الإمام المحدث القدوة الواعظ شيخ الصوفية أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه الخراساني النصراباذي النيسابوري الزاهد ، ونصراباذ : محلة من نيسابور .
سمع أبا العباس السراج ، وابن خزيمة ، وأحمد بن عبد الوارث العسال ، ويحيى بن صاعد ، ومكحولا البيروتي ، وابن [ ص: 264 ] جوصا ، وعددا كثيرا بخراسان ، والشام ، والعراق ، والحجاز ، ومصر .
حدث عنه : ، الحاكم والسلمي ، وأبو حازم العبدوي . وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي ، وأبو علي الدقاق ، وجماعة .
قال أبو عبد الرحمن السلمي : كان شيخ الصوفية بنيسابور ، له لسان الإشارة مقرونا بالكتاب والسنة ، وكان يرجع إلى فنون منها حفظ الحديث وفهمه ، وعلم التاريخ ، وعلوم المعاملات والإشارة ، لقي الشبلي ، وأبا علي الروذباري قال : ومع عظم محله كم من مرة قد ضرب وأهين ، وكم حبس ، فقيل له : إنك تقول : الروح غير مخلوقة ، فقال : لا أقول ذا ، ولا أقول إنها مخلوقة بل أقول : الروح من أمر ربي ، فجهدوا به ، فقال : ما أقول إلا ما قال الله .
قلت : هذه هفوة ، بل لا ريب في خلقها ، ولم يكن سؤال اليهود لنبينا - صلى الله عليه وسلم - عن خلقها ولا قدمها ، إنما سألوا عن ماهيتها وكيفيتها ، قال الله تعالى : الله خالق كل شيء فهو مبدع الأشياء وموجد كل فصيح وأعجم ، ذاته وحياته وروحه وجسده ، وهو الذي خلق الموت والحياة والنفوس ، سبحانه .
ثم قال السلمي ، وقيل له : إنك ذهبت إلى الناووس وطفت به . وقلت : هذا طوافي فتنقصت بهذا الكعبة ! ! قال : لا ، ولكنهما مخلوقان ، لكن بها فضل ليس هنا ، وهذا كمن يكرم كلبا ، لأنه خلق الله ، فعوتب في ذلك سنين .
قلت : وهذه ورطة أخرى . أفتكون قبلة الإسلام كقبر ويطاف [ ص: 265 ] به ، فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبرا مسجدا .
قال السلمي : سمعت جدي يقول : منذ عرفت النصراباذي ما عرفت له جاهلية .
وقال : هو لسان أهل الحقائق في عصره ، وصاحب الأحوال الصحيحة ، كان جماعة للروايات من الرحالين في الحديث ، وكان يورق قديما ، ثم غاب عن الحاكم نيسابور نيفا وعشرين سنة ، وكان يعظ ويذكر ، وجاور في سنة خمس وستين ، وتعبد حتى دفن بمكة في ذي الحجة سنة سبع وستين وثلاثمائة ، ودفن عند الفضيل ، وبيعت كتبه ، فكشفت تلك الكتب عن أحوال والله أعلم . وسمعته يقول ، وعوتب في الروح ، فقال : إن كان بعد الصديقين موحد فهو الحلاج .
قلت : وهذه ورطة أخرى ، بل قتل الحلاج بسيف الشرع على الزندقة . وقد جمعت بلاياه في جزءين وقد كان النصراباذي صحب الشبلي ، ومشى على حذوه ، فواغوثاه بالله .
ومن كلامه : نهايات الأولياء بدايات الأنبياء .
وقال : إذا أعطاكم حباكم ، وإذا منع حماكم ، فإذا حباك شغلك ، وإذا حماك حملك .
وقال : أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع .
[ ص: 266 ] ورؤية أعذار الخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك الرخص . قال السلمي : كان أبو القاسم يحمل الدواة والورق ، فكلما دخلنا بلدا قال لي : قم حتى نسمع ، ودخلنا بغداد ، فأتينا القطيعي ، وكان له وراق فأخطأ غير مرة ، وأبو القاسم يرد فلما رد عليه الثالثة ، قال : يا رجل إن كنت تحسن تقرأ فدونك ، فقام وأخذ الجزء ، فقرأ قراءة تحير منها القطيعي ومن حوله . قال : فسألني الوراق : من هذا ؟ قلت : الأستاذ أبو القاسم النصراباذي ، فقام ، وقال : أيها الناس هذا شيخ خراسان .
قال السلمي : وخرج بنا نستسقي مرة ، فعمل طعاما كثيرا ، وأطعم الفقراء ، فجاء المطر كأفواه القرب وبقيت أنا وهو لا نقدر على المضي ، فأوينا إلى مسجد ، فكان يكف وكنا صياما ، فقال : تريد أن أطلب لك من الأبواب كسرة ؟ قلت : معاذ الله ، وكان يترنم ويقول :
خرجوا ليستسقوا فقلت لهم قفوا دمعي ينوب لكم عن الأنواء قالوا صدقت ففي دموعك مقنع
لكنها ممزوجة بدماء
قلت : وما بعد معروف فمنقطع ، زعموا أنه أخذ عن داود [ ص: 267 ] الطائي ، وصحب حبيبا العجمي ، وصحب ، وصحب الحسن البصري عليا رضي الله عنه ، وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - .