كلا إن كتاب الفجار لفي سجين قال قوم من أهل العلم بالعربية : ( كلا ) ردع وتنبيه ، أي ليس الأمر على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان ، أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك . فهي كلمة ردع وزجر ، ثم استأنف فقال : قوله تعالى : إن كتاب الفجار . وقال الحسن : كلا بمعنى حقا . وروى ناس عن ابن عباس كلا قال : ألا تصدقون ; فعلى هذا : الوقف " لرب العالمين . وفي تفسير مقاتل : إن أعمال الفجار . وروى ناس عن ابن عباس قال : إن أرواح الفجار وأعمالهم لفي سجين . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : سجين صخرة تحت الأرض السابعة ، تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها . ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب ; قال كعب : تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وعن كعب أيضا قال : سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة ، مكتوب فيها اسم كل شيطان ، تلقى أنفس الكفار عندها .
وقال سعيد بن جبير : سجين تحت خد إبليس . يحيى بن سلام : حجر أسود تحت الأرض ، يكتب فيه أرواح الكفار . وقال : هي الأرض السابعة السفلى ، وفيها إبليس وذريته . وعن عطاء الخراساني ابن عباس قال : إن الكافر يحضره الموت ، وتحضره رسل الله ، فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه ، أن يؤخروه ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته ، فإذا [ ص: 221 ] جاءت ساعته قبضوا نفسه ، ورفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ، ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة ، وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا فيها كتابه . وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال : إن روح الفاجر إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم يهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها ، فتدخل في سبع أرضين ، حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو خد إبليس . فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رق ، فيرقم فيوضع تحت خد إبليس . وقال الحسن : سجين في الأرض السابعة . وقيل : هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم .
قال مجاهد : المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء . وقال : سجين صخرة في الأرض السابعة . وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبو هريرة سجين جب في جهنم وهو مفتوح " وقال في الفلق : " إنه جب مغطى " . وقال أنس : هي دركة في الأرض السفلى . وقال أنس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سجين أسفل الأرض السابعة " . وقال عكرمة : " سجين : خسار وضلال " ; كقولهم لمن سقط قدره : قد زلق بالحضيض . وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج : لفي سجين لفي حبس وضيق شديد ، فعيل من السجن ; كما يقول : فسيق وشريب ; قال ابن مقبل :
ورفقة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصت به الأبطال سجينا
والمعنى : كتابهم في حبس ; جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم ، أو لأنه يحل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان . وقيل : أصله سجيل ، فأبدلت اللام نونا . وقد تقدم ذلك . وقال : سجين في الأرض السافلة ، وسجيل في السماء الدنيا . زيد بن أسلم القشيري : سجين : موضع في السافلين ، يدفن فيه كتاب هؤلاء ، فلا يظهر بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . وهذا دليل على خبث أعمالهم ، وتحقير الله إياها ; ولهذا قال في كتاب الأبرار : يشهده المقربون .وما أدراك ما سجين أي ليس ذلك مما كنت تعلمه يا محمد أنت ولا قومك . كتاب مرقوم أي مكتوب كالرقم في الثوب ، لا ينسى ولا يمحى . وقال قتادة : مرقوم أي مكتوب ، رقم لهم بشر : لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد . وقال الضحاك : مرقوم : مختوم ، بلغة حمير ; وأصل الرقم الكتابة ; قال :
سأرقم في الماء القراح إليكم على بعدكم إن كان للماء راقم
ويل يومئذ للمكذبين أي شدة وعذاب يوم القيامة للمكذبين . ثم بين تعالى أمرهم فقال : الذين يكذبون بيوم الدين أي بيوم الحساب والجزاء والفصل بين العباد .
وما يكذب به إلا كل معتد أثيم أي فاجر جائز عن الحق ، معتد على الخلق في معاملته إياهم وعلى نفسه ، وهو أثيم في ترك أمر الله . وقيل هذا في الوليد بن المغيرة وأبي جهل ونظرائهما لقوله تعالى : إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين وقراءة العامة تتلى بتاءين ، وقراءة أبي حيوة وأبي سماك وأشهب العقيلي والسلمي : ( إذا يتلى ) بالياء . و أساطير الأولين : أحاديثهم وأباطيلهم التي كتبوها وزخرفوها . واحدها أسطورة وإسطارة ، وقد تقدم .