، عبيد الله بن موسى وعمرو العنقزي قالا : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة ، فأسلمني في الكتاب ، فكنت أختلف وكان معي غلامان ، فكانا إذا رجعا ، دخلا على قس أو راهب ، فأدخل معهما ، فقال لهما : ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا ، أو تعلما بي أحدا ؟ فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إني أحب أن أخرج من هذه الأرض . قلت : فأنا معك .
فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر ، قال : احفر عند رأسي ، فاستخرجت جرة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري . قال : فجعل يضرب بيده على صدره ، ويقول : ويل للقنائين . قال : ومات فاجتمع القسيسون والرهبان ، وهممت أن أحتمل المال ، ثم إن الله عصمني ، فقلت لهم : إنه قد ترك مالا . فوثب شبان من أهل القرية فقالوا : هذا مال أبينا ، كانت سريته تختلف إليه .
فقلت : يا معشر القسيسين والرهبان ، دلوني على عالم أكون معه . قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص ، فأتيته فقصصت عليه ، فقال : ما جاء بك إلا طلب العلم ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر ، وإن انطلقت وجدت حماره واقفا . فانطلقت فوجدت حماره واقفا على باب بيت المقدس ، فجلست حتى خرج . فقصصت عليه ، فقال : اجلس حتى أرجع إليك . [ ص: 514 ] فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : وإنك لها هنا بعد ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء ، وهو نبي وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النبوة ، ولا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية . خاتم النبوة عند غرضوف كتفه ، كأنها بيضة حمامة ، لونها لون جلده .
فانطلقت ، فأصابني قوم من الأعراب ، فاستعبدوني فباعوني ، حتى وقعت إلى المدينة ، فسمعتهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا ، فخرجت فاحتطبت ، فبعته بشيء يسير ، ثم جئت بطعام اشتريته ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . فأبى أن يأكل ، وأمر أصحابه فأكلوا ، وكان العيش يومئذ عزيزا ، فقلت : هذه واحدة . ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث . ثم قلت لأهلي : هبوا لي يوما . فوهبوا لي يوما ، فخرجت ، فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعت به - يعني الأول - فاشتريت به طعاما ، ثم جئت ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية . قال : كلوا . وأكل . قلت : هذه أخرى .
ثم قمت خلفه ، فوضع رداءه ، فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم النبوة ، فقلت : أشهد أنك رسول الله . فقال : ما هذا ؟ فحدثته ، وقلت : يا رسول الله ، هذا الراهب أفي الجنة هو ، وهو يزعم أنك نبي الله ؟ قال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة . فقلت : إنه أخبرني أنك نبي . فقال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة . [ ص: 515 ]
رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن أبي كامل ، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء ، كلاهما عن إسرائيل .
: حدثنا سعيد بن أبي مريم ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، حدثني السلم بن الصلت العبدي ، عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه قال : كنت رجلا من أهل جي ، مدينة أصبهان ، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته : أي الدين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل . فذهبت إليه ، فكنت عنده ، إلى أن قال : فأتيت حجازيا ، فقلت : تحملني إلى المدينة وأنا لك عبد ؟ فلما قدمت ، جعلني في نخله ، فكنت أستقي كما يستقي البعير ، حتى دبر ظهري ولا أجد من يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي ، فكلمتها ، فقلت : أين هذا الذي خرج ؟ قالت : سيمر عليك بكرة . فجمعت تمرا ، ثم جئته وقربت إليه التمر ، فقال : أصدقة أم هدية ؟ .
أبو إسماعيل الترمذي ، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي ، حدثنا أبو معاذ ، عن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن سلمان الفارسي ، قال : برامهرمز وبها نشأت ، وأما أبي فمن أصبهان . [ ص: 516 ]
وكانت أمي لها غنى ، فأسلمتني إلى الكتاب ، وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة ، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول ، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا ، فمررت ذات يوم وحدي ، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر ، ونعلاه شعر ، فأشار إلي ، فدنوت منه ، فقال : يا غلام ، أتعرف عيسى ابن مريم ؟ قلت : لا . قال : هو رسول الله . آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها . قلت : ما نعيم الآخرة ؟ قال : نعيم لا يفنى . فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه ، فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي ، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي .
وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب ، فأنقطع دونه ، فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنعيسى رسول الله ، ومحمدا بعده رسول الله ، والإيمان بالبعث ، وعلمني القيام في الصلاة ، وكان يقول لي : إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة ، فاحتوشتك النار فلا تلتفت ، وإن دعتك أمك وأبوك فلا تلتفت ، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله ، وإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها ; فإنه لا يدعوك إلا بوحي .
وأمرني بطول القنوت ، وزعم أن عيسى - عليه السلام - قال : طول القنوت أمان على الصراط ، وطول السجود أمان من عذاب القبر ، وقال : لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله ، ولا تعصين الله في طمع ولا غضب ، لا تحجب عن الجنة طرفة عين .
ثم قال لي : إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به ، واقرأ عليه السلام مني ; فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - [ ص: 517 ] قال : من سلم على محمد رآه أو لم يره ، كان له محمد شافعا ومصافحا . فدخل حلاوة الإنجيل في صدري .
قال : فأقام في مقامه حولا ، ثم قال : أي بني ، إنك قد أحببتني وأحببتك ، وإنما قدمت بلادكم هذه : إنه كان لي قريب ، فمات ، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه ، لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة ، يقول الله : من وصل قرابته ، وصلني ، ومن قطع قرابته ، فقد قطعني ، وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان ، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك . قلت : عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي . قال : إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم - عليه السلام - فدع الوالدة والقرابة ، ثم قال : إن الله يصلح بينك ، وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة .
فخرجت معه ، فأتينا نصيبين ، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه . ويبسطون له أرديتهم ، وقالوا : مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا ، فحمد الله ، ودمعت عيناه وقال : إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله ، فأبشروا بالنظر إلى الله . ثم قال : إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا ، فاستوصوا بهذا الغلام ; فإني رأيته رقيقا سريع الإجابة .
فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف ، فقالوا : لو تعرضت له ، فقلت : أنتم أعظم عليه حقا مني ، قالوا : أنت ضعيف ، غريب ، ابن سبيل ، وهو نازل علينا ، فلا تقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله . فعرضت له فارتعد ، ثم جثا على ركبتيه ، ثم قال : ما لك يا بني ؟ جائع أنت ؟ عطشان أنت ؟ مقرور أنت ؟ اشتقت إلى أهلك ؟ قلت : بل أطعت هؤلاء العلماء . قال : أتدري ما يقول الإنجيل ؟ قلت : لا ، قال : يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا ، فمات فهو صديق ، وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس . فجاء العلماء ، [ ص: 518 ] فقالوا : يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا ، قال : إن الإنجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره .
فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه ، كل ذلك يقول : أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله ، ولا تعجبوا بحسنة تعملونها ، فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا يمشي نهاره ، ويقوم ليله حتى دخل بيت المقدس ، فقام شهرا يصلي الليل والنهار ، فاجتمع إليه علماء بيت المقدس ، فطلبوا إلي أن أتعرض له ففعلت ، فانصرف إلي ، فقال لي كما قال في المرة الأولى ، فلما تكلم اجتمع حوله علماء بيت المقدس ، فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا ، فملوا وتفرقوا ، فقال لي : أي بني ، إني أريد أن أضع رأسي قليلا ، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني . قال : وبينه وبين الشمس ذراعان . فبلغته الشمس ، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة ، فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها .
فقال : ما لك لم توقظني ؟ قلت : رحمتك لطول عنائك . قال : إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده ، أفلا رحمتني من طول الموقف ؟ أي بني ، إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومائة رجل أشرهم خير مني . أتصحبني ؟ قلت : نعم . فقام فتعلق به أعمى على الباب ، فقال : يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا ، فمسح يده على وجهه ، فصار بصيرا . فوثب مقعد إلى جنب الأعمى ، فتعلق به فقال : من علي من الله عليك بالجنة . فمسح يده عليه . فقام فمضى - يعني الراهب - فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا .
فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح ، فجلست حتى انصرف ، فقلت : يا عبد الله ، ما [ ص: 519 ] اسمك ؟ قال : فذكر اسمه ، فقلت : أتعرف أبا الفضل ؟ قال : نعم ، ووددت أني ، لا أموت حتى أراه ، أما إنه هو الذي من علي بهذا الدين ، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من جبال تهامة ، يقال له : محمد بن عبد الله ، يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة ، ويكون الحر والمملوك عنده سواء ، وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه ، لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان ، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها : الله وحده لا شريك له ، محمد رسول الله ، وظاهرها : توجه حيث شئت فإنك المنصور ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، ليس بحقود ولا حسود ، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما . فقمت من عنده ، فقلت : لعلي أقدر على صاحبي ، فمشيت غير بعيد ، فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا .
فمر بي أعراب من كلب ، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب ، وسموني ميسرة ، فجعلت أناشدهم ، فلا يفقهون كلامي ، فاشترتني امرأة يقال لها : خليسة بثلاث مائة درهم . فقالت : ما تحسن ؟ قلت : أصلي لربي وأعبده ، وأسف الخوص . قالت : ومن ربك ؟ قلت : رب محمد . قالت : ويحك ! ذاك بمكة ، ولكن عليك بهذه النخلة ، وصل لربك لا أمنعك ، وسف الخوص ، واسع على بناتي ; فإن ربك يعني إن تناصحه في العبادة يعطك سؤلك .
فمكثت عندها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن الخلال فانتقيت شيئا من الخلال ، فجعلته في ثوبي ، وأقبلت أسأل عنه ، حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي أيوب ، [ ص: 520 ] وقد وقع حب لهم فانكسر ، وانصب الماء ، فقام أبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فخرج رسول الله ، فقال : ما تصنع يا أبا أيوب ؟ فأخبره ، فقال : لك ولزوجتك الجنة . فقلت : هذا - والله - محمد رسول الرحمة . فسلمت عليه ، ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا يا بني ؟ قلت : صدقة . قال : إنا لا نأكل الصدقة . فأخذته وتناولت إزاري وفيه شيء آخر ، فقلت : هذه هدية . فأكل وأطعم من حوله ، ثم نظر إلي ، فقال : أحر أنت أم مملوك ؟ قلت : مملوك . قال : ولم وصلتني بهذه الهدية ؟ .
قلت : كان لي صاحب من أمره كذا ، وصاحب من أمره كذا ، فأخبرته بأمرهما .
قال : أما إن صاحبيك من الذين قال الله الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم الآية ، ما رأيت في ما خبرك ؟
قلت : نعم ، إلا شيئا بين كتفيك . فألقى ثوبه ، فإذا الخاتم ، فقبلته ، وقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
فقال : يا بني ، أنت سلمان ، ودعا عليا ، فقال : اذهب إلى خليسة ، فقل لها : يقول لك محمد إما أن تعتقي هذا ، وإما أن أعتقه ، فإن الحكمة تحرم عليك خدمته . قلت : يا رسول الله . أشهد أنها لم تسلم . قال : يا سلمان ، أولا تدري ما حدث بعدك ؟ دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الإسلام فأسلمت . فانطلق علي ، وإذا هي تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرها علي ، [ ص: 521 ] فقالت : انطلق إلى أخي ، تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن شئت فأعتقه ، وإن شئت فهو لك . قال : فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعولني خليسة .
فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : انطلق بنا نكافئ خليسة . فكنت معه خمسة عشرة يوما في حائطها يعلمني وأعينه ، حتى غرسنا لها ثلاث مائة فسيلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف ، فعرق فيها مرارا ، فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له ، وإبقاء على ريحه ، وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها أربع أصابع ، فغزوت مرة ، فسقطت مني . كنت ممن ولد
هذا الحديث شبه موضوع ، وأبو معاذ مجهول وموسى .