قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم .
وأنذر عشيرتك الأقربين فيه مسألتان : قوله تعالى :
الأولى : قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين خص عشيرته الأقربين بالإنذار [ ص: 132 ] لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك . وعشيرته الأقربون قريش . وقيل : بنو عبد مناف . ووقع في صحيح مسلم : . وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ ; إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر . ويلزم على ثبوته إشكال ; وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته ; فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حب النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركون ; لأنهم ليسوا على شيء من ذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم ، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صلى الله عليه وسلم ; فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى . وروى وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين مسلم من حديث قال : لما نزلت هذه الآية أبي هريرة وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال : بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها . يا
الثانية : في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب ، ودليل على جواز ; لقوله : صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته وقوله عز وجل : إن لكم رحما سأبلها ببلالها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية ، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله .
[ ص: 133 ] قوله تعالى : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين تقدم في سورة ( الحجر ) و ( سبحان ) يقال : خفض جناحه إذا لان . فإن عصوك أي خالفوا أمرك . فقل إني بريء مما تعملون أي بريء من معصيتكم إياي ; لأن عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل ، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه ، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه .
قوله تعالى : وتوكل على العزيز الرحيم أي فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب ، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه . وقرأ العامة : " وتوكل " بالواو وكذلك هو في مصاحفهم .
وقرأ نافع وابن عامر : ( فتوكل ) بالفاء وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام . الذي يراك حين تقوم أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين ، ابن عباس وغيره . وقال مجاهد : يعني حين تقوم حيثما كنت . وتقلبك في الساجدين قال مجاهد وقتادة : في المصلين . وقال ابن عباس : أي في أصلاب الآباء ، آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا . وقال عكرمة : يراك قائما وراكعا وساجدا ; وقاله ابن عباس أيضا . وقيل : المعنى ; إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك . وروي عن مجاهد ، ذكره الماوردي والثعلبي . ، وذلك ثابت في الصحيح وفي تأويل الآية بعيد وكان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه إنه هو السميع العليم تقدم .