[ ص: 237 ] أبو محمد ابن عياض المجاهد
عبد الله ، وقيل : عبد الرحمن ، المجاهد في سبيل الله ، فارس الأندلس ، وبطلها المشهور اتفق عليه أهل شرق الأندلس .
قال عبد الواحد بن علي المراكشي كان من الصالحين الكبار ، بلغني عن غير واحد أنه كان مجاب الدعوة ، سريع الدمعة ، رقيقا ، فإذا ركب الخيل لا يقوم له أحد ، كان النصارى يعدونه بمائة فارس ، فحمى الله به الناحية مدة إلى أن توفي -رحمة الله عليه- ، ولا أتحقق تاريخ موته .
وقال اليسع بن حزم في " أخبار المغرب " : حدثني الأمير الملك المجاهد في سبيل الله أبو محمد عبد الله بن عياض أشجع من ركب الخيل ، وأفرس من سام الروم الويل ، قال : نزلت محلة الفرنج علينا ، فكانوا إذا رمونا بالنبل صار حائلا بيننا وبين الشمس كالجراد ، والذي صح عندنا أن عدد خيلهم مائة ألف فارس ، ومن الرجل مائتا ألف أو أزيد ، وكنا نعد على مقربة من سورنا أربعمائة خيمة ديباج أو نحوها نحقق هذا ، فاشتد علينا الحصار ، فخرجنا في مائتي فارس ، فشققنا الروم نقتل فيهم ، ولجأنا إلى حصن الزيتونة قاصدين بلنسية .
قال اليسع : قال لي مسعود بن عز الناس : أبصرت ابن عياض وهو شاب حدث ، وقد صارع روميا غلب جميع من في بلاد الأندلس ، فجاءه الرومي ، فدفعه ابن عياض عن نفسه دفعة حسبت أن الرومي انتفضت [ ص: 238 ] أوصاله ، ثم أمسك بخاصرة الرومي حتى رأيت الدم تحت أصابع ابن عياض ، ثم رفعه ، وألقى به الأرض ، فطار دماغه .
وله قصة أخرى : وذلك أنه وقف فارس من جملة خيالة الروم على لاردة ، وطلب المبارزة ، فخرج ابن عياض عليه قميص طويل الكم قد أدخل فيه حجرا مدحرجا ، وربط رأس الكم ، وتقلد سيفه ، والرومي شاك في سلاحه ، فحمل عليه ابن عياض ، فطعنه الرومي في الطارقة ، فنشب الرمح ، فأطلقها ابن عياض من يده ، وبادر فضرب الرومي بكمه ، فنثر دماغه ، فعجبنا وكبرنا ، فاشتهر ذكره على صغر سنه ، وأما أنا فحضرت معه أيام مملكته حروبا ، كان حجر لا يؤثر فيه ، وكان في هيئته كأنه برج غريب الخلقة .
قال مسعود : ولما وصلنا الزيتونة بعد قضاء حوائجنا ، جئنا لاردة في السحر ، فوقعنا في خيام العدو المحيط بالبلد ، فجعلنا نضرب على الطوارق ، ونصيح ، فنفرت الخيل ، ونحن نقتل من لقيناه ، فدخلنا البلد سالمين .
قلت : ولابن عياض مواقف مشهودة ، وكان فارس الإسلام في زمانه ، لعله بقي إلى بعد الأربعين وخمسمائة ، وقام بعده خادمه محمد بن سعد بن مردنيش ، استخلفه عند موته على الناس ، فدامت أيامه إلى سنة ثمان وستين وخمسمائة . .
قال اليسع في " تاريخ المغرب " -وقد خدم ابن عياض ، وصار كاتبا [ ص: 239 ] له- فذكر أن ابن عياض التقى البرشلوني ، وانتصر المسلمون ، فلما انفصل المصاف ، قصد المسلمون الماء ليشربوا ، وتجرد ابن عياض من درعه ، ونحو الخمسمائة من الروم في غابة عند الماء ، فالتفت ابن عياض إلى أصحابه أن ارموا الروم بالنبل ، فجاءه سهم في فقار ظهره ، فأخرج منه بعد قتل أولئك الخمسمائة ، وإذا بالسهم قد أصاب النخاع ، فوصل مرسية ، وتوفي بعد ولايته إياها أربع سنين ، ووجد المسلمون لفقده .