أي : واذكر يوم يقول الله جل وعلا للمشركين الذين كانوا يشركون معه الآلهة والأنداد من الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله توبيخا لهم وتقريعا : نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركاء معي ، فالمفعولان محذوفان : أي : زعمتموهم شركاء لي كذبا وافتراء . أي : ادعوهم واستغيثوا بهم لينصروكم ويمنعوكم من عذابي ، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ، أي : فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من عدم استجابتهم لهم إذا دعوهم يوم القيامة جاء موضحا في مواضع أخر ، كقوله تعالى في سورة " القصص " : ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون [ 28 \ 62 - 64 ] ، وقولـه تعالى : ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير [ 35 \ 13 - 14 ] ، وقولـه : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين [ 46 \ 5 ] ، وقولـه : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 81 ] ، وقولـه تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون [ 6 \ 94 ] ، والآيات في تبرئهم منهم يوم القيامة ، وعدم استجابتهم لهم كثيرة جدا . وخطبة الشيطان المذكورة في سورة " إبراهيم " في [ ص: 296 ] قوله تعالى : وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم إلى قوله : إني كفرت بما أشركتموني من قبل [ 14 \ 22 ] ، من قبيل ذلك المعنى المذكور في الآيات المذكورة .
وقولـه في هذه الآية الكريمة : وجعلنا بينهم موبقا اختلف العلماء فيه من ثلاث جهات :
الأولى : في المراد بالظرف الذي هو " بين " ، والثانية : في مرجع الضمير . والثالثة : في المراد بالموبق ، وسنذكر هنا أقوالهم ، وما يظهر لنا رجحانه منها إن شاء الله تعالى .
أما الموبق : فقيل : المهلك . وقيل واد في جهنم . وقيل الموعد . قال صاحب الدر المنثور : أخرج ابن المنذر من طريق وابن أبي حاتم علي عن في قوله : ابن عباس وجعلنا بينهم موبقا يقول : مهلكا ، وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله " موبقا " يقول : مهلكا . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله " موبقا " قال . واد في جهنم .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس في قوله : وجعلنا بينهم موبقا قال : واد في جهنم من قيح ودم . وأخرج أحمد في الزهد ، ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم والبيهقي عن في قوله : ابن عمر وجعلنا بينهم موبقا قال : هو واد عميق في النار ، فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى والضلالة ، وأخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم عمرو البكالي قال : الموبق الذي ذكر الله : واد في النار ، بعيد القعر ، يفرق الله به يوم القيامة بين أهل الإسلام وبين من سواهم من الناس . وأخرج عن ابن أبي حاتم عكرمة في قوله تعالى موبقا ، قال : هو نهر يسيل نارا على حافتيه حيات أمثال البغال الدهم ، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا بالاقتحام في النار منها . وأخرج عن ابن أبي حاتم كعب قال : إن في النار أربعة أودية يعذب الله بها أهلها : غليظ ، وموبق ، وأثام ، وغي . انتهى كلام صاحب الدر المنثور . ونقل عن بعض أهل العلم بكلام العرب من ابن جرير أهل البصرة : أن الموبق : الموعد ، واستدل لذلك بقول الشاعر :
وجاد شرورى والستار فلم يدع تعارا له والواديين بموبق
يعني : بموعد ، والتحقيق : أن الموبق المهلك ، من قولهم وبق يبق ، كوعد يعد ، [ ص: 297 ] إذا هلك . وفيه لغة أخرى وهي : وبق يوبق كوجل يوجل ، ولغة ثالثة أيضا وهي : وبق يبق كورث يرث . ومعنى كل ذلك : الهلاك . والمصدر من وبق بالفتح الوبوق على القياس ، والوبق . ومن وبق بالكسر الوبق بفتحتين على القياس . وأوبقته ذنوبه : أهلكته ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : أو يوبقهن بما كسبوا [ 42 \ 34 ] ، أي : يهلكهن ، ومنه الحديث ، " " وحديث " فموبق نفسه أو بائعها فمعتقها " أي : المهلكات ، ومن هذا المعنى قول السبع الموبقات زهير :ومن يشتري حسن الثناء بماله يصن عرضه عن كل شنعاء موبق
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة : ويوم يقول قرأه عامة السبعة ما عدا حمزة بالياء المثناة التحتية ، وقرأه حمزة " نقول " بنون العظمة ، وعلى قراءة الجمهور فالفاعل ضمير يعود إلى الله ، أي : يقول هو أي : الله .