قوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
[ ص: 272 ] قوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وقد مضى تعيينها . وسلطان مبين أي بحجة واضحة بينة ، وهو يذكر ويؤنث . وقيل : أراد بالسلطان التوراة . إلى فرعون وهامان وقارون خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم ، ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما ; لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما . فقالوا ساحر كذاب لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر .
فلما جاءهم بالحق من عندنا وهي المعجزة الظاهرة قوله تعالى : قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأول ; لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى ، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع الإنسان من الإيمان ، ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم . فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب ، كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر ، فأغرقهم الله . وهذا معنى قوله : وما كيد الكافرين إلا في ضلال أي في خسران وهلاك ، وإن الناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطلا .
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه " أقتل " جزم ; لأنه جواب الأمر " وليدع " جزم ; لأنه أمر و " ذروني " ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني . وقيل : هذا يدل على أنه قيل لفرعون : إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب ، فقال : قوله تعالى : وليدع ربه أي : لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى .
إني أخاف أن يبدل دينكم أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه أو أن يظهر في الأرض الفساد إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد . أي : يقع بين الناس بسببه الخلاف . وقراءة المدنيين وأبي عبد الرحمن السلمي وابن عامر وأبي عمرو : " وأن يظهر في الأرض الفساد " وقراءة الكوفيين " أو أن يظهر " بفتح الياء " الفساد " بالرفع ، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين : أو بألف وإليه يذهب أبو عبيد ، قال : لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل ، ولأن أو تكون بمعنى الواو . النحاس : وهذا عند حذاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو ; لأن في ذلك بطلان المعاني ، ولو جاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا هاهنا ; لأن معنى الواو إني أخاف [ ص: 273 ] الأمرين جميعا ، ومعنى أو لأحد الأمرين أي : إني أخاف أن يبدل دينكم فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد .
قوله تعالى : وقال موسى إني عذت بربي وربكم لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب أي متعظم عن الإيمان بالله ، وصفته أنه لا يؤمن بيوم الحساب .