قوله تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير .
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا أي فعادوه ولا تطيعوه . ويدلكم على عداوته إخراجه أباكم من الجنة ، وضمانه إضلالكم في قوله : قوله تعالى : ولأضلنهم ولأمنينهم الآية . وقوله : لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم الآية . فأخبرنا جل وعز أن الشيطان لنا عدو مبين ; واقتص علينا قصته ، وما فعل بأبينا آدم صلى الله عليه وسلم ، وكيف انتدب لعداوتنا وغرورنا من قبل وجودنا وبعده ، ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا . وكان الفضيل بن عياض يقول : يا كذاب يا مفتر ، اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر . وقال ابن السماك : يا عجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ! وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته ! وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة ) مجودا . و ( عدو ) في قوله : إن الشيطان لكم عدو يجوز أن يكون بمعنى معاد ، فيثنى ويجمع ويؤنث . ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال ; كما قال جل وعز : فإنهم عدو لي . وفي المؤنث على هذا أيضا عدو . النحاس : فأما قول بعض النحويين إن الواو خفية فجاءوا بالهاء فخطأ ، بل الواو حرف جلد . إنما يدعو حزبه كفت ( ما ) ( إن ) عن العمل فوقع بعدها الفعل . " حزبه " أي أشياعه . ليكونوا من أصحاب السعير فهذه عداوته . الذين كفروا لهم عذاب شديد يكون ( الذين ) بدلا من ( أصحاب ) فيكون في موضع خفض ، أو يكون بدلا من حزبه فيكون في موضع نصب ، أو يكون بدلا من الواو فيكون في موضع رفع وقول رابع وهو أحسنها يكون في موضع رفع بالابتداء ويكون خبره لهم عذاب شديد ; وكأنه سبحانه بين حال موافقته ومخالفته ، ويكون الكلام قد تم في قوله : [ ص: 291 ] من أصحاب السعير ثم ابتدأ فقال . والذين آمنوا وعملوا الصالحات في موضع رفع بالابتداء أيضا ، وخبره لهم مغفرة أي لذنوبهم . وأجر كبير وهو الجنة . الذين كفروا لهم عذاب شديد