قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى
فيه ثلاث مسائل : قوله تعالى :
الأولى : قوله تعالى : قد أفلح أي قد صادف البقاء في الجنة أي من تطهر من الشرك بإيمان قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة . وقال الحسن والربيع : من كان عمله زاكيا [ ص: 20 ] ناميا . وقال معمر عن قتادة : تزكى قال بعمل صالح . وعنه وعن عطاء : نزلت في صدقة الفطر . وعن وأبي العالية ابن سيرين قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى قال : خرج فصلى بعدما أدى . وقال عكرمة : كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي . فقال سفيان : قال الله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى . وروي عن أبي سعيد الخدري : أن ذلك في صدقة الفطر ، وصلاة العيد . وكذلك قال وابن عمر أبو العالية ، وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ، ومن سقاية الماء . وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : قد أفلح من تزكى قال : ( أخرج زكاة الفطر ) ، وذكر اسم ربه فصلى قال : ( صلاة العيد ) . وقال ابن عباس والضحاك : وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد .
وقيل : المراد بالآية زكاة الأموال كلها قال أبو الأحوص . وروى وعطاء قال : قلت ابن جريج لعطاء : قد أفلح من تزكى للفطر ؟ قال : هي للصدقات كلها . وقيل : هي زكاة الأعمال ، لا زكاة الأموال ، أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير ; لأن الأكثر أن يقال في المال : زكى ، لا تزكى . وروى قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : جابر بن عبد الله قد أفلح من تزكى أي من شهد أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أني رسول الله " . وعن " ابن عباس تزكى قال : لا إله إلا الله . وروى عنه عطاء قال : نزلت في عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة ، مائلة في دار رجل من الأنصار ، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري ، فيأكل هو وعياله ، فخاصمه المنافق فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه ، فقال : " إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزله ، فيأكل هو وعياله ، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها " ؟ فقال : أبيع عاجلا بآجل لا أفعل . فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته ففيه نزلت قد أفلح من تزكى . ونزلت في المنافق ويتجنبها الأشقى . وذكر كان الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - .
الثانية : قد ذكرنا القول في زكاة الفطر في سورة ( البقرة ) مستوفى . وقد تقدم أن هذه السورة مكية في قول الجمهور ، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر . القشيري : ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر وصلاة العيد ، فيما يأمر به في المستقبل .
الثالثة : قوله تعالى : وذكر اسم ربه فصلى أي ذكر ربه . وروى عطاء عن ابن عباس قال : يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي الله جل ثناؤه ، فعبده وصلى له . وقيل : ذكر اسم ربه [ ص: 21 ] بالتكبير في أول الصلاة ; لأنها لا تنعقد إلا بذكره وهو قوله : الله أكبر : وبه يحتج على وجوب ، وعلى أنها ليست من الصلاة ; لأن الصلاة معطوفة عليها . وفيه حجة لمن قال : إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله - عز وجل - . وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء . وقد مضى القول في هذا في أول سورة ( البقرة ) . وقيل : هي تكبيرات العيد . قال تكبيرة الافتتاح الضحاك : وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى أي صلاة العيد . وقيل : وذكر اسم ربه وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته ، فيخاف عقابه ، ويرجو ثوابه ليكون استيفاؤه لها ، وخشوعه فيها ، بحسب خوفه ورجائه . وقيل : هو أن يفتتح أول كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم . فصلى أي فصلى وذكر . ولا فرق بين أن تقول : أكرمتني فزرتني ، وبين أن تقول : زرتني فأكرمتني . قال ابن عباس : هذا في الصلاة المفروضة ، وهي الصلوات الخمس . وقيل : الدعاء أي دعاء الله بحوائج الدنيا والآخرة . وقيل : صلاة العيد قاله أبو سعيد الخدري وغيرهما . وقد تقدم . وقيل : هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته قاله وابن عمر أبو الأحوص ، وهو مقتضى قول عطاء . وروي عن عبد الله قال : من فلا صلاة له . أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة