قوله تعالى : فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون .
[ ص: 290 ] فاصبر إن وعد الله حق أي فاصبر يا قوله تعالى : محمد على أذى المشركين ، كما صبر من قبلك إن وعد الله حق بنصرك وإظهارك ، كما نصرت موسى وبني إسرائيل . وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف .
واستغفر لذنبك قيل : لذنب أمتك ، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء . ومن قال لا تجوز قال : هذا تعبد للنبي - عليه السلام - بدعاء ، كما قال تعالى : وآتنا ما وعدتنا والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير لمن بعده . وقيل : فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة . الدعاء سنة وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار يعني صلاة الفجر وصلاة العصر ، قاله الحسن وقتادة . وقيل : هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية . عن الحسن أيضا ذكره . فيكون هذا مما نسخ والله أعلم . وقوله : الماوردي بحمد ربك بالشكر له والثناء عليه . وقيل : وسبح بحمد ربك أي : استدم التسبيح في الصلاة وخارجا منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر .
قوله تعالى : إن الذين يجادلون يخاصمون في آيات الله بغير سلطان أي حجة أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه قال الزجاج : المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه . قدره على الحذف . وقال غيره : المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف ; لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم إن اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قل ارتفاعهم ، ونقصت أحوالهم ، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا ، فأعلم الله - عز وجل - أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب . والمراد المشركون . وقيل : اليهود ، فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السورة .
والمعنى : إن تعظموا عن اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : إن الدجال سيخرج عن قريب فيرد الملك إلينا ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه فنزلت الآية فيهم . قاله أبو العالية وغيره . وقد تقدم في [ آل عمران ] أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة . وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة . وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف . وقيل : كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم . وهذا حسن ; لأنه يعم . وقال مجاهد : معناه في صدورهم [ ص: 291 ] عظمة ما هم ببالغيها . والمعنى واحد . وقيل : المراد بالكبر الأمر الكبير أي : يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه ، ولا يبلغون ذلك . أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه .
قوله تعالى : فاستعذ بالله قيل : من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود . وعلى القول الآخر : من شر الكفار . وقيل : من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر . إنه هو السميع البصير هو يكون فاصلا ويكون مبتدأ وما بعده خبره ، والجملة خبر إن على ما تقدم .
قوله تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس مبتدأ وخبره . قال أبو العالية : أي : أعظم من خلق الدجال حين عظمته اليهود . وقال يحيى بن سلام : هو احتجاج على منكري البعث ، أي : هما أكبر من إعادة خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها ؟ . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك .
قوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أي ولا يستوي العامل للصالحات ولا المسيء الذي يعمل السيئات . قليلا ما تتذكرون قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، لأجل ما قبله من الخبر وما بعده . وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب .
قوله تعالى : إن الساعة لآتية هذه لام التأكيد دخلت في خبر إن ، وسبيلها أن تكون في أول الكلام ; لأنها توكيد الجملة إلا أنها تزحلق عن موضعها ، كذا قال . تقول : إن عمرا لخارج ، وإنما أخرت عن موضعها لئلا يجمع بينها وبين إن ، لأنهما يؤديان عن معنى واحد ، وكذا لا يجمع بين إن وأن عند سيبويه البصريين . وأجاز هشام إن أن زيدا منطلق حق ، فإن حذفت حقا لم يجز عند أحد من النحويين علمته ، قاله النحاس . لا ريب فيها لا شك ولا مرية . ولكن أكثر الناس لا يؤمنون أي لا يصدقون بها ، وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي .