[ ص: 262 ] قوله تعالى : كذبت قبلهم قوم نوح على تأنيث الجماعة أي : كذبت الرسل . والأحزاب من بعدهم أي والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمن بعدهم . وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه أي ليحبسوه ويعذبوه . وقال قتادة : ليقتلوه . والأخذ يرد بمعنى الإهلاك ، كقوله : والسدي ثم أخذتهم فكيف كان نكير والعرب تسمي الأسير الأخيذ ; لأنه مأسور للقتل ، وأنشد قطرب قول الشاعر :
فإما تأخذوني تقتلوني فكم من آخذ يهوى خلودي
وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان : أحدهما عند دعائه لهم . الثاني عند نزول العذاب بهم . وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق أي ليزيلوا . ومنه مكان دحض أي : مزلقة ، والباطل داحض ; لأنه يزلق ويزل فلا يستقر . قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان . فأخذتهم أي بالعذاب . فكيف كان عقاب أي عاقبة الأمم المكذبة . أي : أليس وجدوه حقا .
قوله تعالى : وكذلك حقت أي وجبت ولزمت ، مأخوذ من الحق لأنه اللازم . كلمة ربك هذه قراءة العامة على التوحيد . وقرأ نافع وابن عامر : " كلمات " جمعا . على الذين كفروا أنهم قال الأخفش : أي : لأنهم وبأنهم . قال الزجاج : ويجوز إنهم بكسر الهمزة . أصحاب النار أي : المعذبون بها . وتم الكلام .
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ويروى : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم . ففي الحديث : أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة . ويقال : خلق الله العرش من جوهرة خضراء ، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام . وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام ، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم ، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ، ومن [ ص: 263 ] ورائهم مائة ألف صف ، وقد وضعوا الأيمان على الشمائل ، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر . وقرأ ابن عباس : العرش بضم العين ، ذكر جميعه رحمه الله . وقيل : اتصل هذا بذكر الكفار ; لأن المعنى والله أعلم - الزمخشري الذين يحملون العرش ومن حوله ينزهون الله - عز وجل - عما يقوله الكفار ويستغفرون للذين آمنوا أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى . وأقاويل أهل التفسير على أن ، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به ، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة . وروى العرش هو السرير ، وأنه جسم مجسم خلقه الله عز وجل ، وأمر ملائكة بحمله ، عن ابن طهمان ، عن موسى بن عقبة محمد بن المنكدر ، عن ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جابر بن عبد الله الأنصاري ذكره أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام وقد مضى في [ البقرة ] في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات . وروى البيهقي ، عن ثور بن يزيد خالد بن معدان ، عن كعب الأحبار أنه قال : لما خلق الله تعالى العرش قال : لن يخلق الله خلقا أعظم مني ، فاهتز فطوقه الله بحية ، للحية سبعون ألف جناح ، في الجناح سبعون ألف ريشة ، في كل ريشة سبعون ألف وجه ، في كل وجه سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان . يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر ، وعدد ورق الشجر ، وعدد الحصى والثرى ، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين ، فالتوت الحية بالعرش ، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به . وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور وحجاب ظلمة ، وحجاب نور وحجاب ظلمة .
ربنا أي يقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير . فاغفر للذين تابوا أي من الشرك والمعاصي واتبعوا سبيلك أي دين الإسلام . وقهم عذاب الجحيم أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم .
قال : كان أصحاب إبراهيم النخعي عبد الله يقولون : الملائكة خير من ابن الكواء ، هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر ، قال إبراهيم : وكانوا يقولون : لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة . وقال مطرف بن عبد الله : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان ، وتلا هذه الآية . وقال لأصحابه في هذه الآية : افهموها فما [ ص: 264 ] في العالم جنة أرجى منها ، إن ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم ، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين . وقال يحيى بن معاذ الرازي : كنت أقرأ على خلف بن هشام البزار القارئ سليم بن عيسى فلما بلغت : ويستغفرون للذين آمنوا بكى ثم قال : يا خلف ما أكرم المؤمن على الله ، نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له .
ربنا وأدخلهم جنات عدن يروى أن قوله تعالى : عمر بن الخطاب قال : ما جنات عدن ؟ . قال : قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل . لكعب الأحبار التي وعدتهم التي في محل نصب نعتا للجنات .
ومن صلح من في محل نصب عطفا على الهاء والميم في قوله : وأدخلهم . ومن صلح " بالإيمان من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم وقد مضى في [ الرعد ] نظير هذه الآية . قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنة ، فيقول : يا رب أين أبي وجدي وأمي ؟ وأين ولدي وولد ولدي ؟ وأين زوجاتي ؟ فيقال : إنهم لم يعملوا كعملك ، فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم ، فيقال : أدخلوهم الجنة . ثم تلا : الذين يحملون العرش ومن حوله إلى قوله : ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم . ويقرب من هذه الآية قوله : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم .
وقهم السيئات قال قوله تعالى : قتادة : أي : وقهم ما يسوءهم ، وقيل : التقدير وقهم عذاب السيئات ، وهو أمر من : وقاه الله يقيه وقاية بالكسر ، أي : حفظه . ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته أي بدخول الجنة
وذلك هو الفوز العظيم أي النجاة الكبيرة .