هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى أي قد جاءك وبلغك قوله تعالى : حديث موسى وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - . أي إن فرعون كان أقوى من كفار عصرك ، ثم أخذناه ، وكذلك هؤلاء . وقيل : هل بمعنى ( ما ) أي ما أتاك ، ولكن أخبرت به ، فإن فيه عبرة لمن يخشى . وقد مضى من خبر موسى وفرعون في غير موضع ما فيه كفاية .
وفي طوى ثلاث قراءات : قرأ ابن محيصن وابن عامر والكوفيون ( طوى ) منونا واختاره أبو عبيد لخفة الاسم الباقون بغير تنوين ; لأنه معدول مثل عمر وقثم قال الفراء : طوى : واد بين المدينة ومصر . قال : وهو معدول عن طاو ، كما عدل عمر عن عامر وقرأ الحسن وعكرمة ( طوى ) بكسر الطاء ، وروي عن أبي عمرو ، على معنى المقدس مرة بعد مرة ; قال الزجاج ; وأنشد : [ للشاعر عدي بن زيد ]
أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد
أي هو لوم مكرر علي . وقيل : ضم الطاء وكسرها لغتان ، وقد مضى في ( طه ) القول فيه .اذهب إلى فرعون أي ناداه ربه ، فحذف ; لأن النداء قول ; فكأنه ; قال له ربه اذهب إلى فرعون إنه طغى أي جاوز القدر في العصيان . وروي عن الحسن قال : كان فرعون علجا من همدان . وعن مجاهد قال : كان من أهل إصطخر . وعن الحسن أيضا قال : من أهل [ ص: 174 ] أصبهان ، يقال له ذو ظفر ، طوله أربعة أشبار .
فقل هل لك إلى أن تزكى أي تسلم فتطهر من الذنوب . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : هل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله . وأهديك إلى ربك أي وأرشدك إلى طاعة ربك فتخشى أي تخافه وتتقيه .
وقرأ نافع وابن كثير ( تزكى ) بتشديد الزاي ، على إدغام التاء في الزاي ; لأن أصلها تتزكى . الباقون : تزكى بتخفيف الزاي على معنى طرح التاء . وقال أبو عمرو : ( تزكى ) بالتشديد تتصدق بالصدقة ، وتزكى يكون زكيا مؤمنا . وإنما دعا فرعون ليكون زكيا مؤمنا . قال : فلهذا اخترنا التخفيف . وقال صخر بن جويرية : لما بعث الله موسى إلى فرعون قال له : اذهب إلى فرعون إلى قوله : وأهديك إلى ربك فتخشى ولن يفعل ، فقال : يا رب ، وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل ؟ فأوحى الله إليه أن امض إلى ما أمرتك به ، فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر ، فلم يبلغوه ولا يدركوه .
فأراه الآية الكبرى أي العلامة العظمى وهي المعجزة وقيل : العصا . وقيل : اليد البيضاء تبرق كالشمس . وروى الضحاك عن ابن عباس : الآية الكبرى قال العصا . الحسن : يده وعصاه . وقيل : فلق البحر . وقيل : الآية : إشارة إلى جميع آياته ومعجزاته .
فكذب أي كذب نبي الله موسى وعصى أي عصى ربه - عز وجل - .
ثم أدبر يسعى أي ولى مدبرا معرضا عن الإيمان يسعى أي يعمل بالفساد في الأرض . وقيل : يعمل في نكاية موسى . وقيل : أدبر يسعى هاربا من الحية .
فحشر أي جمع أصحابه ليمنعوه منها . وقيل : جمع جنوده للقتال والمحاربة ، والسحرة للمعارضة . وقيل : حشر الناس للحضور . فنادى أي قال لهم بصوت عال أنا ربكم الأعلى أي لا رب لكم فوقي . ويروى : أن إبليس تصور لفرعون في صورة الإنس بمصر في الحمام ، فأنكره فرعون ، فقال له إبليس : ويحك ! أما تعرفني ؟ قال : لا . قال : وكيف وأنت خلقتني ؟ ألست القائل أنا ربكم الأعلى . ذكره الثعلبي في كتاب العرائس . وقال عطاء : كان صنع لهم أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها ، فقال أنا رب أصنامكم . وقيل : أراد القادة والسادة هو ربهم ، وأولئك هم أرباب السفلة . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; فنادى فحشر ; لأن النداء يكون قبل الحشر .
فأخذه الله نكال الآخرة والأولى أي نكال قوله : ما علمت لكم من إله غيري وقوله بعد : أنا ربكم الأعلى قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة . وكان بين الكلمتين أربعون سنة ; قاله ابن عباس . والمعنى : أمهله في الأولى ، ثم أخذه في الآخرة ، فعذبه بكلمتيه . وقيل : نكال الأولى : هو أن أغرقه ، ونكال الآخرة : العذاب في الآخرة . وقاله قتادة وغيره . وقال مجاهد : هو عذاب أول عمره وآخره وقيل : الآخرة قوله أنا ربكم الأعلى والأولى تكذيبه لموسى . عن قتادة أيضا . و ( نكال ) منصوب على المصدر المؤكد في قول الزجاج ; لأن معنى أخذه [ ص: 175 ] الله : نكل الله به ، فأخرج [ نكال ] مكان مصدر من معناه ، لا من لفظه . وقيل : نصب بنزع حرف الصفة . أي فأخذه الله بنكال الآخرة ، فلما نزع الخافض نصب . وقال الفراء : أي أخذه الله أخذا نكالا ، أي للنكال . والنكال : اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له حتى يعتبر به . يقال : نكل فلان بفلان : إذا أثخنه عقوبة . والكلمة من الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، والنكل القيد . وقد مضى في سورة ( المزمل ) والحمد لله .
إن في ذلك لعبرة أي اعتبارا وعظة . لمن يخشى أي يخاف الله - عز وجل - .