - عليه السلام - . وقال محمد بن كعب : المشكاة إبراهيم ، والزجاجة إسماعيل ، والمصباح محمد صلوات الله عليهم أجمعين ؛ سماه الله تعالى مصباحا كما سماه سراجا فقال : وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا يوقد من شجرة مباركة وهي آدم - عليه السلام - ، بورك في نسله وكثر منه الأنبياء والأولياء . وقيل : هي إبراهيم - عليه السلام - ، سماه الله تعالى مباركا لأن أكثر الأنبياء كانوا من صلبه . لا شرقية ولا غربية أي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وإنما كان حنيفا مسلما . وإنما قال ذلك لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق . يكاد زيتها يضيء أي يكاد محاسن محمد - صلى الله عليه وسلم - تظهر للناس قبل أن أوحى الله تعالى إليه . نور على نور نبي من نسل نبي . وقال الضحاك : شبه عبد المطلب بالمشكاة وعبد الله بالزجاجة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمصباح كان في قلبهما ، فورث النبوة من إبراهيم . ( من شجرة ) أي شجرة التقى والرضوان وعشيرة الهدى والإيمان ، شجرة أصلها نبوة ، وفرعها مروءة ، وأغصانها تنزيل ، وورقها تأويل ، وخدمها جبريل ، وميكائيل . قال : ومن غريب الأمر [ ص: 244 ] أن بعض الفقهاء قال إن هذا مثل ضربه الله تعالى القاضي أبو بكر بن العربي لإبراهيم ، ومحمد ولعبد المطلب ، وابنه عبد الله ؛ فالمشكاة هي الكوة بلغة الحبشة ، فشبه عبد المطلب بالمشكاة فيها القنديل وهو الزجاجة ، وشبه عبد الله بالقنديل وهو الزجاجة ؛ ومحمد كالمصباح يعني من أصلابهما ، وكأنه كوكب دري وهو المشتري يوقد من شجرة مباركة يعني إرث النبوة من إبراهيم - عليه السلام - هو الشجرة المباركة ، يعني حنيفية ( لا شرقية ولا غربية ) ، لا يهودية ولا نصرانية . يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار يقول : يكاد إبراهيم يتكلم بالوحي من قبل أن يوحى إليه . نور على نور إبراهيم ثم محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال القاضي : وهذا كله عدول عن الظاهر ، وليس يمتنع في التمثيل أن يتوسع المرء فيه .
قلت : وكذلك في جميع الأقوال لعدم ارتباطه بالآية ما عدا القول الأول ، وأن هذا مثل ضربه الله تعالى لنوره ، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه لأن الخلق لقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم ، ولولا ذلك ما عرف الله إلا الله وحده ، قاله . قال ابن العربي ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإن مسته النار زاد ضوءه ، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور ؛ كقول إبراهيم من قبل أن تجيئه المعرفة : هذا ربي ، من قبل أن يخبره أحد أن له ربا ؛ فلما أخبره الله أنه ربه زاد هدى ، فقال له ربه : أسلم قال أسلمت لرب العالمين . ومن قال إن هذا مثل للقرآن في قلب المؤمن قال : كما أن هذا المصباح يستضاء به ولا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ولا ينقص ؛ فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي . يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد حجج القرآن تتضح ولو لم يقرأ . نور على نور يعني أن القرآن نور من الله تعالى لخلقه ، مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن ، فازدادوا بذلك نورا على نور . يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس ثم أخبر أن هذا النور المذكور عزيز وأنه لا يناله إلا من أراد الله هداه فقال : يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس أي يبين الأشباه تقريبا إلى الأفهام . والله بكل شيء عليم أي بالمهدي والضال . وروي عن ابن عباس أن اليهود قالوا : يا محمد ، كيف يخلص نور الله تعالى من دون السماء ؛ فضرب الله تعالى ذلك مثلا لنوره .