الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2293 حدثنا الحسين بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان أبو هريرة يحدث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل ورأيت الناس يستقون بأيديهم فالمستكثر والمستقل ورأيت سببا واصلا من السماء إلى الأرض وأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل بعدك فعلا ثم أخذ به رجل بعده فعلا ثم أخذ به رجل فقطع به ثم وصل له فعلا به فقال أبو بكر أي رسول الله بأبي أنت وأمي والله لتدعني أعبرها فقال اعبرها فقال أما الظلة فظلة الإسلام وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه فأخذت به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو أي رسول الله لتحدثني أصبت أو أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال أقسمت بأبي أنت وأمي لتخبرني ما الذي أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم قال هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا الحسين بن محمد ) هو الجريري البلخي ( عن عبيد الله بن عبد الله ) بن عتبة الهذلي المدني .

                                                                                                          قوله : ( إني رأيت الليلة ظلة ) بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظلة ، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة ، قاله الخطابي وفي رواية ابن ماجه ، ظلة بين السماء والأرض ( ينطف ) أي يقطر من نطف الماء إذا سال ويجوز الضم والكسر في الطاء ( يستقون بأيديهم ) أي يأخذون بالأسقية وفي رواية البخاري يتكففون أي يأخذون بأكفهم ( فالمستكثر ) مرفوع على الابتداء وخبره محذوف ، أي فيهم المستكثر في الأخذ أي يأخذ كثيرا ( والمستقل ) أي ومنهم المستقل في الأخذ أي يأخذ قليلا ( ورأيت سببا ) أي حبلا ( واصلا ) من الوصول ، وقيل هو بمعنى الموصول كقوله عيشة راضية أي مرضية ( فعلوت ) من العلو وفي رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله ( ثم وصل له ) على بناء المجهول ( بأبي أنت وأمي ) أي مفدى بهما ( والله لتدعني ) فتح اللام للتأكيد أي لتتركني ، وفي رواية سليمان ائذن لي ( أعبرها ) وفي رواية : فلأعبرنها بزيادة لام التأكيد والنون ( اعبرها ) أمر من عبر يعبر من باب نصر ينصر ، قال في القاموس : عبر الرؤيا عبرا وعبارة وعبرها فسرها وأخبر بآخر ما يئول إليه أمرها ، وأستعبره إياها سأله عبرها .

                                                                                                          ( وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه ) المراد بالحق الولاية التي كانت بالنبوة ثم صارت [ ص: 473 ] بالخلافة ( ثم يأخذ به ) أي بالسبب ( بعدك رجل ) وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويقوم بالحق في أمته بعده ( ثم يأخذ بعده رجل آخر ) وهو عمر بن الخطاب ( ثم يأخذ آخر ) وهو عثمان ( فينقطع به ثم يوصل ) وفي حديث ابن عباس عند مسلم : ثم يوصل له ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) قال النووي : اختلف العلماء في معناه ، فقال ابن قتيبة وآخرون معناه أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك به ، وقال آخرون : هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد ; لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال اعبرها ، وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها فإن الرائي قال : رأيت ظلة تنطف السمن والعسل ففسره الصديق رضي الله عنه بالقرآن حلاوته ولينه ، وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة ، فكان حقه أن يقول : القرآن والسنة ، وإلى هذا أشار الطحاوي .

                                                                                                          وقال آخرون : الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه ، وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ، ثم يوصل له فيعلو به ، وعثمان قد خلع قهرا وقتل وولي غيره ، فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه ، وقال آخرون : الخطأ في سؤاله ليعبرها .

                                                                                                          قال المهلب : وموضع الخطأ في قوله ثم وصل له لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر " له " ، قال الحافظ : هذه اللفظة وهي قوله " له " قد ثبتت في كثير من الروايات فذكرها ثم قال وبنى المهلب على ما توهمه فقال : كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له ، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره ، وقد عرفت أن لفظة " له " ثابتة في نفس الخبر ، فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع على اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة ، فاتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب ، انتهى ، وقد بسط الحافظ الكلام في هذا المقام في الفتح .

                                                                                                          ( لا تقسم ) أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك ، قال النووي : فيه دليل لما قاله العلماء أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما [ ص: 474 ] هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة ، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية