ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد ، الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم : أن لا يصد عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام .
وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك ، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص ، إلى آجال مسماة ، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك وفي قول من قال منهم ، فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون ، منهم من سمى لنا ، ومنهم من لم يسم لنا ، فقال عز وجل : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين أي لأهل [ ص: 544 ] العهد العام من أهل الشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله أي بعد هذه الحجة فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين أي العهد الخاص إلى الأجل المسمى ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم يعني الأربعة التي ضرب لهم أجلا فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين أي من هؤلاء الذين أمرتك بقتلهم استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون .
ثم قال : كيف يكون للمشركين الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام أن لا يخيفوكم ولا يخيفوهم في الحرمة ، ولا في الشهر الحرام عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ، وهي الديل من بني بكر بن وائل ، الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم . فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين . ثم قال تعالى : كيف وإن يظهروا عليكم أي المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة [ ص: 545 ] .
[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : الإل : الحلف . قال أوس بن حجر ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم :
لولا بنو مالك والإل مرقبة فيهم الآلاء والشرف ومالك
وهذا البيت في قصيدة له . وجمعه : آلال ، قال الشاعر :
فلا إل من الآلال بيني وبينكم فلا تألن جهدا
والذمة : العهد . قال الأجدع بن مالك الهمداني ، وهو أبو مسروق بن الأجدع الفقيه :
وكان علينا ذمة أن تجاوزوا من الأرض معروفا إلينا ومنكرا
وهذا البيت في ثلاثة أبيات له ، وجمعها : ذمم . يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون أي قد اعتدوا عليكم فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون