فيم أنت من ذكراها أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها ؟ وليس لك السؤال عنها . وهذا معنى ما رواه الزهري عروة بن الزبير قال : لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة حتى نزلت : فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها أي منتهى علمها ; فكأنه - عليه السلام - لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك ، فقيل له : لا تسأل ، فلست في شيء من ذلك . ويجوز أن يكون إنكارا على المشركين في مسألتهم له ; أي فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانه ، ولست ممن يعلمه . روي معناه عن عن ابن عباس . والذكرى بمعنى الذكر .
إلى ربك منتهاها أي منتهى علمها ، فلا يوجد عند غيره علم الساعة ; وهو كقوله تعالى : قل إنما علمها عند ربي وقوله تعالى : إن الله عنده علم الساعة .
إنما أنت منذر من يخشاها أي مخوف ; وخص الإنذار بمن يخشى ، لأنهم المنتفعون به ، وإن كان منذرا لكل مكلف ; وهو كقوله تعالى : إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . وقراءة العامة ( منذر ) بالإضافة غير منون ; طلب التخفيف ، وإلا فأصله التنوين ; لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي . قال الفراء : يجوز التنوين وتركه ; كقوله تعالى : بالغ أمره ، و ( بالغ أمره ) و موهن كيد الكافرين و موهن كيد الكافرين والتنوين هو الأصل ، وبه قرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن محيصن وحميد وعياش عن أبي عمرو ( منذر ) منونا ، وتكون في موضع نصب ، والمعنى نصب ، إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة . وقال أبو علي : يجوز أن تكون الإضافة للماضي ، نحو ضارب زيد أمس ; لأنه قد فعل الإنذار ، الآية رد على من قال : أحوال الآخرة غير محسوسة ، وإنما هي راحة الروح أو تألمها من غير حس .
كأنهم يوم يرونها يعني الكفار يرون الساعة لم يلبثوا أي في دنياهم ، إلا عشية أي قدر عشية أو ضحاها أي أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية ، والمراد تقليل مدة الدنيا ، كما قال تعالى : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . وروى الضحاك عن ابن عباس : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا . وقيل : لم يلبثوا في قبورهم إلا عشية أو ضحاها ، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول . وقال الفراء : يقول القائل : وهل للعشية ضحى ؟ وإنما الضحى لصدر النهار ، ولكن أضيف الضحى إلى العشية ، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب ; يقولون : آتيك الغداة أو عشيتها ، وآتيك العشية أو غداتها ، فتكون العشية في معنى آخر النهار ، والغداة في معنى أول النهار ; قال : وأنشدني بعض بني عقيل :
[ ص: 181 ]
نحن صبحنا عامرا في دارها جردا تعادى طرفي نهارها عشية الهلال أو سرارها