[ ص: 51 ] ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ( 35 ) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ( 36 ) ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ( 37 ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ( 38 ) )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا ) اطلبوا ، ( إليه الوسيلة ) أي : القربة ، فعيلة من توسل إلى فلان بكذا ، أي : تقرب إليه وجمعها وسائل ، ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) [ تلخيصه : امتثلوا أمر الله تنجوا ] .
( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم إن الذين كفروا ) أخبر أن الكافر لو ملك الدنيا كلها ومثلها معها ثم فدى بذلك نفسه من العذاب لم يقبل منه ذلك الفداء ، ( ولهم عذاب أليم )
( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ) فيه وجهان ، أحدهما : أنهم يقصدون ويطلبون المخرج منها ، كما قال الله تعالى : " كلما أرادوا أن يخرجوا منها " ( الحج - 22 ) والثاني : أنهم يتمنون ذلك بقلوبهم ، كما قال الله تعالى إخبارا عنهم : " ربنا أخرجنا منها " ( المؤمنون - 107 ( ولهم عذاب مقيم )
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) أراد به أيمانهما ، وكذلك هو في مصحف رضي الله عنه . عبد الله بن مسعود
وحكمه أن من تقطع يده اليمنى من الرسغ ، ولا يجب القطع في سرق نصابا من المال من حرز لا شبهة له فيه عند عامة أهل العلم ، حكي عن سرقة ما دون النصاب ابن الزبير أنه كان يقطع في الشيء القليل ، وعامة العلماء على خلافه . [ ص: 52 ]
واختلفوا في القدر الذي يقطع فيه : فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقطع في أقل من ربع دينار ، فإن يقطع ، وهو قول سرق ربع دينار أو متاعا قيمته ربع دينار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي رحمهم الله ، لما أخبرنا والشافعي عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا أنا الشافعي ابن عيينة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . " القطع في ربع دينار فصاعدا "
أخبرنا أبو الحسن الشيرزي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن ثمنه ثلاثة دراهم
وروي عن عثمان أنه قطع سارقا في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار . وهذا قول مالك رحمه الله تعالى أنه يقطع في ثلاثة دراهم .
وذهب قوم إلى أنه لا تقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم ، يروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وإليه ذهب وأصحاب الرأي . سفيان الثوري
وقال قوم لا يقطع إلا في خمسة دراهم يروى ذلك عن رضي الله عنه وبه قال أبي هريرة ، أخبرنا ابن أبي ليلى عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا أنا محمد بن إسماعيل عمر بن حفص بن غياث أخبرني أبي أنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة وقال " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل . يرون أن منها ما يساوي دراهم .
ويحتج بهذا الحديث من يرى ، وهو عند الأكثرين محمول على ما قاله القطع في الشيء القليل الأعمش لحديث عائشة رضي الله عنها " وإذا سرق شيئا من غير حرز كثمر في حائط لا [ ص: 53 ] حارس له أو حيوان في برية لا حافظ له ، أو متاع في بيت منقطع عن البيوت لا قطع عليه " .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : . " لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن "
وروي عن عن ابن جريج عن أبي الزبير جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع "
وإذا كالعبد يسرق من مال سيده أو الولد يسرق من مال والده أو الوالد يسرق من مال ولده أو أحد الشريكين يسرق من مال المشترك شيئا : لا قطع عليه . سرق مالا له فيه شبهة
وإذا سرق السارق أول مرة تقطع يده اليمنى من الكوع ، ثم إذا سرق ثانيا تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم .
واختلفوا فيما إذا سرق ثالثا : فذهب أكثرهم إلى أنه تقطع يده اليسرى ، ثم إذا سرق رابعا تقطع رجله اليمنى ، ثم إذا سرق بعده شيئا يعزر ويحبس حتى تظهر توبته ، وهو المروي عن رضي الله عنه وهو قول أبي بكر الصديق قتادة ، وبه قال مالك لما روي عن والشافعي أبي سلمة عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبي هريرة . " في السارق يسرق إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله "
وذهب قوم إلى أنه إن لا يقطع بل يحبس ، وروي ذلك عن سرق ثالثا بعدما قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى علي رضي الله عنه ، وقال : " إني لأستحي أن لا أدع له يدا يستنجي بها ولا رجلا [ ص: 54 ] يمشي بها " وهو قول الشعبي والنخعي ، وبه قال الأوزاعي وأحمد وأصحاب الرأي . قوله تعالى : ( جزاء بما كسبا ) نصب على الحال والقطع . ومثله : ( نكالا ) أي : عقوبة ، ( من الله والله عزيز حكيم ) .