( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ( 84 ) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ( 85 ) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ( 86 ) )
قوله عز وجل ( ) أي لا تريقون دماءكم أي : لا يسفك بعضكم دم بعض ، وقيل : لا تسفكوا دماء غيركم فتسفك دماءكم ، فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم ، ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره ، وقيل : لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج بسوء جواركم ( ثم أقررتم ) بهذا العهد أنه حق وقبلتم ( وأنتم تشهدون ) اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتقرون بالقبول .
قوله عز وجل ( ثم أنتم هؤلاء ) يعني : يا هؤلاء ، وهؤلاء للتنبيه ( تقتلون أنفسكم ) أي ( يقتل ) بعضكم بعضا ( وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم ) بتشديد الظاء أي تتظاهرون [ ص: 118 ] أدغمت التاء في الظاء ، وقرأ عاصم وحمزة بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى : " ولا تعاونوا " معناهما جميعا : تتعاونون ، والظهير : العون ( والكسائي بالإثم والعدوان ) المعصية والظلم ( وإن يأتوكم أسارى ) وقرأ حمزة : أسرى ، وهما جمع أسير ، ومعناهما واحد ( تفدوهم ) بالمال وتنقذوهم وقرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب ( تفادوهم ) أي تبادلوهم ، أراد : مفاداة الأسير بالأسير ، وقيل : معنى القراءتين واحد .
ومعنى الآية قال : إن الله تعالى أخذ على السدي بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه ، فكانت قريظة حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، وكانوا يقتتلون في حرب سمير؟ فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم ، فتعيرهم العرب وتقول : كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم فيقولون : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحي أن يستذل حلفاؤنا ، فعيرهم الله تعالى بذلك فقال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها ( وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وهو محرم عليكم إخراجهم ) وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ، فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتال ، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم ، وفداء أسراهم ، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء .
أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) قال قال الله تعالى ( مجاهد : يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) يا معشر اليهود ( إلا خزي ) عذاب وهوان ( في الحياة الدنيا ) فكان خزي قريظة القتل والسبي وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) عذاب النار ( وما الله بغافل عما تعملون [ ص: 119 ] ) قرأ ابن كثير ونافع ( وأبو بكر ) بالياء والباقون بالتاء
قوله عز وجل : ( أولئك الذين اشتروا ) استبدلوا ( الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف ) يهون ( عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله عز وجل .